هل أنهت أنقرة هدف “الصلاة في الجامع الأموي في دمشق”؟ !
جاء تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليرد على من حاول تلطيف وتأويل تصريح وزير خارجيته، قبل أيام، حول إعادة العلاقات الطبيعية مع نظام الأسد، ليحسم الجدل حول وجهة أنقرة في الملف السوري، وهي وجهة كانت واضحة منذ انضمام تركيا إلى فريق أستانة مع إيران وروسيا حليفتي النظام السوري، لكن هناك من أصر دوما على الدفاع عن حليف تخلى بشكل واضح منذ سنوات عن دعم الثورة السورية، عندما كانت التصريحات التركية على أعلى المستويات، تعلن عن سياسة تهدف إلى «الصلاة في الجامع الأموي في دمشق» و»حلب خط أحمر»!
كل التصريحات التركية في الساعات الأخيرة كانت أكثر صراحة، وإن ما زالت تحافظ على لغة تلطيفية دبلوماسية لخطوات مقبلة أكثر جرأة، فعندما يقول الرئيس التركي، إنه «بحاجة إلى تأمين خطوات متقدمة مع سوريا، وليس لدينا هدف في هزيمة الأسد، أو عدمها، ولا يمكن أبدا قطع الحوار السياسي أو الدبلوماسي بين الدول»، فهذا يعني أولا إعلان تراجع عن سياسة «سنصلي في الجامع الأموي» و»حلب خط أحمر»، وتمهيدا لتطبيع العلاقات مع الأسد، وصولا لعودة سفراء البلدين، متى سيكون ذلك؟ ببساطة يجيب عليها أردوغان في خطابه نفسه بنقطتين، عندما يقول إن هدفنا في سوريا هو محاربة الإرهاب شمال سوريا وشرق الفرات، أي العمل مع دمشق ضد خصم مشترك هو «قسد» الكردية، والنقطة الثانية تختص بإيجاد حجة ما للقول إن المعارضة السورية سوت خلافاتها مع دمشق، عندما يقول أردوغان «آمل في أن يوضع الدستور في سوريا في أسرع وقت ممكن، وأن يتم هذا الأمر بشكل وثيق، وأن تتخذ خطوات لإزالة جميع مشاكل الناس في هذه المرحلة».
والخطوة الأخرى التي ستقدم عليها تركيا، والتي طالما تحدثنا عنها، هي الانسحاب من المناطق التي دخلتها في شمال سوريا، وإخلاؤها وتسليمها لسيطرة الحكومة السورية، وهذا ما سيضع مصير آلاف النازحين العائدين من تركيا لسوريا في خطر الخضوع مجددا لهيمنة نظام الأسد، الذي هربوا منه في الأصل، والذين تعيدهم تركيا حاليا وتوطنهم شمال البلاد للعبث بالتركيبة الديمغرافية ضد الأكراد، فيقول الرئيس التركي بلهجة ملطفة تهيئ لتصريحات مستقبلية بالانسحاب، بالتفاهم مع روسيا والنظام: «ليس لدينا أطماع في الأراضي السورية… ونولي أهمية لوحدة أراضيهم، ويجب على النظام فهم ذلك»، فالتأكيد على نقطتي وحدة الأراضي السورية والدولة السورية، التي طالما تكررها الدبلوماسية التركية والواردة في نصوص أستانة، هي إعلان مبطن عن نية الانسحاب مستقبلا، بعد تسوية مشكلة الأكراد بعودة علم «الدولة السورية» مكان علم «قسد» .ويأتي وزير الداخلية سليمان صويلو ليكمل الجزء الآخر من السياسة التركية، الراغبة بالتخلص من أكبر عدد من اللاجئين السوريين، فيقول «عندما بدأت (الثورة السورية) في عام 2011، لم نتوقع أن تستمر كل هذا الوقت» بمعنى أنهم لم يتوقعوا صمود النظام أمام المعارضة التي دعمتها أنقرة، ثم يكمل صويلو الحديث عن سبل التهرب من مسؤوليات المغامرة السورية، التي تخلوا عنها فيقول «بناء على الأبحاث فإن 60 في المئة إلى 70 في المئة من السوريين يقولون إنهم يريدون العودة إلى بلدهم في حال أصبحت هناك عودة آمنة»، وهو يصفها بـ»الآمنة» وهو التعبير الملغوم الذي يعني فيه الأتراك أنها آمنة من «إرهاب قسد» وليس الدولة السورية «أي النظام بلهجة ملطفة، وهم يكررون أنهم يريدون وحدة الأراضي السورية!». تصريح أخير من صحافي وليس سياسيا تركيا، والصحافي هو محمد بارلاس ويعمل في جريدة «صباح» التركية، وهي صحيفة قريبة من حزب العدالة الحاكم، إذ يبرر الصحافي تناقض سياسة حزبه ما بين الرغبة في إسقاط الأسد، إلى التصالح معه بتبدل معسكر الحلفاء ما بين الأمريكي والروسي، فيقول، «في فترة الربيع العربي كان أحمد داوود أوغلو رئيسا للوزراء، انجرف وراء الرياح الأمريكية وأفسد العلاقات التركية السورية بشكل كبير، حتى إنه أقنع الرئيس التركي أردوغان بأن الأسد سيسقط خلال فترة قصيرة جدا.
في النهاية دُمرت سوريا، وقتل عشرات الآلاف من الناس، وهاجر الملايين إلى تركيا والأردن، والآن يتم العمل من جديد على إعادة العلاقات على المستوى الدبلوماسي». في هذا التوصيف يعبر الصحافي التركي عن تحول مزاج النخبة المهيمنة في حزب العدالة من «الصلاة مع الثوار في الجامع الأموي» إلى الاجتماع مع الروس والإيرانيين في أستانة وسوتشي.
وسوم: العدد 994