هكذا تحول اتفاق أوسلو من صيغة للحل إلى “مهزلة” ومشروع استيطاني بيد اليمين
لم يعد هذا سراً؛ لقد تحول اتفاق أوسلو من مبادرة اليسار إلى بؤبؤ عين اليمين. بعد فزع أولي من أن الحديث بات يدور عن مسيرة تؤدي إلى تقسيم البلاد، أدرك رجال اليمين بأنهم إذا ما أوقفوا الاتفاق في المكان الذي هو فيه الآن، فسيكسبون العالمين: أغلبية واسعة من الفلسطينيين تتركز في 360 كيلومتراً مربعاً في قطاع غزة، ونحو 2.500 كيلومتر مربع من مناطق “أ” و “ب” في الضفة الغربية. وهم يحظون بحكم ذاتي جزئي، لكن دون سيادة في الضفة. الجيش الإسرائيلي حر في أن يعمل في المناطق الفلسطينية والتفتيش عن مشبوهين في الليالي. مشروع الاستيطان يزدهر، والتنسيق الأمني يبقى ويوفر حياة الإسرائيليين، والعالم يواصل تمويل السلطة ويوفر على إسرائيل نفقات بمليارات الشواكل في السنة.
كل هذا يتم في إطار اتفاق سياسي يقدره العالم كله: ما لم يتوصل الطرفان إلى توافق على اتفاق دائم ومع أنهما قررا التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في موعد لا يتجاوز 4 أيار 1999، يبقى الاتفاق الانتقالي ساري المفعول، ويحق لإسرائيل أن تختبئ من خلفه وتقول إن كل ما يجري، يجري برعاية الاتفاق.
غير أن الاتفاق الانتقالي أصبح مهزلة. الترتيبات التي تمت انطلاقاً من نية تنفيذها في غضون سنوات قليلة، ها هي تقترب الآن من عمر الـ 30 ولا يمكنها أن تحمل العبء – لا الحلول الاقتصادية المؤقتة ولا الحلول السياسية المؤقتة، ولا الخريطة الإشكالية. التفكير قصير النظر الذي بموجبه يمكن “تقليص النزاع”، وانكماشه أو إدارته، دون أن يوضع له أفق سياسي واضح للعودة إلى طاولة المفاوضات دون الانشغال بالتناكف على من عطل نجاح المحادثات في الماضي، ودون بذل جهد جبار للوصول إلى اتفاق دائم، إنما هو تفكير عابث.
الأرقام واضحة: لا توجد اليوم أغلبية يهودية غربي نهر الأردن، وهذا يجب أن يكون كابوس كل صهيوني يؤمن بالديمقراطية. لا يمكن تعزيز السلطة الفلسطينية عندما يصل جنودنا في كل ليلة للتفتيش عن مشبوهين في بيوتهم، وعندما يكون البديل للحل السياسي هو مساعدة اقتصادية وإعطاء تصاريح عمل في إسرائيل (كي يعرفوا ماذا يخسرون عندما يُمنعون من العمل في البلاد). بعد سنوات اعتقد فيها اليمين بأن التعاون مع حماس وإضعاف السلطة الفلسطينية هما الحل، وبعد سنوات اعتقد فيها الوسط بأن التعزيز الاقتصادي للسلطة سيؤجل التسوية السياسية إلى موعد بعيد جداً، يقف كلاهما أمام فشل ذريع.
ربما يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو الذي سيخرج الكستناء من النار نيابة عنا ويعلن، في خطابه السنوي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، عن إنهاء الالتزام الفلسطيني باتفاق أوسلو. في العام الماضي، في خطابه في الجمعية العمومية، قال إنه إذا لم تنسحب إسرائيل في غضون سنة من مناطق 1967، فلن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل، وسيتوجهون إلى المحكمة الدولية في لاهاي كي تعلن عن أن وجود إسرائيل في المناطق التي احتلتها في حرب الأيام الستة ليس قانونياً. ولما كان قال هذا بضع مرات، لم يأخذ كثيرون تهديده على محمل الجد، لكن حيال عدم قدرته على الحكم في أجزاء من الضفة الغربية، ربما يعلن عن تنفيذ تهديده هذه المرة.
سيتعين على إسرائيل لبيد أن ترد على مثل هذا البيان، ولست واثقاً أنها جاهزة لذلك. الانتخابات على الأبواب، ولبيد سيحذر من الدخول إلى الملعب السياسي خشية أن يتهم باليسروية، والمعاذ بالله. غير أن الحذر الزائد ليس وصفة للانتصار في الانتخابات. وثمة قول واضح له بأنه إذا انتخب لرئاسة الوزراء سيقرر أخيراً حدوداً بين إسرائيل والفلسطينيين، سواء بالاتفاق أم من طرف واحد، وسيضع نهاية لمسيرة أوسلو، وكفيل بأن يصبح تفوقاً سياسياً. سيكون هذا قولاً حيوياً في نظر معظم الإسرائيليين ممن فقدوا الأمل بالسلام، وسيكون هذا جوابا لكثير من الفلسطينيين ممن فقدوا الثقة في إمكانية الوصول إلى تسوية، وسيجعل الانتخابات استفتاء شعبياً عن الحاجة لحل لأجل إنقاذ المشروع الصهيوني.
وسوم: العدد 997