الرسالة الوعظيه للشيخ بوش
حين تفتقد الأمة واعظيها، وتدلهم لياليها، وتتسربل أنوارها بظلماتها، وتختفي عمائم مرشديها، وتتلاشى رجالات صولاتها وجولاتها، وحين يكون الدين غامضا لا يستطيع فهمه أو شرحه أبناء العرب وورثة الرسالة المحمدية، وحين تنقلب الموازين انقلاب الموت للحياة، والحياة للموت، يكون لزاما علينا أن نحمل مصاحفنا وسنتنا النبوية إلى مراكز الشرح والاستدلال، والى علماء الكشف والتبيان، والى شراح اللغة والبيان، والى من هم في أعلى مراكز العلم في الكشف وإزاحة الغمة فيما استعص على بقية الأئمة من مجهول النص ومستغلق التأويل في الخافي على مدارك الافهام وقدرة العقول على رد روح المعنى إلى روح النص الثابت في العقول والأذهان.
وسرنا يحدونا الأمل، ويهزنا الشوق الكامن في معرفة ما استعصى علينا استعصاء العنقاء على الممكن والكائن، حاملين المصاحف والسنة النبوية، قاطعين الفيافي، مجتازين الصحارى، طاويين مسافات الأرض، مذللين غضب البحار والمحيطات، قاهرين الثلوج والجليد، مخضعين المسافات الجوية لإرادة القوة المعرفية، شاقين حجب الصمت، مزلزلين جدار الصوت، غير عابئين أو مكترثين بالمخاطر والأهوال، إلى حضرة الشيخ العالم الوافر القادر النابغ المتأصل بعلوم اللغة والبيان، الحاوي علوم الصرف والنحو والبلاغة والنحت وما يتبع كل هذا من ذيول وعلوم، ذلك العالم الحافظ للكتاب والسنة، القادر على التفريق بين ما هو ثابت وغير ثابت، بين الصحيح والمتواتر، وبين الضعيف والقوي، والمعلول والحسن، وصلنا وكلنا إيمان ويقين، بان أمر هذا الدين لن يستقيم إلا إذا أخذنا برأي السيد الجديد الجليل.
ودخلنا فرأينا السيد لا يطلق اللحية ولا يحف الشارب، فقلنا لعل العذر مرضا جلديا قد غزا جسده، فتعذر عليه القيام بهذه السنة، ثم جلسنا فتحدث بلغة أعجمية، لا ترتبط باللغة العربية، فساورنا الشك ودخل في روعنا هاجس من الخوف، لكن الناس قالت: العلم ليس في اللغة، وإنما في إدراك المعاني البعيدة الغور، السحيقة الدلالة، فصمتنا، وقلنا: قد يكون هناك علم لا نعرفه، وقدرة نجهلها، فلنصبر، فالصبر أوعى بالمعرفة، وأعمق بالدلالة، وبين لحظة وضحاها يختلف اللون وتتغير أكوان، وليس على الله بعزيز أن تنقلب الأشياء من سواد الوهلة الأولى إلى نور اللحظة التالية.
وكان أن جاء صوت الآذان، رددنا مع المؤذن ما قال، لكن السيد استرسل في الكلام الدنيوي دون أن يردد شيئا مما قال المؤذن، ونهضنا للصلاة فتركنا وغاب، وبعد الانتهاء من الصلاة جاء يدعونا إلى مائدة الإفطار. والمائدة جامعة حاوية، فيها مما تشتهي الأنفس، وما لا يخطر على بال، فاللحم سيد المائدة، والدجاج من كل لون ومن كل مكان، وعلى الاثنين جرى الفحص الطبي، فليس في اللحم جنون، وليس في الدجاج أنفلونزا ولا ما يحزنون، والأرز مغطى باللوز والصنوبر، وفاكهة مما تشتهي النفس ومما يطيب للعقل والفؤاد المحروم.
وانتهى الإفطار بسلام، حمدنا الله على ما أسبغ من نعم، وشكرناه على ما تقدم من فضل، وجلسنا نطلب العلم والموعظة والحسنة، وكلنا شوق لاكتشاف من لا يعرف من لغة العرب أن يكشف كل ما استغلق على امة الدين واللغة من أسرار وخفايا، وبدأ الشيخ بوش بالتنحنح وهو يغطي فمه بقبضة يده، ثم قال: -
أيها المسلمون الأخيار، سألقي عليكم تعاليم دينكم الحنيف، دينكم النقي الطاهر الخالي من كل أنواع الغموض والالتباس، فخذوا بالرأي السديد نسدد خطواتكم نحو ما تريدون في الحياة دون أن تتعرضوا للوعد والوعيد، وتمثلوا ما أقول على انه حقيقة الدين تنقذون أنفسكم من عذاب أبو غريب وغوانتانامو، وبالطاعة العمياء تحافظون على الأموال المودعة في البنوك وتتقوا غضب الدبابات والطائرات الجاثمة في المطارات العربية تنتظر أمر من لا يسمع صوت من حدثه الله بضرورة قيادة العالم نحو الهدف الأمريكي الموصل للنجاة والفوز العظيم.
أيها المسلمون الأخيار أنا أدعو الزعماء والمسؤولين المسلمين في العالم على «إدانة الإرهابيين الذين يتسترون بالدين»، هؤلاء «القتلة الذين يزهقون أرواح الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، يتبعون عقيدة عنيفة مختلفة كلياً عن الإسلام». وفي كتابكم الكريم ما يثبت أن القاتل ليس من الأمة الإسلامية في شيء، بل ولا يمت للإسلام بأي صلة، ودليل ذلك ما ورد في قوله تعالى «من أجل ذلك كتبنا على أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». ولما لم يستطع أحدهم الجلوس والصمت على نقل الآية محرفة فقال: - ولكن أيها الشيخ الواعظ لا بد وأنك نسيت أن تقرا الآية بشكلها الصحيح، فالآية أيها الشيخ الكريم تقول «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». والحذف في القرآن غير جائز لأنه يغير المعنى ويذهب القدسية عن النص الوارد من الله جل شأنه، مما يترتب عليه غضب الله وسخطه، أما إن كانت الكلمات الأخرى قد سقطت سهوا فان الله لا يؤاخذ الناس بالسهو والنسيان. فقال الشيخ الواعظ بوش: - الم اقل لكم بان الله قد أوحى لي، بل وحدثني بما يريد للبشرية في العصور القادمة، وان الوحي الخاص بي يلغي الوحي السابق الذي تعرفون، فان أعلنتم الطاعة والإتباع نجوتم من غضبي، وان أصررتم على غيكم وطغيانكم حلت عيكم لعنتي، واستحققتم أبو غريب وغوانتانامو، فاختاروا بين الرشد والفوز بالحسابات المصرفية من التأميم والتجميد، وبين الغي وما يتبعه من أهوال أبو غريب وغوانتانامو.
وأنني أقدم شكري وبركاتي الطاهرة لكل «الدول المسلمة التي انضمت إلى ائتلافنا لمكافحة الإرهاب، وبينها العديد من الدول التي وقعت ضحية الإرهاب»، ويجب أن تعلموا بان «المتطرفين يشوهون فكرة الجهاد بتحويلها إلى دعوة للقتل الإرهابي لكل شخص لا يؤمن برؤيتهم المتطرفة بمن فيهم المسلمون من تقاليد أخرى الذين يصفونهم بأنهم مرتدون».
وأنني أبشركم باسم الله بأن «استراتيجية» هؤلاء المتطرفين سائرة نحو الفشل والتلاشي لأن «إيديولوجية» من مثلهم «تستغل الإسلام لأغراض سياسية وتدنس دينكم الشريف». لذلك لا بد من إتباع الطريق الذي نرسمه نحن للتخلص من الصورة التي تدنس دينكم الشريف. ومن نافلة القول أن أؤكد لكم أننا الآن وبعد سنوات طويلة من عدم اكتراثنا بأن تحوي مكتبة البيت الأبيض نسخة من القرآن الكريم فإننا و «للمرة الأولى في تاريخ أمتنا» قد وافقنا على دخول نسخة من القرآن إلى مكتبتنا هنا، وهذا أمر يجب أن تأخذوه بعين الاعتبار، بل وعلى محمل الجد، لأن مجرد التفكير بأن تحوي مكتبتنا نسخة من كتابكم يعني أننا نعترف بكم وبدينكم ويكفيكم منا أن تحظوا بمثل هذا الشرف.
واليوم نحن هنا من أجل أن نؤكد أننا «اجتمعنا هذا المساء لتأكيد القناعة بأن أميركا يجب أن تبقى أرضاً مضيافة ومتسامحة. يحق لأبناء شعبنا أن يمارسوا الدين الذي يريدونه، ونرفض أي شكل من أشكال التمييز العرقي أو الديني». لذلك فإن التحريف الذي تعمدته عند قراءة الآية التي تتحدث عن القاتل لا يمكن تفسيره بأنه كراهية للدين الإسلامي أو تصغيرا من شأنه، ولا يدل على أي نوع من أنواع التمييز بين الديانات، بل هو تأكيد على حقنا في تفسير الآيات تفسيرا يتناسب مع معتقداتنا ورؤيتنا للمفاهيم التي يتوجب عليكم الإيمان بها وإتباعها، والحق كل الحق في سيادة شرائعنا وأفكارنا على شرائعكم وأفكاركم لأنكم من دول العالم الثالث الذي لا يملك أي مقوم من مقومات النهوض بالتفسير الديني الواضح للعلاقة القائمة بين دول العالم المتقدم ودول العالم الثالث الذي يسعى للوصول إلى أعتاب رضانا الذي لا يناله إلا من أعلن الولاء والإيمان الكاملين للوحي الذي كلفني الله بنشره بين العالم الذي لا يعرف عن الله وحقيقته إلا قليل القليل.
وأنا كإمام يبذل من وقته وجهده الكثير من أجل إفهامكم حقيقة الحياة والدين فأنني أشيد بروح «التعاطف الإسلامية» التي «لمسها الشعب الأميركي» بعد أحداث الإعصارين «كاترينا» و «ريتا»، والمساعدات التي وصلتنا من العالم الإسلامي لهي خير دليل على أنكم بدأتم تخطون خطوات صحيحة في مفهوم الطاعة المتوجبة والمفروضة عليكم اتجاه أسيادكم في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن المساعدات التي قدمت والتي «لمسها العالم عبر المبادرات الطيبة التي لا تحصى إثر الزلزال في جنوب آسيا». هي دليل واضح على تأثركم بالحضارة الأمريكية، ودليل واضح على التزامكم الطاعة المفروضة عليكم التزاما يجعلنا نطلب من أبناء أمريكا وعائلات أمريكا أن يسافروا للدول العربية والإسلامية وأن يتقربوا من الشعب المسلم دون خوف أو وجل، ونحن إذ نقر هذا الأمر فإننا نعلم علم اليقين بأنكم سوف تتلقفون ما يحمله لكم الأمريكي تلقفا يتناسب مع حجم جهلكم وحجم علمنا، وكذلك مع حجم عبوديتكم وحجم سيادتنا عليكم وعلى العالم الذي يسير في ركبنا وكأنه شريك في صنع أحداث العالم معنا، مع العلم وفي حقيقة الأمر فإنهم لا يختلفون في عبوديتهم عنكم إلا بكونهم غير مسلمين.
وزيادة في الكرم الأمريكي الذي نعتبره كجائزة مقدمة إليكم بسبب فروض الطاعة والولاء التي تقدمونها فإنني «طلبت من الشبان الأميركيين درس لغات الشرق الأوسط الكبير وعاداته». وهذه منة كبيرة مني اتجاه لغة معدومة وأمة معدومة. فقابلوا الإحسان بإحسان، والجميل بجميل، ولا تكونوا جاحدين للنعم التي أغدقناها عليكم بأن شرفناكم أن تكونوا عبيدا على بوابات سلطاننا وجاهنا، ولا تكونوا عبيدا ناشزين، لأننا عندها سنضخ غضبنا عليكم ويلات وويلات، وما أبو غريب وغوانتانامو إلا أول أبواب جهنم التي نخفيها إلى وقت معلوم لدينا مجهول لديكم، كونوا عبيدا رائعين في عبوديتكم، وحولوا قبلتكم نحو البيت الأبيض، لان الله أوحى لي بان أحول القبلة إلى حيث اشتهي، واتركوا أمر القرآن والسنة لنا، فنحن اقدر منكم على تفسير إرادة الخالق حتى وان كنا لا نتقن اللغة العربية.
آمل أن تكون قد وصلتكم الرسالة، لأن بعد الذي قلت لن يكون هناك مكان لقول أخر، وعلى الحاضر أن يعلم الغائب، لان خطأ الفرد ستتحمله الأمة بكاملها، فاحرصوا على صناعة العبيد بنفس صورة العبودية التي تتجلى فيكم رائعة وضاءة.
انتهى الدرس الوعظي لهذا اليوم، أترككم في رعاية أبو غريب وغوانتانامو، وحتى نلتقي في رسالة وعظية أخرى لكم مني ومن امتنا الأمريكية كل آيات السيادة، ولنا منكم ومن أمتكم كل فروض العبودية.
النصوص التي تحدث بوش بها مقتبسة من صحيفة دنيا الوطن.
وسوم: العدد 1013