ما هو الدور المنوط بالطليعة المثقفة في الوطن العربي لتدراك تردي أوضاعه المنذرة بما لا تحمد عقباه ؟؟؟
من المعلوم أن الوطن العربي ليس مجرد بقعة جغرافية تقع بين الخليج والمحيط ، بل هو هوية تنضوي تحتها شعوب لا يمكن التفريق بينها وإن تنوعت أعراقها بأسلاك شائكة على غرار الأسلاك التي تنتشر في هذه البقعة من الأرض، وتقسمها إلى كيانات على رأس كل كيان نظام يحكمه على طريقته ووفق مزاجه .
ومن المعلوم أن الهوية الواحدة تلزم أصحابها بالمصير الواحد الذي لا مندوحة ، ولا خيار ، ولا بديل لهم عنه ، وهذا يعني أنهم كيان واحد ، وليسوا كيانات متفرقة ، فهم في وطنهم كركاب سفينة تمخرعباب بحر ، وليس هذا الوصف مجرد تشبيه من وحي الخيال بل هو واقع، أليس وطننا العربي قطعة عائمة على سطح الكوكب الأزرق كغيرها من القطع العائمة فوقه ،وهي سائرة حيث يسير إلى أجل معلوم ؟
ومن المعلوم أن الذي يجمع بين ركاب سفينة على وجه الحقيقة تعبر بحرا على هو شيء واحد لا ثاني له وإن تنوعت ألوانهم ،واختلفت ألسنتهم، وعقائدهم، وقناعاتهم ،وثقافاتهم، وأجناسهم، وأعمارهم، ومراتبهم الاجتماعية ، وأرصدتهم المالية ...ألا وهو المصير الواحد، فهم كلهم يعبرون ذلك البحر ، ومصيرهم أحد أمرين: وصول آمن إلى اليابسة بسلام أوهلاك بغرق ، وحين يحدث هذا الأخير تصير لهم هوية واحدة حيث يعتبرون جميعا غرقى ، ولا ينفعهم شيئا أن يميز حينئذ بين هوياتهم الهشة على حد وصف المفكر عزمي بشارة التي يكون لها بعض المعنى لو أنهم وصلوا بسلام إلى البر الآمن .
ولا يختلف حال السفينة على وجه الحقيقة عن حال السفينة المجازية التي هي وطننا العربي، ولا يختلف مصير الغرق الحقيقي عن مصير الغرق المجازي كما صور ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه :
" مثل القائم في حدود الله ،والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من من فوقهم ، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا " .
وبمناسبة ذكر هذا الحديث الشريف أستحضر حلقات إصلاحية للمرحوم الأخ عبد المجيد بنمسعود تغمده الله بواسع رحمته سمّاها : خروق في سفينة المجتمع " ونشرها على موقع وجدة ستي ، وقد استلهمها من هذا الحديث الشريف، فأجاد ،أحسن الله إليه في مثواه .
وأعود لأقول إن سفينتنا التي أحد طرفيها في الخليج، والآخر في المحيط حالها اليوم كحال ركاب السفينة الذين وصفهم الحديث الشريف ، وهو حال غير مسبوق من حيث السوء والتردي ... حيث انتشرت الخروق في سفينتنا، وقد أحدثها ربابنتها من أصحاب القرارالذين يتعاملون مع ركابها كما يتعامل الرعاة مع قطعان الماشية تعينهم على ذلك كلاب رعي.
وإن سفينتنا على موعد مع غرق وشيك ـ لا قدر الله ـ وقد اتسع كل خرق فيها على الرتق ، وطليعة أبنائها من المثقفين ينظرون ، ولا يحركون ساكنا إلا قليل منهم صيحاتهم كصيحات المنادي في واد، يرد عليه صداه ، ولا مجيب .
ومشكلة هذه الطليعة على قلتها ،فإن علتها أنها منقسمة على نفسها شذر مذر يمينا ويسارا وفيها من يدينون بالولاء إما إلى الربابنة ساكتون على ما يحدثونه من خروق فظيعة في السفينة سكوت الشياطين الخرس ، أو يدينون بالولاء إلى غرباء يكيدون لها الكيد الماكرالخبيث طمعا في حمولتها الثمينة ، أو يلزمون الصمت على ما لا يحسن السكوت عليه كما يقول أهل اللغة ، علما بأن السكوت على ما لا يحسن السكوت عليه لا فائدة ترجى منه . وأمام هذا السكوت آل الأمر إلى من سد مسد هذه الطليعة المنقسمة على نفسها من لا صلة لهم بالطيعة وهو مسد لا يحسن كما لا يحسن السكوت ، الشيء الذي ينذر بما لا تحمد عقباه وهو ويل ، وثبور، وعواقب أمور.و معلوم أن طليعة مثقفة على هذه الحال المزرية ، وجودها كعدمها إذا كانت خروق السفينة ماضية كما خطط لها من داخلها ومن خارجها .
ومأساة هذه السفينة إلى جانب عطل طليعتها المثقفة أن عموم ركابها معطلة إرادتهم أيضا بعدما بحت أصوات بعضهم تعبيرا عن الخوف من خطر غرق داهم وشيك ، وقد ألقى كثير منهم بأنفسها في البحر ، فهلك منهم من هلك على غير بينة ، وتشبث منهم من تشبث بسفن الأغيار وهم غير مرعوب فيهم ليصيروا خدما وأقنانا عندهم . ومعظم ركاب سفينتنا الذين ما زالوا على ظهرها حالهم كحال سفينة " التيتانيك " التي صورها الفيلم الشهير وهي تغرق ، ومجموعة موسيقية تواصل العزف كما كانت قبل غيرقها ، ومجموعة من الركاب منشغلون بها عن هول عظيم يتهددهم .
ومعلوم أن ركاب سفيتنا في حاجة ماسة إلى طليعة مثقفة تكون صادقة في منع خروقها والحيلولة دون استمرارها عوض طليعة إما مستأجرة عند الربابنة قد فاحت رائحة استئجارها ، أو منشغلة بالخلاف فيما بينها بما يفرّق أكثر من انشغالها بما يجمع ، ولا يجمع سوى نجاة السفينة من الغرق . و معلوم أن حال ركاب على ظهر سفينة في عرض البحر ليس كحالهم وقد نزلوا البر الآمن ، فهم على ظهرها لا وقت لهم للخلاف والاختلاف بل كل همهم يكون هو صيانتها من خطر الخروق المفضية إلى خطر الغرق حتى إذا بلغوا البر الآمن فلهم حينئذ أن يختلفوا ما شاءوا، وأنى شاءوا وقد زال عنهم الخطر .
وأخيرا نقول إذا كانت السفن على وجه الحقيقة، تمخر البحر، وترسوا على جانب البر ، فإن سفينتنا المجازية ماخرة البحرعلى الدوام ، وبرها الآمن إنما هو ظهرها ، وذلك هو قدرها إلى أن تبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
وأخرا نقول إن كل من يعتبر نفسه من الطليعة المثقفة ، ولكنه لا يسدي خدمة لسفينتنا ولا ينفعها بشيء، فهو آثم إثم الدارين ،ونادم عما قريب ، ولات حين مندم .
وسوم: العدد 1016