كيميائي النظام السوري وعمليات التطبيع
حسب التقرير الصادر عن فريق تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذي صدر مؤخرا أكد أن: «في يوم 7 نيسان/ أبريل من العام 2018، وفي الساعة السابعة والنصف مساء بتوقيت دمشق، قامت مروحية على الأقل تابعة لوحدة القوات الخاصة (المعروفة باسم قوات النمر) بإلقاء برميلين يحملان مادة الكلور السامة، استهدفا مبان سكنية للمدنيين في مدينة دوما الواقعة في ريف دمشق في الغوطة الشرقية، وتسببا في مقتل 43 شخصا تم تحديد هوياتهم جميعا» وقال المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فرناندو أرياس إن الأمر «متروك للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءات، سواء كانت في إطار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو خارجها».
النظام السوري يفلت من العقاب؟ تعتبر مجزرة حلبجة العراقية التي قام بها علي المجيد «الكيميائي» في 17آذار/مارس من العام 1988. أول مجزرة بالسلاح الكيماوي في الشرق الأوسط ضد أكراد العراق والتي عرفت بـ «الأنفال» وكانت بعض المصادر أشارت إلى أن وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد هو من زود العراق بهذه الأسلحة لمساعدتها في حربها على إيران في العام 1983.
وفي تلك الفترة كانت العلاقات بين نظام صدام حسين ونظام حافظ الأسد متدهورة جدا، وخاصة بعد وقوف نظام دمشق إلى جانب إيران في هذه الحرب، وبمفهوم آخر كان النظام السوري محاطا بثلاث دول معادية (العراق، وتركيا، وإسرائيل) اثنتان منها تملك أسلحة دمار شامل (العراق، وإسرائيل) وربما تركيا ولو أن ذلك لم يكن معلنا رسميا. وشعر نظام الأسد بالخطر لأنه لا يمتلك سلاحا رادعا (كيماوي أو نووي) وبما أن السلاح النووي صعب المنال، اختار الحصول على سلاح كيماوي بمساعدة موسكو تحت شعار «التوازن الاستراتيجي» دون الإعلان عن ذلك، وقد بدأ برنامج نظام الأسد الكيماوي في أواخر سبعينيات القرن الماضي واكتملت عملية التصنيع في العام 1988، أي في نفس العام الذي وقعت فيه مجزرة حلبجة. وقدرت استخبارات دول غربية في العام 2013 أن سوريا تمتلك بحدود 1000طن من المواد الكيميائية (غاز الخردل، غاز الأعصاب، الكلور) وعدة مئات من الأطنان من غاز السارين.
في ذلك الوقت كان النظام السوري لم يصدق على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، لكنها انضمت إلى الاتفاقية في 14تشرين الأول/ اكتوبر2013 أي بعد مجزرة الغوطة الرهيبة بالسلاح الكيماوي التي راح ضحيتها حوالي 1500 شخص معظمهم من الأطفال، ومن خلال الاتفاقية الموقعة بين نظام الأسد والمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 27 أيلول (سبتمبر) 2013 المتضمنة تسليم مخزون النظام من الأسلحة الكيميائية، ومنعه من تصنيعها ونقلها واستخدامها، والتي صادق عليها مجلس الأمن الدولي في العام نفسه ضمن القرار رقم 2118 حيث اعتبر قرار مجلس الأمن أن الاتفاقية جزء لا يتجزأ من القرار، وتنص الفقرة21 من القرار «في حال عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة». كما أن الفقرة 15 من القرار، أشارت إلى ضرورة محاسبة الجناة ومن ارتكبوا جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وأنشئت بعثة مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة للإشراف على عملية تدمير مخزون الأسلحة الكيميائية. وأكد وزير الخارجية الأمريكية حينها جون كيري في 20 تموز/يوليو 2014: «لقد أبرمنا اتفاقا حصلنا فيه على 100 في المائة من الأسلحة الكيميائية». لكن واقع الأمر كان عكس ذلك تماما، فقد ارتكب النظام عدة مجازر أخرى بالسلاح الكيميائي بعد هذا التاريخ.
الأمر الذي اضطر المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية – أحمد أوزومجو، إلى تشكيل بعثة تقصي الحقائق للوقوف على حقيقة المزاعم المتعلقة باستخدام غاز الكلور لأغراض عدائية في سوريا. جمعت هذه «البعثة» من الأدلة ما يكفي لإثبات استخدام السلاح الكيميائي في الصراع الدائر بين النظام السوري والمعارضة المسلحة. لكن تقارير البعثة لم تُـحدد الجهة الفاعلة فأصدر «مجلس الأمن» قراراً بتشكيل «آلية التحقيق المشتركة» بين «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» و«منظمة الأمم المتحدة» وأسندت لها مهمة تحديد هوية الجهة التي نفذت كلّ من الهجمات بالأسلحة الكيميائية، وفي الـ12 من نيسان/أبريل 2021، أصدر «الفريق» تقريره الثاني عن الهجوم الكيميائي الذي وقع في مدينة سراقب (ريف إدلب) يوم 2 شباط/فبراير 2018، مؤكداً أن «قوات النظام» هي المذنبة في ذلك الهجوم. وفي الـ7 من كانون الثاني/يناير 2023، أصدر «الفريق» تقريره الثالث عن الهجوم الكيميائي الذي استهدف موقعين في مدينة دوما (محافظة ريف دمشق) يوم 7 نيسان/أبريل 2018، مؤكداً أن «قوات النظام» هي المذنبة في هذه الهجمات. وبالتالي فإن إثبات منظمة حظر السلاح الكيميائي الدولية استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي يعد انتهاكا صارخا للقرار 2118 لعام 2013 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي يجب أن يطبق عليه الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ما هدف التطبيع؟ رغم كل ما تقدم تسعى بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام يفترض أن يكون مطلوبا للمحاسبة دوليا، ويبدو حسب صحيفة الفيغارو الفرنسية التي أوردت مقالا تحت عنوان: «عودة الجزار صاحب الجلالة» تتساءل فيه كيف تمكن بشار الأسد من البقاء في السلطة بعد الفظائع التي ارتكبها بحماية دولتين منبوذتين: روسيا وإيران. وتابعت: «السوريون عاشوا عقدا أسود ومع ذلك علينا أن نصدق أن هناك حظا فقط للأوغاد» وتوقعت الصحيفة أن يمتلئ جدول مواعيد بشار الأسد خلال العام 2023 بمواعيد دبلوماسية لم يرها منذ سنوات مع إقدام دول في الشرق الأوسط أو أوروبية متوسطية على إبرام اتفاقيات معه. وكانت الولايات المتحدة التي أحجمت مرتين عن معاقبته بعد مجزرة الغوطة في عهد باراك أوباما، ومجزرة خان شيخون في عهد دونالد ترامب، حذرت من التطبيع مع النظام السوري لكن أحدا إلى الآن لم تأخذ الدول الراغبة في عين الاعتبار التحذيرات الأمريكية، والقيام بعمليات تطبيع مع هذا النظام الذي ليس لديه أي شيء يقدمه، تعني بطريقة أو بأخرى فك عزلة النظام، لأنه المستفيد الوحيد، وإنقاذه من العدالة الدولية.
وسوم: العدد 1018