فورين بوليسي: ضحايا الزلزال في سوريا عالقون في مصيدة الأسد

قال الزميل في معهد الشرق الأوسط، ومدير برنامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف، تشارلز ليستر، إن ضحايا الزلزال في سوريا باتوا عالقين في مصيدة الأسد، مشيرا إلى أن المعبر الوحيد المفتوح لنقل المساعدات الإنسانية غير صالح لذلك الآن.

وفي مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” قال ليستر إن المدنيين في شمال سوريا خلدوا للنوم في ليلة 5 شباط/ فبراير، حيث كان النزاع المستعصي في حالة من الهدوء النسبي. ولم يعرفوا أن هزة أرضية قاتلة لم تشهدها المنطقة منذ قرن، ستضربهم وهم نائمون.

وبعد 12 عاما من النزاع، استخدم النظام السوري كل ما توفر لديه من الأسلحة ضد شعبه، ولهذا، فالدمار الذي أحدثته الهزة الأرضية في شمال- غرب سوريا لا يقارن بما عاناه السكان.

وعندما يتعلق الأمر بالمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال- غرب البلاد، فلم يكن متوقعا أن تضرب كارثة طبيعية أناساً ضعافاً بهذه الطريقة. فقبل الكارثة، كانت المنطقة تعتبر واحدة من مناطق العالم التي تواجه أزمة إنسانية حادة، ويعيش فيها أكثر من 4.5 مليون نسمة، في مساحة لا تتجاوز 4% من أرض سوريا، وحوالي 3 ملايين منهم، فرّوا من بلداتهم ومدنهم بعد سيطرة قوات النظام عليها.

وتم تدمير نسبة 65% من البنى التحتية في تلك المنطقة، وتعتمد نسبة 90% من السكان على المساعدات الإنسانية والتي تأتي إلى معبر باب الهوى عبر تركيا. وتعتبر جهود الإغاثة عبر المعابر الحدودية عملية ضخمة، وتحتاج إلى تنسيق تشرف عليه الأمم المتحدة.

وكانت هناك ثلاث معابر حدودية لنقل المواد الإنسانية، إلا أن روسيا ساهمت في إغلاق معبرين، وذلك باستخدام الفيتو في مجلس الأمن. وهددت روسيا في السنوات الماضية بإغلاق معبر باب الهوى، وهو ما قاد إلى تحذيرات من الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التي قالت إن عملا كهذا سيؤدي لكارثة إنسانية. ولكن الطريق المؤدي للمعبر الوحيد، تضرر بسبب الزلزال، وشُلت البنى التحتية للإغاثة التابعة للأمم المتحدة.

ويعاني عمال الإغاثة من نفس الظروف الإنسانية التي يعيش فيها سكان المناطق المنكوبة. فهذا كابوس مرعب وحقيقي عندما تضرب كارثة إنسانية سكانا محتاجين أصلا للمساعدة، وعرضة للمخاطر. وخلّف الزلزال وراءه بنايات مهدمة، وآلافاً من الضحايا وسط موجة برد قاسية وبدون مسار لنقل المساعدات الإنسانية.

ومن هنا، فالوقت مهم، لأن السوريين يموتون كل دقيقة تحت الأنقاض إلى جانب المشردين بلا مأوى، والذين لا يجدون مكانا يلجأون إليه من البرد. وتعهد المجتمع الدولي بتقديم المساعدات لتركيا وهو الموقف الصائب، وكما هي العادة، فسوريا والسوريون هم فكرة متأخرة.

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الولايات المتحدة تقدم الدعم للمنظمات غير الحكومية السورية على الأرض، إلا أن الدعم هذا غير كاف. والمنظمة المعنية هي الخوذ البيضاء أو الدفاع المدني التي لديها حوالي 3 آلاف متطوع يعملون وسط السكان البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة. ونشأت هذه المنظمة للرد على الغارات الجوية المتفرقة التي يشنها النظام، وليس للرد على هزة أرضية مدمرة.

وهناك معابر حدودية موجودة مثل باب السلام واليعربية، يمكن نقل المساعدات من خلالهما.

وقال الكاتب إن القوات الأمريكية الموجودة في شمال- شرق سوريا، وتتعامل مع المقاتلين الأكراد، يمكن أن تساعد في جهود الإغاثة “لو أردنا”. وأضاف أن الانتظار حتى يتم إصلاح الطريق للمعبر الوحيد، والرد على الكارثة، يعني خسارة المزيد من الأرواح. وعملية نقل المساعدات معقدة وبحاجة لبيروقراطية مكثفة، وتتعرض لخطر الضغوط من النظام السوري، وهو لم يعد مناسبا لقيادة جهود إغاثة، نظرا لعدم توفر القدرات اللوجيستية. ولا بد من تحرك تقوده الولايات المتحدة والدول المتعاونة معها، وتسهله تركيا، وهو الخيار المتوفر لو أردنا المساعدة، بحسب قول ليستر.

كما تعرضت المناطق الخاضعة للنظام في حماة وحلب ومدن شاطئ البحر المتوسط لأضرار، وهي بحاجة إلى مساعدات عاجلة. وكدولة مانحة للمساعدات، فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ستلعب دورا مهما لتوفير الدعم للأمم المتحدة كي تقوم بتنسيق الجهود من دمشق. وقدمت حكومات العراق والجزائر والإمارات وروسيا مساعدات عاجلة وإضافية، ورفضت سوريا عرضا للمساعدة من إسرائيل في 6 شباط/ فبراير.

وقبل الزلزال، كانت مناطق النظام تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن أسلوب الأرض المحروقة الذي اتبعه النظام للبقاء، إضافة لانهيار قيمة العملة السورية، وتأثر الاقتصاد بالأزمة المالية في لبنان، وتداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية في أوكرانيا، وتراجع الاقتصاد الإيراني.

وفي ضوء مظاهر الحنق الداخلي من الأوضاع، فقد شعر النظام بأنه محشور في الزاوية، ولهذا أصدر تصريحات طالب فيها بالدعم الدولي. وقال سفير النظام في الأمم المتحدة، بسام الصباغ للصحافيين في 6 شباط/ فبراير، إن حكومته ترحب بأي دعم، بشرط أن يمر عبر دمشق، مما اقتراح  فيتو على أي عمليات إغاثة إنسانية عبر الحدود.

ويجب على المجتمع الدولي أن يظل ملتزما بالمساعدات عبر المعابر الحدودية، وتوسيع خطوط المساعدة ولو مؤقتا عبر دمشق، بشرط السماح بمرور المساعدات إلى منطقة شمال- غرب سوريا. ولدى النظام سجل طويل في التحكم وسرقة وحرف وتخريب المساعدات الإنسانية. ويحصل النظام على أرباح من فرق العملة، ويسرق نصف الدولارات التي تُرسل إلى سوريا.

وأشار الكاتب إلى ضرورة التصرف كلاعب مسؤول، ويجب التركيز على تخفيف المعاناة الإنسانية بدون تجاوز هذا المبدأ. ويقول إنه لو فشلنا في الالتزام بالشروط هذه، فإننا قد ندخل عن غير قصد في عملية تطبيع مع النظام. وهناك ثقة قليلة في تقديم استثناءات إنسانية لنظام الأسد. ففي السنوات الأولى، وافق المجتمع الدولي على تقديم إحداثيات لكل مستشفى سوري في الشمال للطيران الروسي، لكن تحول هذا التنسيق إلى معلومات استخباراتية لقصف تلك المشافي لاحقا.

وربما أطلق النظام الرصاص على قدمه ورفض المساعدات الغربية، ولكن يجب ألا تفقد الولايات المتحدة الرؤية وسط الكارثة الأخيرة التي حصلت، فلو قبلت مساعداتها الإضافية، فعندها يجب وضع شروط  يتم فيها توصيل المساعدات للجماعات المتأثرة حسب الاتفاق.

وربما لن يكون الترتيب مناسبا بالمطلق؛ لأن كل مشتريات الأمم المتحدة تتم عبر كيانات فُرضت عليها العقوبات، إلا أن المنظمة الدولية قبلت هذا الوضع كشرٍّ لا مفر منه. ولو رفض النظام المساعدات الدولية، أو فرض شروطا مشددة عليها، فيجب على المجتمع الدولي أن يكون متيقظا، فقبل الزلزال كانت سوريا تسير إلى الهاوية، انهيار اقتصادي ونزاع مستعصٍ وحروب إثنية وسياسية، في وقت لم يظهر النظام أي إشارة للتنازل.

ووصلت الهجرة غير الشرعية من سوريا إلى أوروبا عام 2022 إلى نسبة 100%، وقد تزيد أكثر مع الزلزال وتداعياته. وعلى مدى السنوات الماضية، اختار المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات غير ناضجة عندما يتعلق الأمر بالسياسة من سوريا، أي تجاهلها أو تجاهل الأسباب التي أدت إليها أو تجاهل الإثنين معا. ويجب أن يتوقف هذا الآن، وفق رأي الكاتب.

وسوم: العدد 1018