لا أمل بتاتا في أن تفعل السلطة الفلسطينية شيئا عمليا أو قانونيا يضر إسرائيل . هذا يناقض وظيفتها التي من أجلها وافقت إسرائيل على إنشائها في 1994 تنفيذا لاتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1993 . إسرائيل لا توافق على إنشاء كيان يعاديها ويسترد منها ما احتلته في 5 يونيو 1967 ، الضفة والقدس وغزة . وافقت على إنشاء كيان يسهل احتلالها الاستيطاني لهذه المناطق ، ويحمل عنها العبء المعيشي لسكانها مثلما تسميهم . ومأذون للسلطة أن تدين ما تستنكره من أفعال إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ، ومحظور عليها أن تتجاوز الإدانة إلى الفعل الضار بها عمليا أو قانونيا . واستنزفت السلطة تقريبا كل كلمات الإدانة وجملها ضد إسرائيل ، ولم يزعج الاستنزاف إسرائيل . لا يزعجها إلا العمل الذي يعطل استيطانها أو يقتل جنودها ومستوطنيها . وألِفت السلطة في هذا السياق المكتفي بالكلمات والعبارات أن تهدد مثلا بوقف التنسيق الأمني ، وبعد يوم أو يومين يستبين أنه مستمر . وذات الشيء يحدث مع التهديد باللجوء لمحكمة الجنايات الدولية . لا شيء ينفذ عمليا أو قانونيا ضد إسرائيل . وما كان لمشروع قرار دعوة مجلس الأمن لمطالبة إسرائيل بالوقف الفوري للاستيطان الذي قدمته الإمارات بالاتفاق مع السلطة لينجو من مصير ما سبقه من خطوات وتهديدات السلطة لإسرائيل . سحبت الإمارات المشروع قبل التصويت عليه بيوم واحد . ووفق ما هو معتاد في أخبار المنطقة التي تتصل بإسرائيل وأي طرف عربي ؛ بادر الإعلام الإسرائيلي عبر موقع " واللا " بالكشف عن البنود الثمانية لصفقة سحب المشروع بين السلطة وإسرائيل . وفور قراءتها يستبين أنها في أكثرها ثمن هزيل مؤقت لموافقة السلطة على سحب مشروع قرار الوقف ، وبعضها لا قيمة فعلية له ، وبعضها مخادع . الكثير الهزيل المؤقت : التزام إسرائيل عدة شهور بتجميد البناء الإضافي في المستوطنات ، وتجميد هدم منازل الفلسطينيين في الضفة والقدس الشرقية ، وتجميد إخلاء منازلهم في المنطقة ( ج ) ،والتخفيف من اقتحام المدن الفلسطينية . تلتزم بالتجميد المؤقت لا الإلغاء ، وهذا يمنحها الحق في وقف ما التزمت به بعد وقت قصير ، واستئناف البناء الإضافي في المستوطنات ، وهدم منازل الفلسطينيين ، وإخلاء المنطقة ( ج ) منها . و " تخفيف " اقتحام المدن الفلسطينية كلمة مرنة الدلالة ستفسرها إسرائيل وفق هواها ، وتجميد البناء الإضافي في المستوطنات لا أحد يستطيع أن يطلع على جدية إسرائيل في تنفيذه ، ولو اطلع ، مثل السلطة ، فماذا سيفعل لإجبارها على جدية التنفيذ ؟! وأميركا ستعلم به إلا أنها لن تجبرها على هذه الجدية . والتجميد المؤقت لهدم منازل الفلسطينيين أو الاستيلاء على أراضيهم أسلوب تتبعه المحكمة الإسرائيلية العليا حين تفصل في أي نزاع ملكية بينهم وبين الحكومة الإسرائيلية أو المستوطنين ، ودائما يتم الهدم والاستيلاء بعد انقضاء مدة التجميد . وموافقة إسرائيل على تغيير في الإجراءات الضريبية على جسر الملك حسين تعود على السلطة ب 200 مليون شيكل سنويا أو ما يقارب 55 مليون دولار ؛ يمكن أن تتراجع عنه عند أي خلاف مع السلطة ، وليس يفوتنا أنها لم توقف ما تستولي عليه من أموال المقاصة قدر ما تدفعه السلطة لعائلات الأسرى والشهداء . ليأخذ الفلسطينيون المال من بعضهم بعضا ! وهل في البنود ما هو إسرائيلي النفع الخالص أكثر من موافقة السلطة على تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعها المنسق الأمني الأميركي مايك فنزل لإعادة سيطرة السلطة على جنين ونابلس ؟! وهل من شك في أنها خطة إسرائيلية مقدمة باسم أميركي ويد أميركية ؟! وفي ذات المسار الخالص النفع إسرائيليا ، الهائل الضرر فلسطينيا ، يأتي بند موافقة السلطة على العودة لمحادثات التنسيق الأمني الذي لم يتوقف . ولا قيمة لوعد الإدارة الأميركية بدعوة أبي مازن للقاء بايدن في واشنطن العام القادم . ماذا سيعطيه ؟! حتما لا شيء . ولو وافق على إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن ، فما فائدة إعادة فتحه ؟! ولماذا الوعد بالزيارة العام القادم والعام الحالي في أوله ؟! ويقفز الخداع إلى أقصى مداه في البند الذي يتحدث عن التزام أميركا للسلطة بتقديم طلب لإسرائيل لإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية . سترفض إسرائيل الطلب مثلما رفضته سابقا ، وأميركا تعرف هذا ، وهي متفقة معها سلفا على رفضه ، ولكن لا خوف من خداع من يقبل أن يكون مخدوعا وملدوغا مثل السلطة الفلسطينية المتآكلة ضعفا وهوانا ، والمستسلمة كليا لإرادة إسرائيل . ونوضح أننا لم نكن نتوقع أن يسلم مشروع قرار وقف الاستيطان من الفيتو الأميركي إلا أن سحبه بهذا الثمن الهزيل المؤقت والمقرون بمكاسب إسرائيلية ملموسة محددة ؛ ما كان يجب الإقدام عليه ، وكان الأنسب تقديمه ولو من باب : " علي طلاب العز من مستقره = ولا ذنب لي إن عارضتني المقادر " . والمعارض هنا الإجرام الأميركي مؤتلفا مع الإجرام الإسرائيلي ومؤازرا له . جانب آخر ، يستحيل أن تسيء الإمارات لإسرائيل أو تغضبها ، ونظن أنها اتفقت معها ومع السلطة على مسرحية تقديم المشروع وسحبه تهيئة للصفقة التي انكشفت ، وكلها لصالح إسرائيل بثمن هزيل مؤقت للفلسطينيين .