وقفة مع المرأة في عيدها السنوي مع حلول الثامن من مارس
مع حلول الثامن من شهر مارس من كل سنة، يثار موضوع المرأة لأن ذلك اليوم قد اتفق الناس في المعمورعلى جعله عيدا لها . وتختلف الآراء في الحديث عنها في مثل هذا اليوم حسب القناعات ،والثقافات، والمرجعيات الفكرية والنوايا ، وإن كانت الغالبة منها تركز على مظلمة المرأة ، وتفصل فيها القول تفصيلا .
ولقد أدليت سابقا في عدة مقالات منشورة على هذا الموقع وغيره من المواقع بدلوي في موضوع المرأة بهذه المناسبة ، وأنا اليوم سأقف وقفة معها في عيدها بعد تهنئتها بهذه المناسبة.
وإذا كان الناس غالبا في مثل هذه المناسبة يتحدثون عن المرأة دون تحديد موقعها في المجتمع أو يركز بعضهم على نماذج نسائية بعينها ، فإنني في هذه الوقفة اخترت أن أتحدث عن ذوات القربى من النساء وهن على التوالي :
ـ الجدة : هذه المرأة التي لا تدرك في الغالب إلا وهي في خريف عمرها، تلبس الوقار، وتفيض رحمة، ورقة ،وحنوا على الحفدة ، وتكون في موقع التشفع لهم عند الآباء والأمهات حين يكونون عرضة للمحاسبة والعقاب لجناية اقترفوها . وهي إلى جانب ذلك مصدر أخبار وأحاديث وأحاجي طريفة ومشوقة ، ويتعشق الجميع كبارا وصغارا إلى الجلوس إليها لسماع طرائفها ، وهي عند الجميع محط اهتمام، واحترام ،وتوقير يكاد يرقى إلى مستوى التقديس ، ووجودها نعمة كبرى ، وغيابها بئس الحرمان .
ـ الأم : هذه المرأة المصاحبة للجميع صحبة تبدأ في رحمها ثم في حضنها، وعلى ظهرها ، وهي مصدر أسرار من صاحبتهم تعرف عنهم ما لا يعرفه أحد عنهم، وهي صانعة شخصياتهم بعد الله عز وجل ، إليها المفزع في المنشط والمكره ، وهي مستودع الأسرار صغيرها ،وكبيرها ،جليلها، وحقيرها ، وهي السند الوحيد إذا ما تخلى وتنكر الجميع ، وهي ملتمسة الأعذار وإن عظمت الجرائر ، وهي باختصار منبع الرأفة والرحمة ، وهي المعلمة والمرشدة ، وهي التي لا غنى عنها في بيت ، ووجودها فيه من أكبر النعم ، وغيابها منه طامة كبرى ، ورزء عظيم .
ـ العمة : شقيقة الأب ناقلة محبة أخيها إلى أبنائه وبناته ، تسد مسد الجدة في غيابها حنوا وشفة عليهم ، وهي بعد الأم حضنهم ، وظهرها مركبهم، وهي مستودع أسرارهم ، وهي من ذوات الشفاعة أيضا إذا ما أخطئوا ، وهي صاحبة الذرائع من أجل خلاصهم من متابعة، ومحاسبة ،وعقاب ، وهي من تفخر بهم إذا أحسنوا الفخر المبالغ فيه ، وهي من تباهي بهم حتى أبنائها . وقد تكون أما من الرضاعة ، ويزيدها ذلك حنوا على من ترضع. وإن حضور هذه المرأة لنعمة ، وإن غيابها لخسارة لا تعوض .
ـ الخالة : شقيقة الأم ناقلة محبتها أختها إلى أبنائها وبناتها ، تقوم بدور العمة أيضا ، وهي بذلك تسد مسد الجدة رحمة ورأفة بهم ، وتسد مسد الأم فتمهد لهم الحضن، والصدر، والظهر ، وهي مستودع أسرارهم أيضا، وهي المحامية المفوهة القديرة إذا رافعت من أجل تبرئة ساحتهم إذا ما أدينوا، ولا حدود لفرحها إذا ما فازوا ، ولا حدود لحزنها إذا ما فشلوا . وقد تكون أما بالرضاعة يزيدها ذلك حنوا على من ترضع . وإن حضورها لنعمة ، وإن غيابها يكون بنكهة الغرم الفادح .
ـ الزوجة : رفيقة العمر ، صاحبة ، وصديقة ، وزميلة ، وحبيبة ،وخليلة ، تعرف من أسرار الزوج ما لا تعرفه كل القريبات ،وهي بذلك تعرف عجره وبجره ، وإليها المفزع في المكره والمنشط ، وهي مصدر الحب، والرعاية، والعناية ، وهي الحضن الذي يسد مسد أحضان القريبات في بيت الزوجية ، وهي المستشارة التي إليها توكل المهام الصعبة ، والقرارات الخطيرة والمصيرية ، وهي وكيلة خزينة البيت ، ومدبرتها ومقررتها ،إليها ترنو الأنظار إذا ما اشتهت الأنفس ما لذ وطاب . وإن وجود هذه المرأة من أكبر النعم، فهي صلة وصل كل الأرحام ، وغيابها من أفدح خسارة لأنها عماد البيت .
ـ الأخت : هي الشقيقة ، والصديقة ، والرفيقة رمز الكرامة ، ليس لمحبة إخوانها وأخواتها في نفسها حدود ، هي معهم وإلى جانبهم في السراء والضراء ، ولسان حالها قول الشاعر :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
وهي مستودع أخطر الأسرار ، وهي الناطقة باسم الإخوة والأخوات ، وهي تسد مسد الأم في غيابها ، وهي الكنف الصائن ، والصدر الحنون ، سريعة مجرى الدمع حزنا وفرحا ، وجودهما نعمة جلّى، وغيابهما حرمان قاس.
ـ البنت : فخر أبيها المعجبة والمفتونة به كأشد ما يكون الإعجاب، وما تكون الفتنة ، وقد تثير غيرة أمها وهي تنافسها في محبته ، وتسابقها في إرضائه ، وهي كرامة وعزة أبيها يغار عليها أشد الغيرة ، ويرق لها قلبه كأشد ما تكون الرقة ، يود لو أنها لا تفارقه أبدا ، هي أول من تسيل دمعه إذا أصابها مكروه أو حازت محبوبا ، هي الصديقة، والرفيقة ، والحبيبة ، وهي مستودع أسرار خاصة ، وهي التي لا يذنب أبواها أبدا ، وهي الحكم بينهما إن اختلفا ، وهي الساعية بالصلح بينهما ، وهي التي تعمل كل ما في الوسع من أجل إرضائهما ، وهي تقرب كل مسافات الخلاف بينهما ، وهي بينهما مثيرة لتنافسهما من أجل الفوز برضاها الذي توزعه عليهما عدلا وقسطاسا . وجودها من أجل النعم ، وغيابها قسوة على القلب وجرح به دام لا يلتئم .
ـ الحفيدة : منافسة البنت الأولى ، والمستحوذة على امتيازاتها ، وهي محط دلال ، تسبغ عليها المحبة إسباغا ، وهي قرة العين ، وحبة الفؤاد التي تحرك مكامن مشاعره الرقيقة ، وهي موضوع تنافس بين الأب والجد ، والأم والجدة ، الكل يتودد إليها ، ويفخر بأنه المقرب منها ،والمفضل عندها ، وهي بينهم تتيه تيهانا بما يشملها من حب مجنون ، تقول ولا تقبّح ، وتخطىء ولا تحاسب ،ويلتمس لها ألف عذر ، ولها حق فيتو ليس لغيرها . وجودها أعظم نعم ، وغيابها حسرة في القلب لا يخبو لهيبها .
ـ بنات الإخوة والأخوات :وهن ينزل منزلة البنات ، لهن في القلوب محبة ، وهن أيضا رمز كرامة وعزة ، وعليهن يغار ، و منهن ينتشى بسماع يا عم" ويا خال ، هن أشد توددا للعم والخال ، وهن المفاخرات بهما ، والمنافسات في ذلك للبنات والزيجات ، يقتحمن القلوب اقتحاما ، ولهن بالأعمام والأخوال صداقات ، وقد تؤثرن الأعمام والأخوال على الآباء في الإفضاء إليهم بالأسرار ، ولا يقبلن بغيابهم في كل المناسبات ، وهن يلقبنهن العم بالعزيز ، والخال بالحبيب تعبيرا عن تعلقهن بهما ، وعن شدة حبهن لهما . حضورهن من نعمة كبرى ، وغيابهن فقدانها .
ـ بنات الأعمام والعمات ، والأخوال والخالات : وقد جمعتهن لأنهن شريكات في ولوج محبتهن إلى القلوب التي قد تشتد تكون سببا في اتخاذ الزيجات منهن ، وهن عناوين فخر ،وعزة ،وكرامة ، عليهن تشتد الغيرة ، وهن الأخوات المحبوبات ، وهن الصديقات الحميمات ، وهن المعجبات والمعجبات ـ بكسر وفتح الجيم ـ وهن المادحات والمشجعات ، وهن النائحات الباكيات في الملمات ، والفارحات المستبشرات المهنئات في المسرات ، وهن الغيورات إذا ما استهدف أبناء العمومة والخؤولة بسوء . ومنهن تكون الأخوات من الرضاعة ، ووجودهن من أكبر النعم ، وغيابهن غبن وحسرة .
إنهن النسوة اللواتي يجب أن تستحضرهن الذاكرة بمناسبة ذكرى عيد المرأة الستوي ، يذكرن جميعا لا تستثنى منهن إحداهن ، وفي ذكرهن لذة ومتعة ، وقدح لشرارة لعاطفة المحبة والمودة ، وإذكاء للشعور بالعزة والكرامة والفخر في النفوس، وحسبهن أنهن ذكرن في كتاب الله عز وجل بصفاتهن ، وقد فصل سبحانه وتعالى في ما لهن من حقوق وما عليهن من واجبات ، وجعل منهن المحارم ، وجعل منهن أيضا الزيجات من بنات الأعمام والعمات ، والأخوال والخالات حين تنتفي موانع الحرمة .
وأخيرا لا بد من كلمة موجهة إلى من يتصدرون الحديث عن المرأة في عيدها السنوي ، وهم يزعمون أنهم يساندونها ، ويدافعون عن حقوقها وحريتها وهم في نفس الوقت من دعاة العلاقة الجنسية الرضائية التي تبتذل كرامتها، وتستبيح شرفها وعزتها ، فلهؤلاء نقول ما قاله رسوله الله صلى الله عليه وسلم للشاب الذي طلب منه رخصة كي يزاني البعيدات دون القربات : هل ترضون يا هؤلاء ما تنادون به لمن ذكرنا في هذا المقال من القريبات ، ولكم قريبات ؟ فإن كنتم ترضون ذلك لهن، فأنتم أهل دياثة لا يرضاها الله تعالى لعباده المؤمنين .
وكل عام و المحبوبات الغاليات على القلوب في صحة، وسعادة، وهناء مع طول العمر، ومزيد فوز ونجاح ، ودمن عزيزات كريمات .
وسوم: العدد 1022