حكومة نتنياهو تعكس حقيقة الصّهيونيّة
منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية في أواخر ديسمبر الماضي، والتّحليلات تتواتر حول تطرّفها، خصوصا وأنّ من بين أعضائها وزراء يحملون فكرا فاشيّا مثل بن غفير وسوموريتش، وقد استنكر كثيرون تصريحات وزير الماليّة سوموريتش عندما دعا لحرق قرية حوّارة ومن فيها، وكأنّها أمر جديد! كما أنّ هذه الحكومة تسارع في سنّ وتشريع قوانين في الكنيست لتكريس العنصريّة، واضطهاد الفلسطينيّين وقتلهم وتشريدهم والإستيلاء على أرضهم واستيطانها تحت مظلّة قانونيّة!
وإذا كان نتنياهو يبذل جهوده كي ينجو من محاكمته حول اتّهامه بالفساد، فإنه يسعى إلى السّيطرة على القضاء، والعمل كي يبقى اليمين الفاشيّ المتطرّف مسيطرا على مقاليد الحكم.
لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل خرجت حكومة نتنياهو عن المألوف في الفكر الصّهيونيّ، وسياسة الحكومات الإسرائيليّة السّابقة منذ تأسيس اسرائيل عام 1948 وحتّى يومنا هذا؟ وفي الواقع فإنّ الجواب السّريع هو لا كبيرة، فهي لم تخرج عن سياسات سابقاتها، خصوصا ما يتعلق بالتّمييز العنصري وارتكاب جرائم الحرب، فقبل قيام اسرائيل كدولة بإسبوع في مايو 1948م ارتكبت العصابات الصّهيونيّة مذبحة دير ياسين، وتبعتها مذابح الدّوايمة، ومسجد دهمش في الرّملة والطّنطورة، وتبعتها بعد قيام اسرائيل كدولة مذبحة قبية، وفي 29 اكتوبر 1956 غداة العدوان الثّلاثي على مصر ارتكبوا مذبحة كفر قاسم، وتوالت المذابح في بحر البقر المصرية أثناء حرب الاستنزاف، وفي الحرم الإبراهيمي في الخليل في 25 فبراير 1994، وبعدها مذبحة قانا اللبنانيّة، وغيرها كثير.
واسرائيل التي يصفها العالم الإمبريالي بواحة الدّيموقراطيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط، دولة فيها قانونان واحد لإنصاف اليهود والثّاني لقهر الفلسطينيّين، وهي تربي مواطنيها اليهود على أنّهم شعب الله المختار، وأنّ حرّيتهم ودماءهم أغلى من حرّيّة ودماء غير اليهود، وأنّ العربيّ الطّيّب هو العربيّ الميّت على رأي جولدة مائير رئيسة وزراء اسرائيل في بداية سبعينات القرن الفارط، وأنّ العرب صراصير وحشرات على رأي رفائيل إيتان إيتان رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ الأسبق، وأبناء أفاعي على رأي الحاخام الأكبر الرّاحل عوفاديا يوسف.
وإسرائيل التي شرّدت 950 ألف لاجئ فلسطينيّ-حسب إحصائيّات الأمم المتّحدة- في النّكبة الأولى عام 1948، هي التي هدمت 540 بلدة وقرية وتجمّع سكانيّ فلسطينيّ ومحتها عن الوجود. وقوانينها تنصّ على أنّ " أرض اسرائيل" فلسطين التّاريخيّة هي وطن اليهود في كلّ العالم، ويحقّ لأيّ يهوديّ في العالم أن يهاجر إليها متى يشاء كمواطن كامل الحقوق، هي التي تتعامل مع المواطنين المقدسيّين الفلسطينيّين الذين يعيشون في هذه المدينة منذ آلاف السّنين كميقيمين مؤقّتين حتّى حصولهم على جنسيّة دولة أخرى، وهي التي سنّت قوانين بسحب الجنسيّة من مواطنيها العرب وحق الإقامة من المقدسيّين الفلسطينيّين.
وإسرائيل هي الدّولة الوحيدة في العالم التي حوّلت الدّيانة اليهوديّة إلى قوميّة، وهي الدّولة الوحيدة التي اعتمدت على غيبيّات دينيّة، وأنّ الرّبّ هو من وهبهم هذه الأرض دون غيرهم، وكأنّهم هم وحدهم أبناء الله دون غيرهم من الأجناس البشريّة. وقد سوّقوا أنفسهم أمام العالم كمقدّسين، علما أنّ اسرائيل دولة علمانيّة وليست دينيّة منذ تأسيسها وحتّى يومنا هذا، وتراكم الثّقافة الدّينيّة عندهم هي التي تقودهم حاليّا إلى التّحوّل لدولة دينيّة. والعالم الغربيّ الذي يدعم إسرائيل بشكل مطلق، لأنّه يعتبرها قاعدة عسكريّة متقدّمة لحماية مصالحهم في الشّرق الأوسط، هو الذي ارتكب مذابح ضدّ اليهود كما جرى في الحرب الكونيّة الثّانية، في حين أنّ الشّعوب العربيّة والإسلاميّة هي التي حمت اليهود وعاملتهم كمواطنين كاملي الحقوق فيها، وحتّى أنّ اليهود خرجوا مع العرب والمسلمين من الأندلس"اسبانيا" عام 1492م لينجوا من الاضطهاد الأوروبّيّ لهم. وإسرائيل منذ نشوئها تميّز بين اليهود الغربيّين "الإشكناز" الذين يحكمونها وبين اليهود الشّرقيّين"السفرديم"، الذين هم وقود حروبها، وتميّز أيضا بينهم وبين يهود الفلاشا "السّود". والغرب الإمبرياليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة الداعم بلا حدود لإسرائيل، ويدعم احتلالها للأراضي العربيّة المحتلة عام 1967م من منطلقات دينيّة على اعتبار أنّها جزء من "أرض اسرائيل"، هو نفسه الذي يقف بكل إمكانيّاته ضدّ احتلال روسيا لأراض أوكرانيّة، وهو الذي يغض النّظر عن انتهاك اسرائيل للقانون الدّوليّ ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، ولإنتهاك اسرائيل لحقوق الإنسان، لكنّ الأحزاب الصّهيونيّة لا تدرك أن من ينتهك حرّيّة الآخرين لا يمكن أن يكون هو نفسه حرّا.
وهذه التّربية العنصريّة، هي التي وصلت إلى تقوية الفكر الدّينيّ، والإتّجاه اليمينيّ المتطرّف الذي أوصل أحزابا فاشيّة إلى الحكم، والذي يريد أن يغيّر القوانين بما يخدم بقاءه الأبديّ في الحكم. وهذا ما أوصلهم إلى صراعات داخليّة ظهرت نتائجها بشكل واضح منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحاليّة، وأنّ القوّة العسكريّة لإسرائيل قد تكون هي واحدة من أسباب ضعفها، وقد توصلها إلى انهيار داخليّ ذاتيّ.
وسوم: العدد 1023