من دفتر الذاكرة : ذكريات رمضان

أعزائي القراء 

في مرحلة دراستي الاعدادية، كنت أحب ان أقضي بعض ايام رمضان و لياليه في بيت جدي في المنطقة الشرقية من حلب ذات البيوت الاثرية المطعمة بعبق الماضي الجميل  والتي تعيدنا  إلى تاريخنا المجيد رغم  بساطة العيش في ذلك الزمان ، فرمضان في تلك البيوت وخاصة إذا كان قدومه صيفاً  له طعم خاص . 

فالافطار بأرض الحوش قرب بركة الماء بينما يحيط بالجدران  أصص غرسات الياسمين التي  كانت تهتم بها جدتي، فتفوح منها رائحة الياسمين فتنتشر في ازقة الحارة القديمة ، 

كنت أساعد أخوالي بسحب كم ( قادوس)  من البئر  المركون في زاوية الدار وذلك لشطف ارض الحوش قبل مد الحصيرة و  (  الدشكات )  بينما تظللنا دالية العنب بعناقيدها  الخمرية ، فتبدو النجوم من خلالها كعقد من اللاليء في عنق صبية حسناء. 

كان معظم سكان الحارة من آل نجار  وعددهم اكثر من خمسة عشر عائلة وهم اولاد عم. يتبادلون صحون الطعام قبل الافطار .

كانت رغبتي ان أسمع صوت طبلة المسحراتي من أول الحارة ،  حيث كانت العادة ان يعلق السكان على أبواب بيوتهم أسماء القاطنين بها ، فيرددها المسحراتي عند وصوله أمام باب الدار  ، فكان أخوالي يضيفون إسمي او اسم اخوتي ان كانوا موجودين  إلى القائمة لينطقها المسحراتي  وعندما يقترب  مع طبلته وهو يردد ( قوموا على السحور .. أبرك الشهور .. علينا وعليكم … وعلى بيت الرسول … ) ثم يردد الأسماء،  فيتابع ( حج حسين بالخير .. احمد بالخير .. محمود بالخير … عمر بالخير .. ثم يصل الى إسمي… هشام بالخير …) ف أنط  من فرحي وكأني نجحت بامتحان البكالوريا ، ثم نتسحر ونصلي الفجر  على صوت المؤذنين في الجوامع القريبة ، وبعدها  نتابع نومنا تحت  دالية العنب بينما تطربنا  الحمامات الجالسة في  الفتحات الاثرية المبنية في  اعلى الجدران الخارجية بهديلها الرائع، 

أعزائي القراء …

كل ماذكرته لكم هو جزء من  فترة تاريخية لاتنسى مسجلة في مذكراتي المنشورة في كتاب عنوانه ( محطات صغيرة في حياة مواطن سوري )يومها كان  الناس قانعين بعيشتهم.فالخيرات مخزنة في اقبية بيوتهم من سمن وجبن وزيت وعسل ومربيات  وسكر  ورز  و برغل  ..  ولاننسى الميبس  وماء البندورة ، اضافة الى حياة كريمة،  فالشرطة والحرس مهمتهم  المحافظة على أمن الناس والسهر على راحتهم وليس جرهم فجراً الى اقبية المخابرات . 

ماذا اقول لكم اليوم؟! .. 

فبيت جدي وبيت الأقارب وبيوت حارة القطانة وكل الحارات الأثرية في حلب  دمرها خائن الأمة ومجرمها ببراميله حتى اضحت اليوم اثراً بعد عين فلم يبق للبيت من  أثر سوى كومة من حجر  ،  لياتي اليوم ارازل العرب ليحاولوا إعادة تأهيل اكبر مجرم بالتاريخ ،

ولكن الله اكبر منهم ولن يترك هذا الشعب المؤمن يتحكم به الطغاة ولكن ليس بدون ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )

اعزائي القراء 

من أجل العودة لتاريخ مجيد 

ومن أجل المحافظة على اجيالنا القادمة من الضياع 

ومن أجل تمسكنا  جميعاً بمكونات شعبنا الوطني  العريق من كل اطيافه   

ثورتنا يجب ان تستمر موحدين 

فلا انتصار بدون وحدة 

وكل رمضان و انتم بخير .

وسوم: العدد 1024