هل يملك الأحرار السوريون ترف فتح معارك جديدة، وكسب أعداء إضافيين؟؟

سؤال أطرحه على نفسي، دون أن أحاول جديا الجوابَ عليه، لأن الجواب الحكيم عليه، يمر ربما بين فرث ودم.

شخصيا وبعد معافسة ستين عاما في فضاء العمل العام، لا تنقصني المهارات الأدبية والكلامية، على اقتناص المواقف، والتعليقات، والإلزامات، والقفشات، وما يسميه بعض الناس تسجيل المواقف، وادعاء البطولة والصمود والتصدي وتقمص المقاومة والممانعة ودعاوى الإباء، وتأكيد الاستعداد لإعلان الحرب على العالم كله في وقت معا؛ فقد كان سيف عنترة في سيرته التي قرأتها وأنا في الصف الثالث الابتدائي يضرب يمنة فيطيح بالرؤس ويضرب يسرة فيطيح بالألوف..

السنوات التي أكسبتني المزيد من هذه المهارات حفّظتني أيضا قول حكيم العرب عامر بن الظرب: دعوا الرأي يغب، أي بيتوا أمر قراركم من ليلكم حتى صباحكم، يقول خمّروا رأيكم تشبيها له بالعجين، واحذروا الرأي الفطير. ردود الأفعال التلقائية الآلية، كما ترتد الكرة تضرب بها الجدار.

وعلمتني الحكمة العربية أن أمر الناس لا يصلحه إلا الرجل المكّيث..

والقرارات الصعبة لا يتحملها أهل الهوجة. ولعلك لا تحتاج إلى مزيد تفكير لتعرف كيف ترسل الماء من أعلى الجبل إلى وهدة الوادي، ولكنك تحتاج إلى مائة ساعة تفكير، أو ربما إلى مائة عقل يفكر ويدبر لترفع الماء من قرارة الوادي إلى قمة الجبل. أما نقل الصخر إلى قلل الجبال فاسأل عنه برميثوث سارق نار المعرفة.

وإذا كنا قد فاتنا، أن نحكم أمر الدخول، حين دخلنا؛ فنرجو أن لا يفوتنا إحكام أمر الخروج، لأن الخلل في إحكام أمر الخروج يعني أن لا يخرج منا أحدا..

قال له يا عمرو: أحسنت الدخول فأحسن الخروج.

وبعد فحين أتأمل ما آل إليه أمر سورية والسوريين، على الصعيدين الدولي والاقليمي، أعود فأسأل عن دور العقل السياسي الجمعي الذي يجب أن يسود ويسوس!!

أين هي هذه المرجعيات التي يجب أن تتصدر وتتحمل، وتتخذ القرار الصعب في لحظة قالت العرب في مثلها: وقد حال الجريض دون القريض…

وأنا لا أتكلم عن غائب أو مغيب..

أتكلم بالوصف والتحديد عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أنكلم عنه بهيئته الجامعة لكل السوريين، فهو المظلة الوحيدة التي انجزناها وهنا على وهن، وليس لنا في حلكة هذا الليل سواها..

أتكلم عن المجلس الاسلامي، بمكانته ودوره الأبوي المرشد، الذي يجب أن يكون المبادر الذي يجمع ويحمي ويصون ويرّشد ويثبت، فإن أمر الناس قد آل إلى ظلمة وبرد وريح…

وأتكلم عن جماعة الاخوان المسلمين التي هي جزء من مشهد السوريين تتقدم أمام منتسبيها وأنصارها والواثقين منها برأي يكون جزء من الموقف الوطني العام، مؤسسا وداعما ومؤيدا..

وأتكلم عن كل جسم وطني سوري يرى أصحابه أنهم أصحاب سهم في القرار الوطني..ويظلون يعبرون عنه، ويتخدثون عن رؤية ورأي، ليكون لنا سهم دلالة جماعي يدلنا على الطريق…

نحسب فنعيد الجمع والطرح والضرب والتقسيم والجزر ثم نبني على ما يتبقى، ونتوقف عن التدلية بحبال الغرور، فكل هذا الذي يجري حولنا وما نزال نسمع الكثير من كلام الليل، الذي دائما ما يمحوه ضوء النهار.

لا أحب من أحد، ولا أقبل من أحد أن يقول لي: كأنك تريد أن تقول…

وهذا الذي أريد قوله:

لنحزم أمرنا معشر السوريين من طالبي الحقوق، ولتتقدم المرجعيات التي تحملت مسؤولية قرارنا الثوري والوطني، فتعكف على دراسة واقعنا، وما آل إليه أمر وطننا وناسنا وثورتنا، وتقلّب وجوه القضايا، تحكم مدخلات أي قرار أو موقف، وتنظر في أدبار الأمور…

ثم تتخذ قرارا تتحمل مسؤوليته التاريخية، ثم الأهم تنير طريقنا الذي ترتضيه لنا..

المركب الذي لا يجدف بحارته على إيقاع يغرق…

نتوحد ما أمكن خلف قرار وموقف ثم نعزم ونتوكل..

ولأن نجتمع على قليل من الخطأ خير من أن نفترق على كثير من الصواب.

اللهم ونسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1026