مجمع سجون بدر في مصر تحوّل لـ «سلخانة بشرية»
القاهرة ـ «القدس العربي» : تلقت منظمات حقوقية مجموعة من الرسائل نجح محتجزون داخل مجمع سجون بدر في إخراجها، تؤكد وقوع كوارث حقوقية بحق قطاع واسع من المحتجزين، منذ بدئهم إضراباً جزئياً عن الطعام منذ يوم 17 فبراير/ شباط الماضي، احتجاجاً على منعهم من الزيارات العائلية ومطالبتهم بتطبيق لائحة السجون عليهم، الأمر الذي قابلته إدارة السجن بالتعنت والتعامل الأمني البحت، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع.
وأصدرت منظمات كومتي فور جستيس، والشهاب لحقوق الإنسان، والمؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية – نضال، والشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وحقهم، ونحن نسجل، والمركز المصري للحق في التعليم، وهيومينا لحقوق الانسان والمشاركة المدنية، بياناً أمس الأربعاء، أكدت فيه أنه «في الوقت الذي يرى فيه بعض قادة العالم أنهم يحتاجون إعادة تقييم تعاملهم مع الحالة المصرية بالتركيز على الجانب الإنمائي بدلاً من التركيز على الجانب الحقوقي، فإن هذا المنحى سيؤدي لنتائج أكثر كارثية في ملف حقوق الإنسان في مصر، ويكرّس ثقافة الإفلات من العقاب».
وحسب مس الوحسب المنظمات فإن مجمع سجون «بدر» الذي افتتحته السلطات نهاية عام 2021، في منطقة بدر شمال شرقي العاصمة القاهرة، «بدلا من أن يكون بديلاً عصرياً عن السجون التقليدية القديمة، أصبح سلخانة بشرية تمارس فيه أشد أنواع الانتهاكات وأكثرها جرماً».
واعتبرت أن «محاولات السلطات تحسين صورتها من خلال تلك المجمعات فشلت فشلاً ذريعاً، لأنها غيّرت المرافق والمنشآت؛ ولم تغير العقول التي تدير هذه المنشآت».
وزادت: «العقلية الأمنية ما زالت هي المسيطرة على التعامل مع المحتجزين، خصوصا المحتجزين منهم على ذمة قضايا سياسية، لذا فمن الطبيعي أن نشهد مثل تلك التجاوزات والانتهاكات داخل مجمع سجون بدر، الذي يشهد موجات من محاولات الانتحار لم تحدث في تاريخ السجون المصرية».
فقد شهد سجن بدر 1 حوالى 3 حالات انتحار، «أولها كانت لمحتجز بشكل مؤقت، وحالتان في مقر نيابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس لمحتجزين اثنين، وتم نقلهما إلى المركز الطبي في مجمع سجون بدر، كما شهد سجن بدر 3 أكثر من سبع حالات انتحار أخرى، من بينهم المحتجز عبد الله عمر، الذي حاول الانتحار للمرة الثانية منذ بداية الأحداث في 17 فبراير/ شباط الماضي، ومحاولة انتحار لمحتجز يُدعى أحمد سامي، من مدينة الغردقة، كان قد حصل على البراءة في قضية (أنصار الشريعة) بعد عدّة سنوات من الاعتقال في سجن العقرب، ولكنه فوجئ بعد حكم البراءة بتدويره على قضية جديدة باسم (تنظيم ولاية سيناء) وإحالته للمحاكمة مرة أخرى، في ظل رفض تام من إدارة السجن لتحرير أي محضر بشأن حالات الانتحار».
تناول البيان أيضاً، قيام إدارة سجن بدر 3 بـ «فتح خراطيم المياه على المعتقلين داخل الزنازين رداً على قيام البعض بحرق البطاطين وتغطية كاميرات المراقبة الموجودة داخل الزنازين، كوسيلة تعبير اعتراضي على عدم الاستجابة لمطالبهم بفتح الزيارة، مع رفض ضابط الأمن الوطني المسؤول عن مجمع السجون، ويُدعى يحيى زكريا، الاستجابة للمطالب».
كما تم «الضغط على المحتجزين بتقليل كمية الطعام الموزع عليهم، بما لا يكفي لسد جوع طفل صغير، حسب الروايات الصادرة عن المحتجزين في الداخل، مع منع تقديم أي خدمات طبية أو صرف الأدوية للمرضى».
كذلك «توقفت إدارة السجن عن صرف أدوات النظافة الشخصية، فلا يستطيع الأفراد غسل ملابسهم أو الاستحمام ما ينبئ بكارثة قادمة قد تؤدي إلى حالات تسمم وانتشار أمراض جلدية بين المحتجزين، وهو ما رد عليه المحتجزون بالتهديد بالامتناع عن الطعام وعدم استلام التعيين».
وطالبت المنظمات والحملات الموقعة على البيان، الآليات الأممية والمجتمع الدولي بـ «التعامل بجدية مع الأهوال التي وردت في رسائل المحتجزين المسربة من داخل مجمع سجون بدر، والبدء في الضغط على السلطات لوقف تلك الانتهاكات الفجة، وفتح تحقيقات موسعة حولها ومحاسبة المسؤولين عنها ومعاقبتهم وتعويض الضحايا».
كما طالبت السلطات بـ «التوقف عن التعامل الأمني مع ملف المحتجزين على ذمة قضايا سياسية، والالتزام بالمعايير والقوانين الإنسانية الدولية في التعامل مع ملف المحتجزين بشكل عام، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو السياسي».
ودعت النيابة إلى «أخذ دورها والتعامل مع ملف الانتهاكات بداخل مجمع سجون بدر بشكل أكثر جدية، وتنفيذ حملات التفتيش والمتابعة عليه باعتباره مقر احتجاز خاضعا لرقابتها، مع منح المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية حق زيارة تلك المقرات لمراقبة الأوضاع في داخلها».
وكانت آخر رسالة سربت من السجن في بداية الأسبوع الحالي، كشفت عن استمرار سياسة التجويع من قبل إدارة السجن والإهانات المستمرة للسجناء لإجبارهم على إنهاء إضرابهم عن الطعام، والذي خاضوه للمطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم القانون، وأهمها فتح الزيارة المغلقة منذ سنوات.
ونصّت على أن «أزمة سجن بدر 3 في تصاعد، بعد إصرار الداخلية على غلق السجن ومنع كل الخدمات عنه، بما فيها الكافيتريا والكانتين، وتقليل كميات الطعام الرسمي الذي يتم تقديمه للمعتقلين في وجبتين فقط في اليوم».
وحسب الرسالة، شهد يوم الجمعة، ثاني أيام رمضان «أزمة كبيرة داخل السجن بعد قيام أحد الضباط بسب المعتقلين، وهو ما رد عليه ألف معتقل برفض استلام التعيين والإفطار والسحور إلى حين مقابلة أي مسؤول في السجن، فما كان من إدارة السجن سوى سحب التعيين وإلقائه في القمامة، ما أدى إلى استمرار المعتقلين في الصيام ليومين كاملين».
عقب ذلك «بدأت إدارة السجن في استخدام أسلوب المساومة للضغط على المعتقلين من أجل إنهاء اعتراضهم الذي لم يأخذ إلا صورة واحدة، وهي تغطية كاميرات الزنازين من أجل فتح الزيارة ورؤية أهاليهم، إذ ترفض إدارة السجن تقديم أي علاج أو ذهاب أي معتقل لعيادة السجن إلا بعد رفع الغطاء عن الكاميرا».
واستمرارا لـ «أسلوب الابتزاز قامت إدارة السجن بتقليل كمية وجبة التعيين الرسمي على عدة مراحل، كان آخرها مع بداية شهر رمضان، ليدخل السجن في مجاعة حقيقية، وهو ما يبرره ضباط السجن بأنه إجراء طبيعي لرفض المعتقلين التراجع خطوة للخلف» وفق الرسالة.
وكانت السلطات المصرية سوقت لمجمع سجون بدر الذي افتتح عام 2021، باعتباره سيكون «نموذجا» في توفير الرعاية الإنسانية والثقافية للسجناء على الطراز الأمريكي، حسب تصريحات أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/ أيلول 2021.
ومثل المجمع وقتها، واحدة من خطوات أعلنتها السلطات ضمن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بهدف تحسين صورتها في الخارج في مقابل الانتقادات الدولية.
وسوم: العدد 1027