غزوة بدر.. الحرب في ظلّ الدولة والحاكم، والمعجزة للتثبيت لا للإلغاء، والاستعداد للصدام المباشر، والغنائم
الحرب في ظلّ الدولة، والحاكم، والمجتمع:
أوّل سؤال يتبادر إلى الذهن هو: لماذا لم يعلن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحرب، وابتداء بغزوة أحد وهو في مكّة قبل الهجرة وفضّل أن تقام بعد الهجرة إلى المدينة، وفي المدينة؟.
الجواب لاعلاقة له بانعدام الإمكانات، وقلّة العدد والعدّة لأنّه حتّى في غزوة بدر -وما بعدها- كان المسلمون أقلّ عددا بثلاثة أضعاف من المشركين، وتفوّق قريش بشكل رهيب ولا مجال للمقارنة من حيث الإمكانات كالخيول، والجمال. وحتّى في غزوة حنين التي اغترّ فيها المسلمون بالعدد، كان عدد المشركين أكثر من عدد المسلمين.
والجواب هو: أعلنت الحرب في المدينة، وابتداء بغزوة بدرلأنّ المسلمين أصبح لهم حاكم يقودهم لصالح دينهم، ودنياهم وهو سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ودولة قائمة تحميهم، ومجتمع مستقلّ يرعاهم. مايعني أنّ إعلان الحروب كون من طرف دولة قائمة، وحاكم ثابت، ومجتمع يعي مايقول ويفعل.
المعجزة لتثبيت المسلمين وليس لإلغائهم:
شهدت غزوة بدر نزول الملائكة لتثبيت المؤمنين، والسؤال هو: رغم نزول الملائكة الكرام إلاّ أنّ عدد قتلى المشركين 70 فقط، وعدد شهداء المسلمين 14 وهو عدد ضخم مقارنة بعدد الملائكة؟.
والإجابة، أنّ المعجزة لصالح المسلمين لاتلغي دور المسلمين، ونزول الملائكة لتثبيت المؤمنين وليس لإلغاء المؤمنين. والمؤمن مطالب بإعداد العدّة بما يقدر، ويملك، ويؤمن به، ولا علاقة له إطلاقا وأبدا بالمعجزة، ونزول الملائكة لأنّ الأمر يتعداه، وليس من المهام التي خلق لأجلها.
أوّل صدام عسكري بين سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والكفار:
سمعت البارحة للأستاذ اللّغوي، والموسوعي فاضل السامرائي رضوان الله عليه، يقول: كلّ الأنبياء، والرسل من قبل كانوا يؤمرون بالخروج من مدينتهم التي يسكنونها والله تعالى يأمر الملائكة بتدمير القرية التي كفرت بأنعم الله، وارتكبت الموبقات كما حدث مع قوم سيّدنا لوط عليه السّلام، أو يطلب من النبي الخروج من القرية وركوب السفينة كما حدث مع سيّدنا نوح عليه السّلام. وفي المقابل، فإنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الوحيد من الأنبياء، والرسل الذي أمره الله تعالى بمواجهة العدو من الكفار وجها لوجه كما حدث في غزوة بدر -والغزوات التي تلتها-. والسؤال لماذا؟.
أعترف أنّي لأوّل مرّة أسمع هذه المعلومة، ولا أعرف أحدا غيره ذكرها، ولا أعرف -فيما قرأت لغاية هذه الأسطر- أحدا أجاب عن السؤال الذي طرحته.
أجيب: بما أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم آخر الأنبياء، والرسل والقرآن الكريم آخر الكتب، وأمّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أفضل الأمم. فالمطلوب -من الآن- خوض الحروب، ومواجهة العدو بأنفسكم، وإعداد العدّة بما تملكون، وتقدرون، وتؤمنون به. وبعدها ستجدون دعم الله تعالى بما لم تحلموا به، ويثلج صدوركم، وينصركم بما لم تكونوا تتوقعونه.
اعلموا أنّ عصر مطالبتكم بالخروج من مجتمعكم، ومعاقبة الله تعالى لعدوكم، والقضاء عليه بشكل نهائي قد انتهى، وولي، ولن يعود وإلى أن يشاء ربّك. وبما أنّ الله تعالى تكفّل بحماية قرأنه، ودينه، ورسوله فلا مناص لكم غير مواجهة من يريد السّوء بكم وبالقرآن، والإسلام، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبأرضكم، وعرضكم وذلك أضعف الإيمان.
الغنائم التي خضتم الحروب لأجلها ليست لكم، إنّما لله ورسوله:
من عجائب غزوة بدر أنّ كلّ سرايا المسلمين التي خرجت قبل غزوة بدر، كان هدفها الاستيلاء على القوافل التجارية لقريش ومهما كانت كبيرة، أم صغيرة. وغزوة بدر كانت لأجل عير قريش بقيادة أبي سفيان. ورغم ذلك وحين انتصروا، وغنموا قال لهم الله تعالى هذه الغنائم التي كنتم تسعون إليها وتخوضون السرايا، والغزوات لأجلها ليست لكم إنّما هي لله ورسوله. لأنّ الله تعالى يرزق رسوله، والمؤمنين بدون سرايا، ولا غزوات. والحرب للدفاع عن دين الله تعالى، ورسوله الكريم، والأرض، والعرض وليس لأجل الغنائم فقط.
المؤمن بحسن تعامله مع المال والغنائم:
ممّا وقفت عنده وأنا أقرأ صدر سورة الأنفال، أنّ آيات: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ...}، الأنفال. جاءت مباشرة بعد آية: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، سورة الأنفال.
مايعني، أنّ المؤمن هو الذي يحسن التعامل مع الغنائم، والمال، ويعرف حقّ الله ورسوله في المال الذي بين يديه لأهميته في تثبيت الدولة، وتسيير المجتمع. وبعدها يظهر المؤمن في كيفية تعامله مع ذكر الله تعالى، وغير ذلك. والمؤمن الذي لايحسن التعامل مع المال بأنواعه، والغنائم بأنواعها لاينفعه خشوع، ولا دمع، ولا وجل قلب. فأحسن التعامل مع المال، واعرف أنّ لله ورسوله حقّ في المال الذي رزقت إيّاه سترزق لامحالة قلبا خاشعا، ولسانا ذاكرا، وزيادة في الإيمان.
من زاوية أخرى فإنّ الله تعالى أنزل سورة بأكملها عقب غزوة بدر وسماها "الأنفال"، أي الغنائم وكيفية توزيعها. مايدل على أهمية المال في السّلم، والحرب. ولذلك تدخل الله تعالى في كيفية توزيع الغنائم التي تعتبر من المال لما تحتويه.
وسوم: العدد 1027