فيديو الإمام والهر الذي بدد صورة كفار قريش!

ما تجمعه النملة في سنة، يأخذه الفيل في خفه. وهو مثل مصري دارج نرويه بتصرف!

فبينما الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تعرض على قنواتها، ما ظهر منها وما بطن، مسلسلاً رمضانياً يستهدف تقديم الشخص المتدين، على أنه غاضب دائماً، وعبوس قمطرير، حتى وهو نائم، جاءت لقطة عفوية من أحد مساجد الجزائر، لتبدد ما صنعوه، وتنتقل إلى مستوى أعلى، بانتقالها إلى عوالم أخرى، وتصل إلى الفرنجة، عبر إعلامهم، فتكون رمزاً لسماحة الإسلام وإسلام السماحة، فالإمام في خشوعه وتدبره لم يفته أن يكون رحيماً بالهرة التي صعدت إلى كتفه، فساعدها في ذلك، في ثبات انفعالي يحسد عليه، وبعد أن يستقر بها المقام تبدو كما لو كانت تطبع على وجهه قبلة، ثم تغادر موقعها؛ فهذه هي الرحمة ولو بالحيوانات، وإذ كانت معلومة من أخلاق المسلم بالضرورة، فقد دخلت امرأة النار في هرة، إلا أنها صورة مهمة لدى من لا يعرفون دين الإسلام!

قرأت لمعلق قوله إن المسلسلات الرمضانية، التي استهدفت شخصية المتدين، هي ثلاثة، وليست عملاً واحداً، لكن الشائع أنه مسلسل واحد هو الذي اجتهد في تقديم هذه الصورة، واللافت أن مؤلف العمل إياه كان قد حمل على المسلسلات الدينية التاريخية، لأنها تقدم الكفار في صدر الإسلام في صورة سيئة، على غير الوارد من أن هشام ابن الحكم مثلاً، ولقبه (أبو جهل) كان لطيفاً، ووسيماً، وغير الصورة الدرامية التي يقدم بها، لكن عندما أتيحت له الفرصة لترعى السلطة انتاجه الفني، لم يمانع في أن يقدم الشخص المتدين في عمله هذا، على أنه من كفار قريش في المسلسلات الدينية!

وهي صورة ليست حديثة، فقد روج لها الإعلام للرعب والتخويف، وعندما دعا الداعون لما سمي «بجمعة الشريعة والشرعية»، بعد ثورة يناير/كانون الأول المجيدة، وجاء المحتشدون من الأرياف بجلاليبهم ونعالهم ولحاهم، كانت فرصة للإعلام لتقديمهم على أنهم كائنات هبطت من الفضاء، والتخويف من هذه الصورة، وإثارة غضب الجماهير على الثورة، التي كانت سبباً في هذا الطفح، لكن مع هذا الاحتشاد الإعلامي، كسب الإسلاميون ثقة الناس في كل جولات الاحتكام للإرادة الشعبية، لأنهم جاءوا من المجتمع، فلم يشعر تجاههم بالرعب، الذي شعرت به النخبة، التي بدت أنها هي سابقة التصنيع خارج المجتمع المصري، فلم تفهم ما الذي يخيفه ومن يطمئنه، وهذه هي المشكلة!

الأزهري الأراغوز

وفشل الدراما والدعاية في تأليب الناس على «المواطن المتدين»، تحتاج إلى دراسة، فالدراما المصرية دأبت على تقديم رجل الدين الإسلامي (بزيه الأزهري) في صورة مزرية، وذلك منذ الإنتاج الوفير في الخمسينيات والستينيات، حتى بدا كما لو كان هذا اتجاه الدولة في هذا الوقت، لكن برأيي أن الدافع إليه كان هو التوجهات السياسية للكتاب والمؤلفين، في وقت سيطر فيه اليسار على المنابر الإعلامية والثقافية، فلا بد للأزهري أن يكون أراغوزا، بملابسه وسلوكه، لكن كان اللافت هو عدم تأثير هذه الصورة في نظرة الناس، لأن رجل الدين ليس غريباً عليهم، لكن الغريب هو هذا المثقف الوظيفي، وبعد سنوات طويلة من سيطرتهم على المنابر الثقافية، لم يفلحوا في أن يكسبوا ثقة الناس عندما تم الاحتكام للجماهير، وإن عجز الإسلاميون عن اختراق مجتمعات بعينها، كان الجيل الجديد من الدعاة يمكنه فعل ذلك، لولا الضربات الأمنية!

وقد تكون مشكلة الصورة السلبية أنها تنقل عبر إعلام السلطة ومؤسساتها، فالدراما اختزلت مرحلة ما قبل ثورة 1952 في حزب الوفد، ثم قامت بشيطنة هذا الحزب، عبر الإعلام والمقررات الدراسية، ومع وجود عبد الناصر بكل شعبيته، فقد تبين فشل هذه الصورة في التأثير، عند وفاة زعيم الوفد مصطفى النحاس وإذا بجنازته غير المعلن عنها في وسائل الإعلام تتحول إلى حشد جماهيري أفزع السلطة، فقامت باعتقال بعض الرموز المشاركة فيها، على نحو كاشف بأن الصدمة كانت عنيفة فضغطت على أعصاب السلطة، فكانت التهمة هي تشييع جنازة!

ومع التشويه المتعمد لأكثر من ثلاثين عاماً، فعندما أعلن حزب الوفد عن نفسه في منتصف الثمانينيات، كان هو الحزب الجماهيري الكبير، لولا أنه حدث التدمير الذاتي للحزب بعد ذلك بسنوات، وهو ضعف كان يمكن أن يصيب الإسلام السياسي، إذ أخذ حريته كاملة، بدون انقلاب أو تنكيل، وليس بالمسلسلات والدعاية عبر منابر السلطة!

وإذ انتقلت صورة إمام الجزائر إلى العالم، الى درجة أن يتم الاحتفاء بها في منابر إعلامية أجنبية كبرى، فقد انبعثت «فرقتان» لتسخر منها وتندد بها، حيث اجتمعت ضدها «فرقة سلفية» و»فرقة» أدعياء الثقافة والتنوير، الأولى لأن الإمام الجزائري سروري وإخواني، والثانية لأن الصورة أنهت الدعاية التي يقوم بها إعلامها، والأولى ترى في نفسها أن الفرقة الوحيدة الناجية، وأن من عداهم لا يجوز لهم أن يمثلوا الإسلام أو أن يكونوا تعبيراً عنه، والثانية لا يوجد لها موضوع أو قضية غير أنها تقتات على انتاج الإسلاميين وتمثل ردة فعل لكل فعل للقوم، وهل يعقل أن يكون هناك مثقف لا دور له في الحياة إلا الرد على مقولات التيار الإسلامي؟!

ولا بأس فـ»المصائب يجمعن المصابينا»، ولهذا وقفت ضد الصورة الفرقة السلفية هذه والتيار الكهربائي، وهو الاصطلاح المستخدم في وصف أدعياء الثقافة، فعندما تدعي التنوير، وتنطق جهلاً، فلا يكون غريباً أن يشتق التنوير من النور، لا الاستنارة، والنور هو المسمى الشعبي للكهرباء. يقولون: اغلق النور، افتح النور. وهم يقصدون الكهرباء!

أزمة الصحافة والإعلام

وبعيداً عن كل هذا، فقد أثبت فيديو الإمام الجزائري ورحمته بالقطة، أن العالم بفضل الإعلام الجديد قد صار فعلاً قرية واحدة، فواقعة في مسجد بمنطقة نائية في الجزائر تنقل في فيديو يصل للعالم كله في سرعة البرق، وتبلغ المشاهدات عبر منصة واحدة أكثر من مليار مشاهدة، لكنه أثبت في الوقت نفسه أزمة ممارسة الإعلام، فكل ما فعلته وسائل الإعلام بما في ذلك «سي أن أن» الأمريكية، أنها نقلت الفيديو، فصار الجميع عالة على فكرة «المواطن الصحافي»، ولم يفد التطور التكنولوجي الذي جعل من العالم قرية في الاهتمام بالتوصل للإمام، وتقديم صورة عنه، صحيح أنها ستكون صورة بسيطة لرجل بسيط، لكن الإثارة في هذه البساطة، وصحيح أن الأسئلة ستكون بسيطة أيضاً ولن تخرج عن هل هذه القطة تخصه؟ وكيف لم يفزعه تصرفها؟ وكيف نقلت الصورة هل الصلاة تنقل على الهواء لأي منصة؟ لكن قوة الموضوع في بساطته، صورة، وتصرفاً، وأسئلة وأجوبة!

وبدلاً من أن يثري الصحافيون هذا التطور بخبراتهم المهمة في ما ينفع الناس صاروا مستهلكين لما تجود به المنصات الإلكترونية، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، موت المهنة في المقام الأول، حتى صارت في كثير من المؤسسات الصحافية هي الفريضة الغائبة.

لقد كان فيديو إمام الجزائر قذفاً للحق على الباطل، فبدد رسالة دراما أنفق عليها الكثير، وهو استغلال من كتاب المرحلة لتوجه الحكم، وإن كان لكل قبلة هو موليها. الكتاب ينطلقون من فكرة العداء، أما الحاكم الذي لا يشكو العوز عندما ينفق على المسلسلات، فهو يريد أن يكون هو صاحب الولايا العظمى في رسم صورة المتدين، وفي تحديد «معالم الدين». ولا يفلح الساحر حيث أتي!

أرض جو:

مشهد بائس هو الذي ظهرت فيه بسمة وهبة مع المغني محمد فؤاد، وفي برنامج تقوم فيه بدور الشرسة، فتبتذل رسالة الإعلام، بالخوض في حياة الناس الخاصة، وهي التي نص الدستور على حمايتها، لكنها في مأمن من العقاب، لأنها تقدم برنامجها في محطة من محطات الشركة المتحدة، المملوكة للسلطة رأساً.

في هذه المقابلة قال محمد فؤاد إنه سوف يكشف ضعفها وهشاشتها، وكان المسرح البدائي جاهزاً، فاذا بفرقة غنائية تعزف ليغني أغنية له، كان واضحاً أن المذيعة جاهزة بمجرد العزف للبكاء والشحتفة، والقول إنها تذكرت أبناءها، ورغم أنها ظهرت في مشهد تمثيلي آخر على أنغام الأغنية، معلنة أنها لن تسامح محمد، لأنه كشف ضعفها للناس، إلا أنها لم تقل للمشاهد ما هو موضوع أبنائها هؤلاء، ولماذا يعيشون بعيداً، ما دامت فرضت موضوعا خاصا على الناس، مع سبق الإصرار والترصد، فإن كانت فوجئت بذلك في الأولى، فإنها ذكرت السبب في اللقاء بعيداً عن الأستوديو!

إنها شخصية مصنوعة ومفتعلة، وإن افتقدت لموهبة التمثيل، ومع ذلك تمثل، وسواء أعطى محمد فؤاد الإشارة للفرقة، أو لحامل جهاز كاسيت، فإن الأصل أن فريق عمل البرنامج هو سيد الموقف، فكيف دخلت الفرقة أو الجهاز للإستوديو، ليكون أمر التوجيه بيد الضيف.

فليس هذا إعلاماً، ولا يمت للإعلام بصلة، فليرحمنا أهل الحكم من هذه الفوضى، التي صنعوها على أعينهم!

وسوم: العدد 1027