البون الشاسع بين محاكمات نورمبرغ واجتثاث البعث
اعتبرت سلطة الائتلاف المؤقتة أن العراق يعادل إزاحة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وأمرت سلطة الإئتلاف المؤقتة بيان رقم (1) بحذف جميع العاملين في القطاع العام ممن منتمي الى حزب البعث من مواقعهم الوظيفية، ويمنعون من أي عمل وظيفي في القطاع الحكومي. نص الدستور العراقي، الذي أقر في 2005 على أن إلغاء هذا القانون وحل الهيئة الخاصة به، يكون بأغلبية عدد أعضاء البرلمان. وفي عام 2008، جرى تعديل القانون بضغوط الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحتل العراق آنذاك، من خلال قانون (المساءلة والعدالة)، لتخفيف الإجراءات المفروضة على المشمولين. نص الدستور العراقي، الذي أقر في 2005 على أن إلغاء هذا القانون وحل الهيئة الخاصة به، يكون بأغلبية عدد أعضاء البرلمان. وفي عام 2008، جرى تعديل القانون بضغوط الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحتل العراق آنذاك، من خلال قانون (المساءلة والعدالة)، لتخفيف الإجراءات المفروضة على المشمولين. ويسمح القانون لنحو 30 ألف من البعثيين من الرتبة الرابعة بأن يكونوا مؤهلين للعمل في القطاع العام وحوالي 3500 في المراكز الثلاثة الأولى للحزب يمكن أن يكونوا مؤهلين للحصول على معاشات تقاعدية. على أن يلغي قانون المساءلة والعدالة لعام 2008 ممارسة اجتثاث حزب البعث مما يجعل لجنة اجتثاث حزب البعث دائمة وتمديد اجتثاث حزب البعث للسلطة القضائية مع إعادة توظيف الوظائف والمعاشات التقاعدية لأعضاء حزب البعث المجتثين وقد رفض نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) التوقيع، في حين تم إقرار القانون المثير للجدل بأغلبية أصوات مجلس الرئاسة.
شملت أوامر إجتثاث البعث: جميع موظفي الخدمة المدنية في أي وزارة حكومية تابعة لحزب البعث
المهن التي تشمل التعليم (المعلمين وأساتذة الجامعات)، الممارسون الطبيون، جميع الأفراد المنتسبين إلى وزارة الدفاع والجهات الاستخباراتية أو الكيانات العسكرية المماثلة التابعة للحكومة الأفراد العاملين أو المنتسبين، الديوان الرئاسية، الأمانة الرئاسية، مجلس قيادة الثورة، الجمعية الوطنية، وزارة الشباب، اللجنة الأوليمبية الوطنية، المحاكم الثورية والخاصة والأمن القومي.
علاوة على الإغتيالات التي صاحبت الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وقيام فيلق بدر التابع للحرس ااثوري الايراني بتصفية كبار القادة العسكريين والعلماء والطيارين والبعثيين والكفاءات العلمية العراقية وخطباء أهل السنة، جاء جيش المهدي بقيادة مؤسس الميليشيات الإرهابية مقتدى الصدر ليكمل صفحة الغدر بهم. ولم يتوقف الأمر على هذا الإرهاب الثأري والإنتقامي، بل أسست (هيئة إجتثاث البعث)، لتستكمل قانونيا حرمان النخب العراقية من رواتبهم واعتقال الكثير منهم، بتهمة انهم بعثيين، وبعد أن أوغلت الهيئة بدماء العراقيين وتلطخ ثوبها نزعت جلدها القذر، وأطلق عليها (هيئة المساءلة والعدالة)، والمصيبة لا هي سئلت ولا هي عدلت!
لنهود الى عبارة" اعتبرت سلطة الائتلاف المؤقتة أن العراق يعادل إزاحة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية".
خطر في البال الرجوع الى الحرب العالمية الثانية، نجم عن الحرب العالمية الثانية، عدد القتلى. (40) مليون مدني و(20) مليون عسكري. والخسائر المادية (100 ـ 200) مليار دولار. وتدمير (71000) مدينة، و(32000) مصنع. وعلى ضوء هذه النتائج لا يعد غزو العراق يمثل1 % مما حصل في الحرب العالمية الثانية من دمار وقتلى وجرحى وجوع واستخدام قنابل ذرية وغيرها من المآسي، كان الغرض من هذه المقارنة التي أتت بها سلطة الأئتلاف، هو البحث عن مصير القادة الألمان الذي اعلنوا الحرب، ما عددهم؟ ما هو عدد الجلسات التي عقدتها محكمة نورمبرغ ، ما هو عدد القادة الذين صدر حكم الإعدام بحقهم بحقهم؟ ما مصير بقية كبار الضباط؟ هل أسست لجنة لإجتثاث النازيين؟ هل تم حرمان الضباط والنازيين من رواتبهم؟ وتساؤلات كثيرة.
لنعود الى محكمة نورمبرغ، عقدت المحكمة بين 20 نوفمبر 1945 و1 أكتوبر 1946، وأُوكِل إليها مهمة محاكمة (24) من أهم القادة السياسيين والعسكريين للرايخ الثالث. وبُتّ في المحاكمات الأولية التي أدارتها المحكمة العسكرية الدولية. في حين عُقدت محاكمات أخرى لمجرمي الحرب الأقل شأنًا وفقًا لقانون (مجلس رقابة الحلفاء رقم 10 في محاكمات نورنبرغ)، والتي شملت محاكمة الأطباء والقضاء، وعُقدت محاكمات أخرى لمجرمي الحرب الأقل شأنًا وفقًا للقانون السابق الذكر. في نهاية العام 1943، وأثناء الاجتماع الثلاثي في مؤتمر طهران، اقترح ستالين محاكمة ما بين (50.000 ـ 100.000) من ضباط الأركان الألمان، فأجابه الرئيس الأمريكي روزفلت" أن محاكمة 49 ألف شخص تكفي". تم تنفيذ أحكام الإعدام في نورمبرغ في عام 1946 وتم اعدام (10) أعضاء بارزين في القيادة السياسية والعسكرية، لألمانيا النازية شنقا حتى الموت وهم:
ـ هانز فرانك.
ـ فيلهلم فريك.
ـ الفريد يودل.
ـ الفريد روزنبرغ.
ـ أرنست كالتينبرونر.
ـ فيلهلم كاتل.
ـ يواهيم فون ريبنتروب.
ـ فريتز ساوغل.
ـ أرتور زايس انكفارت.
ـ يوليوس شترايخر.
وإنتحر هيرمان غورينغ، وهرب مارتن بورمان، وانتحر لاحقا. هؤلاء هم من شملهم الإعدام، والبقية كانت عقوباتهم تتراوج بين سجن مؤبد او بضعة سنوات، واطلق سراحهم لاحقا. إجراءات الجلسات كانت قضائية بحتة، ولم يتدخل الزعماء الأوربيين المنتصرون في الحرب في توجيه الجلسات او فرض لإدارتهم على القضاء وسير الجلسات.
كان بنيامين فيرينتس في 1947، ممثل الإدعاؤ العام للولايات المتحدة، في محاكمة (22) من قادة ما سمي (وحدات القتل المتنقلة) التي تلت التقدم الألماني في أوروبا الشرقية، بعد الكشف عن خطورة جرائمهم واصدر احكاما بحقهم. وقدر فيرينتس، بالاستناد إلى وثائق نازية، عدد اليهود الذين قتلوا في "هذه المحرقة التي ارتكبت بالرصاص" بأكثر من مليون من رجال ونساء وأطفال". بمعنى محاكمة 22 عسكري عن قتل مليون!
أما في العراق فكانت الإجراءات أشد من محكامات نورمبرغ، من المعروف ان القوى السياسية السنية طالبت بإلغاء قانون الاجتثاث في فترة البرلمان السابق، وتحويل الملف إلى القضاء لملاحقة المتورطين في الجرائم فقط، إلا أن المقترح قوبل برفض من القوى الشيعية، مع ان القوى الشيعية ناقضت نفسها من خلال إستثناء مجموعة من الأعضاء المشمولين بالإجتثاث منهم عالية نصيف التي اعترفت بأن للمالكي فضل عليها لأنه استثناها من الإجنثاث، والنائبة (7 x 7) حنان الفتلاوي، وهذا ما يقال عن الآلاف من البعثيين سيما العسكرين، في عام 2007 صرح (علي اللامي) المدير التنفيذي لهيئة إجتثاث البعث " أن اللجنة إستثنت أكثر من 450 فردا من قيادات حزب البعث المنحل من قانون إجتثاث البعث، وصدر قرار يقضي بإعادة المستثنين إلى الخدمة". وفي عام 2011 صرح عباس البياني لوكالة (كردستان للأنباء) بأنه " جرى إتفاقا نهائيا مشترك بين لجنة الأمن والدفاع والحكومة الاتحادية في 16/11/2011 لإستثناء الضباط في وزارتي الدفاع والداخلية المشمولين بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة".بمعنى ان الإجتثاث مسألة مزاجية وليست قانونية تطبق على الجميع، الإجتثاث عبارة عن ورقة ضغط تمارسها القوى الشيعية ضد المعارضين، وغالبا ما تشهرها قبل الإنتخابات لغايات واضحة أهمها إبعاد السياسيين من أهل السنة المعروفين بمواقف جريئة، حيث تمكنت هيئة المساءلة والعدالة من خلال هذه المادة، من استبعاد مئات المرشحين للانتخابات.
ثم كيف يمكن تبرير تأخر تدقيق ملفات المشمولين بالإجتثاث لما يقارب 16 عاما، هناك قصد واضح في استمرار اللجنة يتمثل في تأخير حسم أسماء المشمولين وراءه دوافع سياسية وعقابية. بل ان الهيئة وسعت مجال مسؤوليتها ودست أنفها في أمور إدارية لا تدخل ضمن صلاحيتها. لذا لا بد من حل هذا الملف الذي عبر عن فترة إنتقالية يفترض انا صارت من الماضي، والأمر يصعب تحقيقه في ظل عدم وجود إرادة سياسية عند الأحزاب الشيعية، حيث يمكن لمجلس النواب انهاء عمل الهيئة بالاغلبية المطلقة وفقا للمادة (135) من الدستور، كما أوجبت المادة (19) من قانون الهيئة (10) لعام 2008 بتقديم تقارير دورية عن نشاطاتها لمجلس النواب، كي يقوم المجلس بإنهاء عملها، وهذا ما لم يحصل.
لابد من حسم هذا الملف كونه واحدا من القوانين الإنتقالية، صحيح ان حل الهيئة يحتاج إلى إرادة سياسية ، لكن مجلس النواب بإمكانه إنهاء عملها بالأغلبية المطلقة، وفقا للمادة (135) من الدستور، ومن خلال الرجوع لقانون الهيئة رقم (10) لسنة 2008، حيث أوجبت المادة (19) منه، على أن تقوم هذه الهيئة بتقديم تقرير فصلي إلى مجلس النواب عن الإجراءات التي اتخذتها، كونها ترتبط بمجلس النواب وتخضع لرقابته، لذلك فهي ملزمة بإشعار مجلس النواب بانتهاء عملها.
الخلاصة: الهيئة عبارد عن أداة سياسية تتلاعب بها القوى الشيعية وفقا لما يتوافق مع مصالحها الحزبية، ولا أساس لمفهومي العدالة والمساواة في عمل الهيئة، إنها أداة قمع سياسي ليس إلا.
وسوم: العدد 1028