التبرير
تبرير: جاء في معجم المعاني:" بَرَّرَ عملَه: زكّاه، وذكر من الأسباب ما يبيحه (محدثة).
الغايَةُ تُبَرِّرُ الوَسيلَةَ : تُسَوِّغُ.
ونحن العرب لا نزال تحكمنا أعراف القبيلة والعائليّة، وهذه واحدة من أسباب هزائمنا المتلاحقة، بحيث أنّ كلّ واحد منّا بدءا من الرّاعي الأكبروانتهاء براعي الأسرة الصّغيرة -إلّا من رحم ربّي- يبرّر أيّ خطأ يرتكبه، ويحمّل مسؤوليّته لغيره، بحيث صار التّبرير "ثقافة جمعيّة ومجتمعيّة"، ومن تبريراتنا الجمعيّة مثلا أنّ القيادات ومن ورائها الشّعوب برّأت أنفسها من مسؤوليّة هزيمة حرب العام 1967، وحمّلت مسؤوليّتها للاتحاد السّوفييتي في حينه، مع أنّه دعم حلفاءه منّا عسكريّا وسياسيّا، وبناء عليه اتّجهوا للتّحالف والولاء للدّول التي دعمت ولا تزال تدعم اسرائيل في مختلف الأصعدة، والتي هُزمت جيوشنا واحتُلّت أوطاننا بأسلحتها.
وبما أنّ كلّ واحد منّا "معصوم عن الخطأ والعياذ بالله"، فإنّنا نواصل تبرير مسيرتنا، حتّى أنّنا نبرّر أخطاء أنصاف الآلهة منّا، الذين يتبوّؤون المناصب الأولى مهما كانت المؤسّسة التي يقف المسؤول على رأسها، فإذا ما أخطأ المسؤول الأوّل فإنّنا نبرّئه من الخطأ الذي ارتكبه ونحمّله لأتباعه المقرّبين منه، وهم بدورهم يحمّلونه لغيرهم، حتّى نتّفق في النّهاية لتحميله إلى جهات خارجيّة، لقناعتنا بنظريّة "المؤامرة" التي هي وليدة "فكرنا التّبريريّ". وإغراقنا في الجهل يقودنا إلى الرّضا التّام بما نحن فيه، ظنّا منّا وبفهم خاطئ لمفهوم الآية الكريمة "كنتم خير أمّة أُخرجت للنّاس"، وبفهم أكثر خطأ لمفهوم التّوكّل على الله، متناسين " اعقل وتوكّل"، فنحن نتوكّل ونحن قاعدون دون أن نعقل مع الأسف، ونريح عقولنا من عناء الفكر والتّفكّر. ويحضرني هنا ما كانت أمّهاتنا وجدّاتنا -رحم الله من ماتت منهنّ، وأطال عمر مازلن على قيد الحياة"، يُشعلن البخّور بجانبنا ونحن في سنّ الطفولة لدرء العين الحاسدة عمّن يمرض منّا، ويقرأن تعويذات شعبيّة علينا ومنها:" من دار لك باله، يشغل حاله في باله، كرشته غطا عينيه مانيش أقدر من ربّي عليه!" وبهكذا تعويذة فهي تحمّل مسؤوليّة مرض طفلها لجهات خارجيّة، ولا تنتبه أنّ سبب مرض طفلها قد يكون سببه سوء التغذيّة وعدم النّظافة والرّعاية الصّحّيّة المطلوبة، فيستفحل المرض لبقاء أسبابه، ولهذا كانت نسبة وفيات الأطفال مرتفعة! والحديث يطول.
وسوم: العدد 1030