الرد العتيد على بوائق عصيد
مع ترك الحبل على الغارب من لدن من تقع عليهم مسؤولية حراسة حمى مقدسات وثوابت الأمة ، تصاعدت وتيرة المجاهرة بطلب رفع التجريم عن جرائم صارخ جرمها ديننا .
ومع أن دستور البلاد تتصدره مادة حسمت في أمر دين دولتنا، الذي هو دين الإسلام ، والذي هو وحده الدين عند الله تعالى لقوله : (( إن الدين عند الله الإسلام ))، وهو جل في علاه لا يقبل لخلقه دينا غيره ، ومن ابتغى غيره، لم يقبل منه مصداقا لقوله تعالى : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) . ولا بد من توضيح ما يقتضيه السياق، وهو أن قوله تعالى : (( إن الدين عند الله الإسلام )) ، لا يعني أن الأمر يتعلق بما جاءت به الرسالة الخاتمة المنزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط ،بل يتعلق بكل الرسالات السابقة من لدن آدم عليه السلام . نقول هذا تصحيحا لمن يريدون التفريق بين الرسالات المنزلة من عند الله عز وجل فيما يتعلق بالدين الذي جاءت به .
ومع أن دستور البلاد ينص على أن من ثوابتها الإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين الحامية لحمى الملة والدين ، وهي إمارة أعلنت، وتعلن دائما أنها لا تحل حراما ، ولا يحرم حلالا ، فإن المجاهرين بحلّية الحرام ،ما انفكوا يخالفون ذلك جهارا نهارا ، وهو ما يعتبر تنصلا أومروقا من الدين ، وهو ما يسمى شرعا ردة ، وذلك من خلال مطالبتهم برفع التجريم الشرعي أولا ثم القانوني المنسجم إلى حد ما مع الشرع عن جرائم أخلاقية . وموقف هؤلاء مناقض لما ينص عليه الدستور الذي هو إرادة الشعب بعد إرادة الله عز وجل ، وهم يحاجّون ببعض المواد الواردة في هذا الدستور، والتي كان من الواجب ألا تكون فيه أصلا حتى لا يركبها من يريدون تعطيل الفقرة التي تنص على دين الدولة الرسمي . والغريب أنهم يكفرون بفقرة الدستور التي تنص على دين الدولة ، و في المقابل يؤمنون بالفقرة التي يتأولونها حسب أهوائهم كي تنقض فقرة التنصيص على الدين . كما أنهم يحاجّون بما وقّع عليه المغرب من اتفاقيات تنعت بالدولية ، وهي من إملاء الأمم القوية المستبدة بالأمم الضعيفة، والتي تنصب نفسها وصية عليها ، وهي تمارس عليها الضغوط من أجل توريطها في تناقض مع ثوابتها مقابل مصالح لا تساوي شيئا حين تضيع تلك الثوابت .
وبعد الإشارة إلى فقرة التنصيص على ثابت دين الإسلام في دستورنا، سننتقل إلى بوائق بعض من يتجاسرون على هذا الثابت دون أن يُساءلوا، لأنهم يتمتعون بحرية التعبير فوق ما تسمح به حدود هذه الحرية تجاوزا لخطوطها الحمراء . وعلى رأس هؤلاء المدعو عصيد، وهو علماني مجاهر بعلمانيته ، وطائفي مجاهر بطائفيته، وعرقيته، وتطرفه فيها ، وتعصبه لها ، وهو من المدعومين في الخارج والداخل، الشيء الذي جعله يذهب بعيدا في التجاسرعلى الدين، وعلى مشاعر الأمة الدينية .
وآخر ما طلع به علينا في فيديو من فيديوهاتة التي تنشرها قناة خاصة به على الشبكة العنكبوتية، تأييده ودفاعه عمن سماهم فئة من الشباب، يرفعون شعار سماه مبادرة من أجل رفع التجريم عن الحريات الفردية ، وأشار إلى صدره الذي وشحه بشعار " من حقنا " وهو شعارهم دعما ،و تأييدا، وتشجيعا لهم .
والمناسبة كما صرح بذلك، هي المطالبة بمراجعة القانون الجنائي الذي اعتبره موضوع نقاش عمومي ،والذي أوشك في نظره على أن يكون إجماع على شطبه قريبا، وخلاصة ما جاء في كلامه ما يلي :
ـ تعريفه بالحريات الفردية ، وهو تعريف متهافت، ينقض بعضه بعضا إذ صرح بأن هذه الحريات هي اختيارات فردية، ولكنها ليست مطلقة ،كما أنها يجب ألا تؤذي الغير، وهو في تعريفه هذا كحال من يعتلي غص شجرة ،وهو يقطعه بالمنشار، ولا يدري أن مصيره السقوط، خصوصا وأن ما يطالب به على لسان هذه الشريحة من الشباب المتهور أو نيابة عنها، كله مناقض لما شرع الله تعالى ، وهو كالآتي :
ـ ما سمّاه أم الحريات، وهو حرية المروق من الدين ، الذي يسمى في شرع الله "ردة " مصداقا لقوله تعالى : (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ))
ـ ما سمّاه حرية اللباس ، و يقصد بها تبرج النساء تحديدا المنهي عنه في شرع الله تعالى مصداقا لقوله تعالى : (( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) ، وقوله تعالى : (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين )) ، وقوله تعالى : (( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) . وما يطالب به عصيد، هو كشف جسد المرأة باستثناء الفروج ، لأن كشف هذه الأخيرة بالنسبة إليه غير مسموح بالكشف عنها حتى في الدول الإسكندنافية التي هي عنده نموذج ، وإسوته، وقدوته في الحريات الفردية وفي الديمقراطية .
ـ ما سماه حرية الأكل والشرب ، وهو يقصد به الإفطار العلني في رمضان، و لذلك يدعو إلى فتح المطاعم، والمقاهي نهارا في رمضان ، ويقصد أيضا شرب الخمر في رمضان، وفي غير رمضان .وهذا الذي ذكره واضحة نصوص القرآن الكريم في تحريمه، ونذكر منه قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات )) ، وقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) . أما آية الصيام، ففيها أمر إلهي من خالفه منكرا له متعمدا، فقد نقض إسلامه بنقض ركن من أركانه . وأما آية النهي عن المنهيات التي منها شرب الخمر ، وهو نهي إلهي في منتهى التشديد لقوله تعالى : (( فهل أنتم منتهون )) ،وهذا أسلوب نهي متضمن للتهديد والوعيد .
ـ ما سمّاه علاقات جنسية رضائية ،ومثلية ، وهي مما ذمه الله تعالى وحرمه مصداقا لقوله تعالى في وصف فاحشة قوم لوط التي هي المثلية بتعبير عصيد وأمثاله : (( ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين )) ، وقوله أيضا : (( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون )) ، وهذا حكم الله تعالى في كل من اتبع سيرة قوم لوط إلى قيام الساعة . وأما ما سماه عصيد رضائية، فيكفي أن نذّكر بقوله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) ، وقوله أيضا : (( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين )) . وكل ما يشترطه عصيد فيما يدعو إليه من عمل قوم لوط ،ومن الزنا هو ألا يكون ذلك في الفضاءات العامة. وهاتان الفاحشتان هما ما يريده عصيد مما جاء في هذا الفيديو ، وهما المقصودتان برفع التجريم عنهما ، والمطلوب بسببهما مراجعة الفصل 490 من القانون الجنائي .
ـ ما سماه حرية الإجهاض ، وهو يقصد إجهاض ما ينتج عن السفاح ، والذي حرمه الله تعالى بقوله : (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا )) ، والخطء في اللسان العربي هو الذنب أو الجرم ، ووصفه بالكبير دليل على فظاعته وشناعته . وإذا كان قتل الأولاد خشية الإملاق جرما، فأولى أن يكون أشد منه إجراما قتلهم خشية الفضيحة والعار. ولا يرى عصيد أن الإجهاض هو اعتداء على أرواح بشرية ، ومن ثم هو تجاوز للحريات التي يشترط هو نفسه ألا تكون اعتداء على حقوق الغير ، فأين حق الأجنة في الحياة حين يرخص لأمهاتهم إجهاضهم ؟
وينهي عصيد كلامه بقوله على لسان شريحة الشباب المتهتك، وقد نصّب نفسه ناطقا باسمها، أن هذه المطالب المنحطة ليست دعاية لها، ولا تشجيعا عليها ، بل هي مجرد ممارسة للحريات الفردية ، ووصف من يمارسون هذه الفواحش المثيرة للاشمئزاز والغثيان، بأنهم ليسوا مجرمين، بل هم مواطنون صالحون لا ذنب لهم سوى ممارسة حرياتهم الفردية . وفي المقابل يسمي من ينكرون فواحشهم بالمتطرفين والمزايدين عليه، وعلى شريحة المتهتكين بالدين .
وبقي في الأخير طرح هذا السؤال على الوزارة الوصية على الدين في بلادنا وهو: أين أنت أيتها الوزارة من هذا الذي يطالب به عصيد وأمثاله بكل حرية دون أن يساءلوا ، وهو مما يمس بالدين الذي أنت عليه وصية، كما يمس بالمشاعرالدينية لأمة بكاملها، بينما نراك في المقابل تسارعين إلى إسكات كل من ينهى عن المساس بالدين من دعاة وخطباء ؟ وما قيمة شجب المجالس العلمية أعلاها والمحلي منها لهذا الذي يدعو إليه عصيد وأمثاله، إذا كان الشجب لا يترجم إلى إجراء فعال، ورادع للفسوق والفجور ، والدعاية لهما جهارا نهارا ؟ وما جدوى خطب منبرية لا تتجاوز الحديث عن أهمية الملح، وأهمية الرضاعة الطبيعية ... والكلام المكرور عن أمور مستهلكة ، والحالة أن الأمة تمر بظرف دقيق جدا ، وجبهة عصيد وغيرها من الجبهات المتعددة، لا تتوانى في محاربة الإسلام بدعم مكشوف من الخارج ، في حين أفواه بعض الدعاة والخطباء قد كممت تحت ذرائع واهية ، وآخرون قد خطت لهم خطوط حمراء ، فحبسوا بذلك في دائرة ضيقة ، لا يسمح لهم بتجاوزها ، وهو ما يعني ترجيح كفة دعاة المنكرات والفواحش على كفة إنكارها فوق منابر الجمعة ، والتغاضي عن التجاسر الصارخ على شرع الله عز وجل .
وفي النهاية نقول: على العلماء المنتسبين إلى هذه الوزارة أن يثبتوا لنا أنهم لا يخشون إلا الله عز وجل بالملموس ، والمشرف، والشجاع من المواقف ، وليس بالشحب
وسوم: العدد 1037