الديمقراطية والاحتلال
نتحدث عن الديمقراطية ومفاهيمها وقيمة الفرد وحقوق المواطن وكرامته، وهي الديمقراطية بكل ما تعنيه من حرية واستقلال الفرد في بلده ووطنه.
أما في إسرائيل فالديمقراطية والاحتلال ضدان لا يجتمعان، ومثل هذه الثنائية كمثل الخير والشر والنور والظلمة، حيث لا يمكن لهذين المبدأين المتناقضين أن يجتمعا.
حرية الإرادة
الديمقراطية مبدأ يعتمد على حرية الإرادة، في الوقت الذي يمكن اعتبار الاحتلال قيدا على هذه الحرية.
إن الديمقراطية لا يمكن أن تأتي عبر إذلال الشعوب وامتهانها أو الاستخفاف بها ومصادرة إرادتها.
في إسرائيل نتحدث عن ديمقراطية ليست مكتملة العناصر لأنها تحرم ملايين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها من حقوقهم على جانبي الخط الأخضر، ومن هنا نأتي إلى حالة الانفعال الشديد المحيط بهذه الإصلاحات القضائية الحاصلة في هذه الأيام وبتأثيرها على المواطنين اليهود في البلد الذي يتمتعون فيه بحقوق ديمقراطية كاملة.
وحتى لو وقعت هذه الإصلاحات أم لم تقع ، فستبقى إسرائيل ديمقراطية غير مكتملة تُمنَح فيها الحقوق على أساس العِرق والدين.
الإصلاح القضائي
أما إذا أقرت إسرائيل هذا الإصلاح القضائي، فإن هذا لن يؤدي سوى إلى إلغاء تطبيق العملية الديمقراطية على مجموعة مختارة من مواطنيها.
إن احتدام الصراع بهذه الحدة بين أقطاب اليمين واليسار والوسط على السلطة، يفترض نظرياً دخول الشعب الفلسطيني الصراع والانحياز للأطراف التي تخدم مصالحه، وفي الحد الأدنى يفترض أن يكون الشعب الفلسطيني ضد القطب الأكثر خطراً وتطرفاً، لكن هذا يصطدم مع حقيقة أن أقطاب اليسار والوسط واليمين وأقصى اليمين يلتقون على استمرار الاحتلال والاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد مدينة القدس وغيرذلك من إجراءات احتلالية .
وبهذا المعنى فإن الشعب الفلسطيني يواجه طبقة صهيونية كولونيالية موحدة ونظام أبارتهايد موحدا، يتصارع داخله علمانيون وأصوليون وقوميون يتعايشون بغطاء ديمقراطي داخلي يحافظ على التوازنات، ويقدم خارجياً أنه نموذج الديمقراطية الإسرائيلية، وحيث تعتبر إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما يقولون.
قرارات الشرعية الدولية
وكما نرى أن الاحتلال وطبقة الأحزاب الملتزمة بثقافة الاحتلال، أعادت صياغة المجتمع الإسرائيلي بروح استعلاء ديني وقومي، وبعدم احترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وبروح رفض أي نقد لجرائم الحرب والانتهاكات الفادحة، وبمعاقبة كل مدافع عن الحقوق الفلسطينية من منطلق حقوقي وسياسي وإنساني.
بفضل ذلك وبسبب الدعم والتواطؤ الأمريكي والدولي، أصبحت إسرائيل والشعب الإسرائيلي فوق القانون وخارج نظام المساءلة والنقد والعقاب.
في لحظة احتدام هذا الصراع الداخلي الإسرائيلي، حول الديمقراطية واستقلال القضاء، قد يحدث بعض التراجع، وقد تبرم صفقات، لكن الديمقراطية لن تتحقق مع بقاء الاحتلال ومنظومة قوانين الفصل العنصري، ثمة فرصة أمام الديمقراطيين الإسرائيليين لبدء استقطاب جديد داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الاحتلال والنهب والعنصرية واضطهاد شعب آخر، هنا نقطة الالتقاء شديدة الأهمية مع الشعب الفلسطيني، وهنا الباب الشرعي للديمقراطية.
وهنا تبقى واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط والتي تحكمها وزارة إجرام وسوابق من وزير مدان بالاحتيال إلى آخر متهم بالرشوة وخيانة الأمانة إلى إرهابي ومثير مشاكل، وإلى وزير يدعو إلى حرق حوارة ومحوها عن الوجود، وإلى رئيس وزراء يسعى إلى تحصين نفسه من دخول السجن عن طريق فرض قانون يحميه مدى الحياة، ومن هنا نرى معنى هذه الديمقراطية الإسرائيلية الزائفة والتي سقطت وبشهادة الإسرائيليين أنفسهم.
وسوم: العدد 1037