ما يجمع بين سورية وأوكرانيا عشرات آلاف الضحايا ونقطة اللانهاية

مضت سبع سنوات على التدخل الروسي في سورية حملت في ثناياها المرعبة عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، ولا تزال وحتى اللحظة تستقوي موسكو بطيرانها على الشعب السوري، في غياب أي رد من مقاومات أرضية لا تمتلك أبسطها وهي المقاومة في مواجهتها، فتحصد العشرات يومياً وتدمر العشرات من الأبنية على رؤوس ساكنيها فضلا عن جموع النازحين، صور مؤلمة نشاهدها على شاشات التلفاز يومياً هرباً من الموت التي تسببه قذائف الطائرات الروسية التي لا ترحم ولا تفرق بين مقاوم ومدني أعزل.

تحل الذكرى الثامنة للتدخل الروسي في سورية هذا العام بـ"توقيت أوكراني". وعلى الرغم من اختلاف الحسابات بين كل جبهة عن أخرى وعنصر "المباغتة والتمهيد المسبق"، إلا أن ما يجمعها هو عشرات آلاف الضحايا و"نقطة اللانهاية"، التي تسود حولها الكثير من التكهنات، وتختلف بشأنها قراءات المراقبين.

وعلى مدى ثماني سنوات مضت، رجّحت موسكو الكفة في سورية لحساب نظام الأسد، وساعدته على نحو كبير في استعادة أجزاء واسعة من الأراضي التي سيطرت عليها فصائل الثورة، ومكّنته من المناورة على مختلف منصات التفاوض، مستخدمةً بذلك سياسة "الأرض المحروقة"، والتي راح ضحيتها آلاف القتلى من المدنيين.

وفي وقت بقي فيه نظام الأسد المجرم قائما، بفعل الدعم الروسي على الخصوص، لا توجد مؤشرات واضحة عما سيكون عليه الوضع في البلاد خلال المرحلة المقبلة، فيما يخيّم غموض بشأن الأهداف التي ترسمها روسيا لسورية مستقبلا، وما الذي تريده؟ وما تسعى إليه، وعما إذا كانت ستنجح أم لا؟

وفي أوكرانيا وبعد أكثر من سنة من غزوها من قبل روسيا، كان مسار حربها ضد كييف يشوبه "الغموض" أيضا، ولاسيما في ظل الخسائر الكبيرة التي منيت بها قواتها، خلال الأشهر الماضية، ووسط انخراط أمريكي وغربي كبير في دعم الجيش الأوكراني، أسفر عن حالة "استنزاف" للقوات الروسية.

لم يكن التدخل الروسي في سورية هو مجرد دعم عسكري لحليف، بل كان عدوانا على البلاد وتدميرا لبنيتها التحتية ومحاولة لإجهاض مشروع التغيير فيها تلبية لمطالب الجماهير السورية، التي خاضت غمار مواجهة غير متكافئة مع النظام الديكتاتوري المجرم، وتمكنت من طرده من مناطق واسعة من البلاد، وتمكنت من تحجيم وجوده في كامل الجغرافيا السورية، وكان بينها وبين إسقاط النظام المتوحش أسابيع قليلة كما صرح الروس أنفسهم بذلك، وهذا ما دفعهم للتدخل للحيلولة دون سقوط النظام.

وبعد توغل الروس في شهر شباط/فبراير 2022 نُشرت الكثير من التقارير الإعلامية، التي ربطت في معظمها بين الساحتين السورية والأوكرانية، أولا من زاوية الحرب التي شنها الروس، وثانيا الانتهاكات وطبيعة القصف الذي تتعرض لها المدن الأوكرانية، والذي يشابه إلى حد كبير ما عاشته المدن السورية.

في عام 2016، كان الروس قد دمروا حلب في خطوات استباقية للسيطرة عليها (في أولى تجاربهم الدموية بعد التدخل)، وهو سيناريو عاشته عدة مدن في أوكرانيا، كان أبرزها ماريوبول الساحلية وبوتشا وزابوريجيا (جنوبا).

في ريف دمشق وداريا وإدلب ارتكبت الكثير من المجازر وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين دون أي رادع للنظام السوري المجرم وحلفائه السفاحين القتلة، واليوم يعاد المشهد من جديد بالقرب من أوروبا، كصيغة استكمالية.

ورغم أن موسكو بدت وكأنها نجحت في إنقاذ نظام الأسد وتحويل مسار المفاوضات السياسية لصالح دمشق، إلا أنها كما في السابق "فشلت في الاستفادة من تدخلها".

فقدرات موسكو الاقتصادية المتواضعة تمنعها من التأثير على الأسد، لذلك بالطبع سيناور خلف ظهر الكرملين، في محاولة للتفاوض بشأن شرعيته، بما في ذلك على حساب موسكو، وجاء في لحظة رفع يد أمريكا والغرب كانوا في لحظة تخلي بمعنى أنهم لا يريدون إسقاط النظام السوري بينما الجانب الإيراني يعجز عن حمايته، لذلك أرادوا هذا التدخل على الخط.

علاوة على ذلك فإن التدخل الروسي جاء لملئ الفراغ الإيراني، فيما كانت موسكو بحاجة لأن تترجم سياساتها الشرق أوسطية، ولم يكن المجال مفتوحا لها إلا في سورية، والمشهد السوري كان مؤهلا لموسكو للقول إنها حاضرة في شرق المتوسط".

وتعتبر معركة سورية ميدانيا "سهلة"، وقد سمح لموسكو بالتصرف بالطيران كما تشاء، من أجل حسمها، لكنها "نجحت في التكتيك وخسرت في الاستراتيجية.

وعندما انتصر الروس على الجميع في سورية جاؤوا ليبيعوا هذا الانتصار لواشنطن والغرب، لكن لم يحظوا على أي اعتراف، والنظام السوري غير مؤهل للمساومة، وتُرك لموسكو فقط الشق الثقيل وهو الأمني وحماية النظام السوري أي سورية السياسية، بينما الفائدة الاقتصادية ذهبت إلى أمريكا.

وعندما أقدمت موسكو على حربها ضد كييف باتت "سورية بلاء عليها"، فالمجهود الحربي للناتو في أوكرانيا قلم أظافرها وحد من طموحاتها، بينما في سورية لم تواجه موسكو أحد وكانت الساحة متروكة لها.

في عام 2015 وبعد سقوط إدلب بيد الثوار في شهر آذار/مارس بدأت قوات النظام السوري تنحسر وتنهار، في وقت لم تستطع ميليشيات إيران تقديم الدعم اللازم، رغم كثرتها، وهذا ما دفع مجرم الحرب قاسم سليماني للطلب من بوتين بالتدخل رسمياً، وجاء التدخل للحفاظ على النظام السوري، وليس لتقديم الدعم والمؤازرة فقط ، وإن ما وفر الدعم للتدخل الروسي في سورية هو الموقف الأمريكي والأوروبي، وأن الجانبين وجدا فرصة للتنصل من المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية اتجاه الشعب السوري، بينما تعززت هذه القناعة مع رفع بوتين شعار محاربة الإرهاب في سورية.

وقد استطاعت روسيا من خلال البوابة السورية كسر العزلة الدولية التي تعرضت لها بعد عام 2014 بسبب الأزمة في أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم.

وفي يومنا هذا ماتزال سورية أهمية استراتيجية لروسيا على المتوسط، بعد توسيع سيطرتها على شواطئ البحر الأسود، وجعلها بحر آزوف بحيرة روسية مغلقة.

أما بخصوص أوكرانيا فهي دولة سوفياتية سابقة، ويشكل الروس نسبة من تركيبتها السكانية، وتاريخيا دائما هناك قلق وهاجس أمني روسي تاريخي منذ روسيا القيصرية وحقبة الاتحاد السوفياتي من حدودها الغربية، وأوكرانيا وبيلاروسيا اليوم، ومعظم من هاجموا روسيا كان عبر هذه المناطق.

ووسط تعقيدات المشهد في سورية بعد اثني عشر عاما من الصراع لا تبدو أي ملامح حل سياسي أو عسكري تلوح في الأفق، وذلك ما يطرح تساؤلات بخصوص ما تهدف إليه موسكو وتحاول فرضه لصالحها.

وكذلك الأمر بالنسبة لأوكرانيا، والتي لا يرى فيها مراقبون أي بادرة لانتهاء الحرب فيها على المدى المنظور.

فنظام الأسد في سورية في أضعف حالاته، لم يسقط لكنه لا يستطيع أن يقدم شيء، هو بضاعة لا تباع ولا تشترى، وقد أصبح عالة على الإيراني والروسي، بينما تواجه موسكو حربا تهدد أمنها في الوقت الحالي.

روسيا عملت كل شيء وأخذت البضاعة من أمريكا (نظام الأسد). لكنها غير قابلة للبيع!. لا قيمة للنظام عند واشنطن.

وبينما حاولت موسكو أيضا الترويج لفكرة "التوازن العربي" المرتبط بإيران، اكتشف العرب أيضا بأنه لا جدوى من الأسد لأنه إيراني.

ستبقى روسيا في سورية نظرا لموقعها الجغرافي، وستواصل محاولة العمل في دورها السابق، لكن قلة ستأخذ هذا الدور على محمل الجد الآن.

وفي ظل وجود تجميد شبه كامل على الجبهات السورية من الصعب وضع تقييم حول حقيقة ما يشاع عن تراجع الحضور العسكري الروسي هناك، ولكن أولويات موسكو ما تزال قائمة، إن كان ما يخص فتح طريق M4، وهذه فيها مصلحة ليست فقط روسية وإنما لشركاء موسكو في مسار أستانة كذلك وتركيا على وجه الخصوص.

لقد حقق التدخل الروسي في سورية منجزات كبيرة على مستويين، الأول "عسكري"، وهو تمكين النظام السوري من استعادة معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها.

أما المسار الثاني "سياسي"، من خلال تأسيس مسار أستانة في عام2017، إذ استطاعت موسكو من خلاله الالتفاف على القرارات الأممية، واختزال الحل السياسي بلجنة دستورية مجهولة المصير.

أما عن نتائج الحرب القذرة التي شنتها روسيا على الشعب السوري فقد وثّق تقرير نشرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وهي منظمة حقوقية مقتل 6943 مدنيا بينهم 2044 طفلا و1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد القوات الروسية، منذ سبتمبر 2015.

وطبقا للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30 تموز/يوليو من عام 2022 ما لا يقل عن 1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و60 سوق.

كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوما بذخائر عنقودية، إضافة إلى ما لا يقل عن 125 هجوما بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سورية في 30 سبتمبر 2015، وحقيقة الأمر أن الأرقام أكبر من ذلك بكثير.

ورغم التأكيد على أن الحصيلة الإجمالية تظهر تكبد روسيا خسائر محدودة للغاية خلال عملياتها العسكرية، لكن التطورات الميدانية في الأيام الأخيرة دفعت محللين روس إلى ترجيح عودة تفاقم العنف في سورية مع غياب العملية السياسية وتفاقم الوضع المعيشي الاقتصادي في البلاد.

المصدر

 

*صحيفة الشرق الأوسط-19/8/2020  

*الحرة-30/9/2022

وسوم: العدد 1038