ذكريات إدلب الحلوة والمرة ١٩٧١ - ١٩٨٠ !!

في الذاكرة : 

تبعد مدينة إدلب عن مدينتي جسر الشغورالتي ولدت ونشأت فيها أقل من خمسين كيلا ً ، وهي مركز المحافظة التي نتبع لها إدارياً . 

وذكرياتي فيها مُرّة وحلوة !؟

أما المرة فهي تتعلق بأمرين : استدعاء من المخابرات العسكرية والسياسية ؛ للتحقيق بسبب خطبة أو كلمة  ينتهي الأمر بالتهديد مرة وبالحجز لأسبوع وقد يمتد إلى شهر ! 

أو مراجعة مديرية التربية احتجاجاً على نقل تعسفي ، لأن الرفاق البعثيين يصرون على إبعادي مع عدد من المدرسين إلى القرى ، وإعطاء مكاني لأحد الرفاق ولو كان في السنة الأولى في الجامعة !؟ 

فأذهب لأشتكي إلى نقابة المعلمين ، ويقتنع النقيب ، ولكنه لا يتمكن من فعل أي شيء ، لأن الرفاق في الحزب قرروا ذلك !؟ أعود إلى موجه المادة الذي يعلم أنني خدمت فترتين في الريف ، ومن حقي أن أكون في بلدتي ، فيقتنع ويصدر قرار النقل ، وأعود لأفاجأ أن القرار بنسخه السبع قد اختفى !؟ 

أنتقل بعد صراع مع الرفاق إلى المرحلة الثانوية للتدريس فيها مع الأستاذ إبراهيم عاصي والأستاذ جميل جانودي ! فيقف  أمين السر البعثي الذي أُعطي صلاحيات المدير ويرفض استلام التعيين ، ويأتي في اليوم التالي وقدسافرإلى إدلب و أحضر تعيينات لنا نحن الثلاثة في الإعدادية !؟

ألقي كلمة في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشير فيها إلى تفاهة الإلحاد والملحدين ، ودعوتهم  إلى الحوار في المركز الثقافي أمام الجميع بعد أن ردد أحدهم في احتفال حزبي : سلام على كفر يوحد بيننا !؟ فينقلها الرفاق إلى مايسمى بالأمن العسكري ، ويفسرونها على أنهم هم المقصودون ! فيحجزني النقيب الطائفي آنذاك عدنان عاصي مخلوف أسبوعاً ، وأنا أعاني من آلام في الكلية ، وأنتقل إلى مستشفى إدلب الوطني ، في الطابق السفلي ، وهو مخصص للحجز و أشبه بالسجن ولكنه أقل سوءاً من المنفردة !؟ وكان الأخ الصديق يحيى تلجو - رحمه الله -  يأتي يومياً من الجسر إلى إدلب ليطمئن ويتفقدني !  ويتناوب الصديقان صبحي درويش و عبد المجيد الشيخ على زيارتي وتوصية الأطباء والممرضين !

ويتم تبديل الحرس من الشرطة يومياً، لغاية في أنفسهم ، ومع ذلك فقد كانوا متعاطفين ، وقد عرض عليّ أحدهم الذهاب إلى بيتي ، والعودة صباحاً ! ولكني خشيت عليه من العيون والمتربصين ! فجلس يحدثني طوال الليل عن أنواع السجناء الذين مروا على هذالمكان ، ويقسم إنه لم ير مثل ثبات وشجاعة الموقوفين من الدعاة إلى الله ويضرب مثلاً بالأستاذ يونس قرط وهو من كبار مدرسي الرياضيات في المحافظة ، والصيدلي علاء الدين سيد عيسى !! - رحمهما الله - وقد رآهما وهما يُعذٓبان بالتناوب ، فكانا يملكان نسخة من القرآن يتناوبان القراءة فيها ! يذهب أحدهما للتعذيب ، فيمسك الآخر بكتاب الله يتلو ، حتى يعود !! 

وأما الذكريات الحلوة في إدلب فقد كنا نفد إليها لأسبوع أوأكثر لتصحيح أوراق امتحانات الشهادة الإعدادية ، حيث نلقى أحبابنا وأساتذتنا ومشايخنا : سليم الخطيب ، الشيخ خيرو الخطيب ، أحمد قطيع  ، محمد سعيد مبيض ، الدكتور إبراهيم عبادي ، محمد عبدالفتاح ، عبد الله النزال ، إبراهيم وعبد الحميد أحمدو ، أحمد البيطار !!! وغيرهم ! 

ونُدعى إلى ريفها على طعام الغداء يومياً فيوم في آفس عند الأخ عبد الكريم عطار ، ويوم في مرديخ عند الأخ عبد السلام شبيب ، ويوم في تفتناز عند الأحباب من آل غزال ، ويوم في سراقب عند الإخوة عبدالله عبود وابراهيم  الحاج علي وأيام في أريحا في سفوح الأربعين !

 سقى الله تلك الأ يام  ، ورحم الله اولئك الإخوة الأحباب ، والمربين الأفاضل ، وقد فقدنا كثيراً منهم .

وليعذرني مٓن تورّط بقراءة ماكتبت ، إذا كانت تتحدث عن ذكريات خاصة ، ولكنها بالنسبة لي جزء من حياتي ! وهل الذكريات إلا جزء من الحياة !    

وسوم: العدد 1043