البقرات الإسرائيلية الحمراء تقود عجول حكومتهم الحمقاء
يسابق المتدينون الإسرائيليون الزمن ويستعجلون الخطى والعمل، ويحاولون طي المراحل بسرعةٍ، وتجاوز العقبات بقوةٍ، وينفذون الخطط والمشاريع فعلاً، ويكثرون من الاقتحامات عنوةً، ويزداد عددهم يوماً بعد آخر كثرةً، ويلتف حولهم ويعمل معهم يهودٌ متدينون غيرهم، ممن يؤمنون مثلهم بالأرض المقدسة والهيكل الموعود، ويعدون العدة لإعادة بنائه، ويتهيأون بالثياب الخاصة لإعماره، ويحضرون ما يلزم للمباشرة في العمل لاستنقاذه، إذ يظنون أن زمانه قد آن، ووقت إعادة بنائه قد حل، بعد ألفي عامٍ من شتاتهم وضياعه، وتيههم وفقدانه، وفناء ممالكهم وهلاك ملوكهم.
لكن المتدينين الصهاينة الذين يجاهرون بخططهم، ويعلنون مشاريعهم، ويحرضون المستوطنين جهاراً نهاراً للحاق بهم والعمل معهم، لا يعملون وحدهم ولا يخفون عن أحدٍ نواياهم، ولا يخططون سراً بعيداً عن حكومتهم، التي تساعدهم وتقف معهم، وتؤمن بهم وتساندهم، وتسهل مهامهم وتزيل العقبات من طريقهم، وتعتقل الفلسطينيين الذين يعترضونهم، وتحاسب بشدةٍ من ينكر حقهم، وتصب جام غضبها على من يكذبهم أو يشكك في معتقداتهم، أو يهزأ بهم ويتهكم عليهم، ويصف معتقداتهم بالخرافة ورواياتهم بالأباطيل، ويرى أنها أساطير مفتراه وحوادث مختلقة.
ومما يختلقونه ويدعون أنه حق، ويصرون على تنفيذه ويؤمنون أنه وعد، قصة البقرة الحمراء، التي يؤمنون أنها قربانٌ يجب عليهم أن يؤدوه، وواجبٌ يجب عليهم أن ينفذوه، استجابةً للرب وطاعةً له، الذي أمرهم –بزعمهم- أن يذبحوا ويحرقوا بقرةً حمراء، وأن ينثروا رمادها على اليهود في كل مكان، لتسهل عليهم عمليات اقتحام المسجد الأقصى بصورةٍ يومية، وأداء الصلاة والطقوس اليهودية في باحات "جبل الهيكل"، وهذا يجدونه مكتوباً عندهم في كتبهم، ومنصوصاً عليه في تلمودهم، ويؤكد عليه أحبارهم.
هذا ليس افتراءً على اليهود، ولا ادعاءً على الصهاينة المستوطنين، الذين يحتلون فلسطين وينكلون بأهلها ويغتصبون حقوقها ويدنسون مقدساتها، بل هو ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تعمل مع المتطرفين الإسرائيليين والمتطرفين اليهود في كل مكانٍ في العالم، وتحثهم على البحث عن البقرة الحمراء، ويقال أنهم فعلاً وجدوا ضالتهم في خمس بقراتٍ حمراء، وأنهم شحنوهن فعلاً من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كيانهم المغضوب، وكي يتمكنوا من تكثيف عمليات الاقتحام وزيادة وتيرتها، يلزمهم ذبح بقرة حمراء وحرقها، ونثر رمادها على اليهود لينالوا البركة، ويتشجعوا أكثر على اقتحام المسجد الأقصى، والاقتراب أكثر من "جبل الهيكل"، وتسهيل دخول البنائين وإدخال الحجارة التي سيعاد بها بناء الهيكل ورفع عماده وإعلاء أسواره.
تعتبر الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، التي يرأسها بنيامين نتنياهو على رأس تحالفٍ يضم غلاة المتطرفين وزعماء المستوطنين، أن من واجبها الحفاظ على حياة البقرات الخمس، وتأمين عيشهن في كيانهم وعدم المساس بهن، والتعجيل في ذبح واحدة منهن، ونثر رمادها لتطهير الشعب وتخليصه من خطاياه وفق العقيدة اليهودية، التي تعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية في الوعي الديني اليهودي، وإشارة إلهية مباشرة باستعادة الهيكل، وهذا يعني فتح الأبواب واسعةً أمام الاقتحامات الشعبية الغفيرة للمسجد الأقصى، والانتقال من مرحلة الاقتحامات الرمزية إلى الاقتحامات الشاملة، التي يشارك فيها عشرات آلاف اليهود من كل أنحاء العالم، بعد سقوط فتوى المتدينين "الحريديم" بحرمة اقتحام المسجد الأقصى قبل ظهور العلامة الإلهية.
يبدو أن الأمر بات غايةً في الوضوح، فالمؤامرة على المسجد الأقصى أصبحت تشتد يوماً بعد آخر، وقد تجاوز المتطرفون الإسرائيليون التفكير في زيارة ما يسمى بــ"جبل الهيكل أو جبل المعبد"، ولم يعد تشغلهم الصلاة فيه أو إقامة طقوسهم الدينية و"السجود الملحمي"، حتى أنهم لم يعودوا يريدون مقاسمة الفلسطينيين المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، إذ يريدونه لهم وحدهم خالصاً بلا شريك.
فقد انتقل الإسرائيليون إلى المرحلة الأخيرة التي بدأت ببناء "كنيس الخراب"، وتبعتها محاولات إدخال "السخلان" إلى باحات المسجد الأقصى، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة، التي تؤذن بالدخول إليها بقرةٌ حمراء أنهت عامها الثاني، خالية من أي لون آخر غير الأحمر، ولم تدخل رقبتها في طوق، ولم يجرها حبلٌ، ولم يعلم جسدها بأي علامةٍ أو ختمٍ، ولم تستخدم في أعمال الخدمة، ولم يستفد منها إنسانٌ، ولم يمنعها أحدٌ من حرية الرعي وتناول الطعام والشراب المخصص لها، ليكون دمها هو الطهارة والبداية، ورمادها المدخل إلى زمان الهيكل الثالث.
قد يظن البعض أن استجلاب البقرات الخمس من ولاية تكساس الأمريكية إلى الكيان الصهيوني كان بمسعى من الحكومة اليمينية الحالية، التي يتربع عليها إلى جانب نتنياهو أقطاب اليمين الديني المتطرف، إلا أن استجلابهن وإدخالهن وتخصيص مزرعة خاصة بهن، تمهيداً لذبح إحداهن قد تم في ظل حكومة يسار الوسط، وبرعاية ومتابعة من رئيسها ووزرائها المعنيين، الذين يدعون العلمانية، ويتظاهرون بأنهم يحاربون الأحزاب الدينية، والحقيقة أنهم يؤمنون بهذه الخرافات ويتبعون الأساطير الموروثة، ويعملون على تحقيقها شأنهم شأن أي حكومة يمينية أخرى.
أمام هذه الخزعبلات الخطيرة، والآيات المحرفة، والأباطيل التي تكتسي بعداً دينياً، والتي لا تقتصر على البقرات والسخلان، التي يبدو أنها توجه الحكومات وتقود الوزراء، وترسم خطوات القوى والأحزاب، ينبغي الانتباه إلى خطورة المخططات الصهيونية عامةً، التي يقوم بها ويشرف عليها إلى جانب الحكومات الإسرائيلية اليمين المسيحي المتطرف، الذين يسعون بكل السبل الممكنة والأدوات المتوفرة إلى هدم المسجد الأقصى وانتزاعه كلياً من الفلسطينيين، ولعلهم رأوا أن الفرصة باتت سانحة لتحقيق حلمهم التوراتي القديم والتلمودي الجديد، الذي يرى أن مدينة القدس خالصة لهم وحدهم، وعاصمة موحدة لكيانهم، ولكنهم يؤمنون أنها لن تكون لهم عاصمةً وموطناً، إلا إذا كان هيكلهم الثالث قائماً والمسجد الأقصى خراباً.
وسوم: العدد 1045