السويداء تقول كلمتها في وجه الطاغية

قد نختلف كمراقبين لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على العديد من تفصيل الربيع العربي ، فالبعض يرى أن البداية لم تأت من تونس بل كانت في بيروت عام 2005 ضد الوجود العسكري والهيمنة السياسية لنظام الأسد على الجغرافيا اللبنانية ضمن ما يعرف بثورة الأرز، كما قد يعتبر البعض أن دور الأحزاب الإسلامية والتنظيمات الجهادية كان سبباً لفشل معظم الثورات العربية، بينما يرى آخرون أن المنظومة الدولية بقيادة واشنطن هي المؤثر الأهم لمنع التغيير في المنطقة، قد نختلف على توصيف نتائج هذه الثورات أو على فرص عودة الشعوب للساحات، لكننا دائماً ما كنا نتفق على حقيقة واحدة وهي أن الشعب السوري وما واجهه من تدخلات إقليمية ودولية بالتوازي مع جنون عسكري قد دفع الفاتورة الأكبر، وبالتالي فرص أن تنتفض سوريا من جديد هي شبه معدومة ولكن …. ودون سابق إنذار عاد الشعب السوري ليفاجئنا من جديد.

مرسوم زيادة الرواتب

في مساء الخامس عشر من آب/أغسطس الماضي أصدرت الرئاسة السورية مرسوم زيادة رواتب للعاملين والمتقاعدين في الدولة السورية قدرها 100 في المئة ، وبالتوازي مع هذه الزيادة رفعت الدولة السورية أسعار المشتقات النفطية بنحو 300 في المئة.

هذه المراسيم انعكست بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية والأدوية ووسائل النقل لترتفع بشكل جنوني حتى لا يكاد راتب الموظف لشهر كامل يكفيه طعام أربعة أيام.

هذا التردي في الواقع المعيشي ترجم على الأرض بالاحتجاجات التي تشهدها محافظة السويداء في الجنوب السوري لنحو أسبوعين متواصلين مع توسع لرقعة الاحتجاجات لتشمل محافظات درعا والحسكة والرقة ودير الزور وبعض الأصوات الغاضبة بدأت تعلو في الساحل السوري .

بما لا شك فيه لا يمكن الفصل بين ما يجري في سوريا من قرارات اقتصادية تعكس تدهور النظام المالي لمنظومة الأسد والذي دفع نحو غضب الشارع السوري من جهة وما قد يبدو فشل ملف التقارب العربي مع الأسد الذي تديره الرياض مؤخراً.

منتصف شهر أيار/ مايو الماضي شهدت القمة العربية في جدة مشاركة الأسد شخصياً بعد أكثر من عقد لغيابه عنها، هذه الزيارة كانت ضمن مبادرة عربية شاملة تقودها المملكة العربية السعودية، والتي يراها العديد من المراقبين بانعطاف مفاجئ من قبل الرياض بعد أن كانت من أكثر الدول العربية رفضاً لعودة الأسد للجامعة العربية.

برأيي لا يمكن فصل هذه الخطوة عن التفاهم السعودي – الإيراني الذي رتبته الصين خلال الربيع الماضي، الرياض أرادت أن تعيد ترتيب سياساتها في المنطقة عموماً والملف السوري من إرث المرحلة السابقة.

بالرغم من أن المبادرة السعودية لم تكن بسقف مطالب عال إلا أن الأسد اختار التهرب من معظم نقاطها، فاستمرت شحنات الكابتاغون بمحاولة عبور الحدود الأردنية و تحاول اختراق الموانئ السعودية، كما رفض النظام السوري أي تنازل سياسي للمعارضة حتى ضمن ملف المعتقلين، و المحصلة كانت بأخذ الرياض ومن خلفها عدد من دول الإقليم خطوة للخلف كما أغلقت الأردن حدودها البرية مع سوريا دون إعلان رسمي عن ذلك.

المبادرة العربية

بالعودة للشارع السوري كان المواطن يضع آمالا كبيرة على المبادرة العربية في ظل انخفاض متواصل لقيمة الليرة السورية أمام الدولار بالتوازي مع انتشار جنوني للمخدرات ( الكابتاغون بشكل أساسي) ، بعد أن قدّم الإعلام الرسمي للأسد عودة سوريا للجامعة العربية على أنها بداية لتحسن الواقع المعيشي للمواطن، وأن العرب سيعيدون بناء سوريا من جديد.

كل هذه الآمال والتطلعات تحطمت وبشكل مؤلم مع مراسيم رفع أسعار المشتقات النفطية وليتحول الأمل لغضب ويتحول التفاؤل لصرخات نشهدها في محافظة السويداء، وهنا قد يتساءل البعض عن حلفاء الأسد الروس والإيرانيين أين هم؟

أواخر شهر تموز/يوليو الماضي وصل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للعاصمة الإيرانية طهران على رأس وفد سياسي و اقتصادي ، الزيارة امتدت لعدة أيام أنتجت إعلامياً توقيع عقود تشمل الاتصالات والنقل وتجارة المواد الاستهلاكية، إلا أن الحقيقة هي أن وفد الأسد عاد من طهران بخفي حنين مع متطلبات إيرانية جديدة ، منها أن يدفع نظام الأسد قيمة النفط الإيراني نقداً وبالدولار وعلى السعر العالمي، كما طلبت طهران إنشاء شركة اتصالات للهواتف المحمولة في سوريا، أما الحليف الروسي فالحرب الأوكرانية أصبحت أولوية الأولويات فحتى على الجانب العسكري سحبت موسكو معظم القوات البرية المحترفة واستبدلتها بقوات أقل خبرة، كما سحبت معظم طائراتها الحربية وأبقت على عدد محدود من طائرات الميغ 25 والمروحيات ، وليجد الأسد نفسه أمام أبواب مغلقة إلى حد ما و أمام شوارع عادت لتصدح بمطلب إسقاطه وخيارات محدودة للغاية.

موجة الاحتجاجات

مع خبرتنا بعقلية الأسد والميغالومانيا التي تتملكه يمكن القول إن خيار الحديد والنار سيكون خياره المباشر في مواجهة موجة الاحتجاجات في السويداء، لكن بحكم خصوصية هذه المحافظة وتصدر الطائفة الدرزية للمشهد هناك، فخيار العسكرة لن يكون مباشرا وصريحا كما كان هو الحال في مواجهة الأكثرية السنية.

و من ضمن ما يطرح حالياً هو إعادة إشعال إحدى الجبهات بمحاولة منه لتذكير الأقليات في سوريا أن الحرب لاتزال مستمرة و إن الاحتجاجات في الوقت الحالي هي خيانة، كما أن عملية عسكرية ستؤدي عملياً للمزيد من القتلى من أبناء الأقليات والثوار بمحاولة من الأسد لتذكير الطرفين أن الدم لايزال يفرق بينهم.

جبهة إدلب قد تكون هدفا لهذا المخطط لكن التفاهمات الروسية – التركية تقلل من فرص تسخين هذه الجبهة، لكن جبهة شرق سوريا قد تبدو أكثر جاذبية بنظر نظام الأسد في ظل رغبة من طهران لإبعاد واشنطن عن ممر طهران – بيروت البري وتحت شعار المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأمريكي، هذا الخيار خطير ومعقّد ويحتاج وقت قد لا يملكه الأسد لهذا يبدو أن خيار الإرهاب هو على رأس مخططات الأسد في مواجهة الاحتجاجات الشعبية في السويداء.

نشر الرعب

أن تقوم الأجهزة الأمنة التابعة لنظام الأسد بتمرير سيارات مفخخة باتجاه القرى الثائرة في محافظة السويداء وتفجيرها تحت غطاء تنظيم داعش وبذلك يكون النظام مرر عدة رسائل، فهو من خلال هذه التفجيرات يعيد تذكير أهالي محافظة السويداء أن النظام هو الحامي الوحيد لهم في وجه الإرهاب المحسوب ضمن روايته على الثوار والمعارضة، كما ينشر من خلال هذه التفجيرات الرعب والخوف في المحافظة مما قد يدفع البعض للصمت وتقبل الواقع، وقد يكون المستهدف من إحدى هذه التفجيرات شخصيات درزية تدعم الاحتجاجات.

بما لا شك فيه فإن الاحتجاجات التي بدأت في محافظة السويداء والمرجح أنها ستتوسع مع الوقت هي جزء لا يتجزأ من الثورة السورية التي بدأت قبل 13 عاما، مطالب الحرية و التغيير والديمقراطية نفسه ، شعار وحدة الشعب السوري بمختلف طوائفه نفسه الذي صاح به ثوار درعا البلد وبابا عمرو وكفرنبل والموحسن، وعلى الضفة الأخرى يقف النظام نفسه بنرجسيته وجنونه، النظام الذي رفض محاسبة رئيس فرع الأمن السياسي في درعا فاشتعلت سوريا بعدها، هو نفسه لن يتنازل اليوم أو غداً أمام أي حراك شعبي ومطالب محقة ، لكن الجديد اليوم في هذه المعادلة يكمن في خصوصية السويداء وأهلها من جهة و العبر التي استقاها الشعب السوري خلال 13 عاما ثورة أن لا صديق للسوري سوى أخيه السوري.

وسوم: العدد 1048