جبل العرب يستعيد مشعل ثورة 2011 "الحرية أكبر من منصب رئيس"!
شعارات الثورة السورية على الطاغية مجرم الحرب بشار الأسد تصدح بها حناجر أهلنا في جبل العرب؛ الذي كان مع الثورة منذ انطلاقتها عام 2011، وتحمل أهلنا في السويداء وما يتبعها من مدن وأرياف زج النظام المجرم داعش بداية، ومن ثم ميليشيات حزب اللات اللبناني في مواجهة حراكهم، وقدموا مئات الشهداء في مقاومتهم رغم عدم تكافؤ القوى والسلاح والعتاد.
واليوم يجدد أهلنا في جبل العرب مسيرة الحرية والكرامة والعدالة، فتصدح أفواه الشباب والكبار والصغار والنساء بشعارات: "سورية حرّة حرّة، بشّار يطلع برّا"، وهذه الشعارات ليست عادية أن يهتف بها الشعب السوري بكل مكوناته وأن يرفع يافطات كُتب عليها: "الموت ولا المذلّة... بدنا نعيش بكرامة، بدنا المعتقلين، بدنا مستقبل لأولادنا، حرّية الشعب واستقلاله أكبر من منصب رئيس"!
دوّت هذه الشعارات في الجنوب السوري وتحديداً في محافظة السويداء التي انطلقت منها تظاهرات منذ ليل السبت 19 آب 2023 من دون أن تحصل "ضربة كف من جيش النظام" لقمع المتظاهرين كما حصل في درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة في آذار 2011 ودفعت الثمن آلاف الشهداء ومئات الآلاف من النازحين والمهجرين، وما يحصل منذ ليل السبت 19 آب 2023 حتى اليوم، يؤشر لتوسع رقعة الاحتجاجات، فقد تجاوبت عشائر السويداء مع أهالي المحافظة بشكل لافت وغير مسبوق منذ العام 2011، احتجاجاً على تأزّم الواقعين المعيشي والاقتصادي.
وفي موقف جريء، وجّه الرئيس الروحي للموحدين الدروز الشيخ حكمت سلمان الهجري رسالة إلى أبناء الطائفة وشباب سورية عموماً، أكد خلالها أن تصرّفات وإجراءات النظام "طالت لقمة العيش، وتسبّبت بهروب جماعي، وتدمير العلم وتخوين الشرفاء وقد آن الأوان لقمع مسبّبي هذه الفتن والمحن ومصدّري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة.
لقد بلغت رقعة الاحتجاجات 40 نقطة في الجنوب السوري، والتعليمات أعطيت لجيش النظام لقمع أي مخالفة إذا ما وصلت إلى العاصمة دمشق دون سواها حتى اللحظة، فهل بدأ العد العكسي لنهاية نظام تجرأ أن يتمرد على الاتفاق السعودي-الإيراني وعلى احتضانه من جديد من قِبل الجامعة العربية؟
وبعد مضي 12 عاما ونصف على انطلاق الثورة السورية، تبين أن كل "الإنجازات" و"الانتصارات" التي حاول محور المماتعة أن يسجلها لمصلحة أحد فروعه، أي النظام السوري، كانت مجرد حالات وهمية مفبركة، بدليل تعمّق الأزمة السورية في اتجاهاتها الثلاثة، السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وإذا كانت انتفاضة درعا عام 2011 انطلقت على خلفية سياسية بمعنى المطالبة بالحريات وبالحق في التعبير عن الرأي العام السوري الناقم على نظامه، فإن الانتفاضة المتجددة في الجنوب السوري نفسه، وهذه المرة من محافظة السويداء تتم على خلفية اقتصادية واجتماعية، لكنها في جوهرها انتفاضة سياسية لا يقلِّل من أهميتها كون المنتفضين من طائفة معينة غالبيتها من الموحدين الدروز، لأن ما تعبر عنه السويداء الآن هو حالة نقمة لدى الشعب السوري بكل أطيافه، السنية والمسيحية والاسماعيلية والكردية وحتى بعض الشخصيات العلوية المستنيرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تقف الثورة المتجددة عند حدود الجنوب السوري أم هي مرشحة للتمدد جغرافياً ومناطقياً من الجنوب إلى الشمال ونحو الشرق والغرب أيضا، حيث كل المؤشرات الميدانية تؤكد أن الانغلاق في هذه الأزمة يتصاعد إلى درجة الانفجار العسكري، بمعنى حصول معركة في مدى متوسط تغيِّر موازين القوى الراهنة لمصلحة قوى الثورة.
اللافت في كل هذا المشهد المأزوم في سورية أن الدول العربية التي حضنت النظام تكاد لا تصدر بيانا أو كلمة لمعالجة هذه الأزمة المستجدة، خصوصاً السعودية التي يئست من معالجة النظام على الرغم من التفاهمات المتجددة مع طهران، وهذا ما يؤشر إلى أننا أمام مشهد متجدد، فالرعاية الدولية أصبحت لصيقة ومباشرة مع ما يحصل في الجنوب السوري امتدادا إلى سائر المناطق السورية، ولا يمكن خلق مبررات أو مسببات لإجهاضها وتحجيمها، لأن إدخال عوامل التطرف الديني أو المذهبي ليس سهلاً أو متاحاً كما حصل في بداية الثورة، خصوصاً تحت رعاية ثنائية مشتركة روسية وإيرانية وبدعم واسع من ذراع إيران في لبنان، أي حزب اللات.
من هنا فإن الانتفاضة في السويداء التي تم قمعها سابقاً تحصل على عوامل نجاحها بعدما تبين للعالم العربي، وأيضا لأوروبا وأميركا تحديداً، أن الانفتاح على النظام السوري لم يؤدِ غاياته التي كان يتوخاها، كما أنه لم يلتزم بأي شرط من شروط عودته إلى حضن الجامعة العربية، ولا بالرعاية التي أمنتها له المملكة العربية السعودية خصوصا في قمة الرياض.
ولا يستبعد أن يشهد النظام في خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة على مزيد من الضغوط، وأيضا على راعيتيه موسكو وطهران، خصوصا أنهما تغرقان في مشكلات صعبة جدا سواء على المستوى الداخلي في إيران أو على مستوى الحرب الأوكرانية بالنسبة إلى روسيا.
الأكيد أن حبال النجاة التي كانت تقدم لنظام مجرم الحرب بشار الأسد قبل أعوام؛ لم تعد هي نفسها قادرة على إنقاذه نظرا لما يتخبط فيه، ليس فقط من الجنوب السوري بل أيضا على مستوى أزمات الشمال والشرق، طالما أن كل محاولات ترميم العلاقة بينه وبين تركيا لم تبلغ خواتيمها.
ومن هنا يمكن ترقب مرحلة من التصعيد الداخلي في سورية تحت عنوان الاختناق الاقتصادي والاجتماعي، لكن الثورة المتجددة تبقى في عمقها سياسية ولا يمكن إخمادها إلا بحلٍّ سياسي على الأقل استناداً إلى القرار الدولي 2254 وأهم بنوده الانتقال السياسي، ومعالجة وضع النظام بحيث يتغير وجه سورية من السلطة الأحادية ذات الطابع الطائفي إلى سلطة أقرب إلى التداول الديمقراطي.
ويكون هذا الحل هو الأكثر استقراراً لمستقبل سورية وأيضا لمستقبل جاراتها من الدول العربية؛ وخصوصا العراق ولبنان والأردن.
المصدر
*المركزية-17/9/2023
وسوم: العدد 1050