أساليب الحوار عند العلمانيين العرب عموما والمغاربة خصوصا

مما ابتليت به البلاد العربية الإسلامية، ظهور نابتة  فيها ،هي نتيجة ما بذره المحتل الأوروبي خلال فترة احتلاله لمعظم هذه البلاد  في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولقد كان تخطيطه ماكرا وخبيثا، أعده لتمديد احتلاله الثقافي بعد جلاء احتلاله العسكري ، لهذا انتقى  محتل الأمس طوابيرها الخامسة من أبناء البلاد العربية الإسلامية لتكون وكيلة  وعرابة، تنوب عنه في تكريس  ذلك التمديد، حرصا على مصالحه التي  يعتبرها حيوية و استراتيجية .

ولا يخلو قطر عربي إسلامي  من هذه النابتة التي لبست جلد الثعبان العلماني ، وأعملت وسائلها التخريبية من أجل طمس معالم الهوية العربية الإسلامية، وهو الهدف الأساسي لمحتل الأمس ، وذلك تحت شعار زائف يدعي أصحابه  بأنه تحديث وتمدين للمجتمعات العربية الإسلامية.

 ولقد انطلقت هذه النابتة من حيث انتهى الاستشراق الأوروبي الذي أدار حلقة من حلقات الحروب الصليبية ، والتي انتهت باحتلال معظم البلاد العربية الإسلامية بعد اضمحلال الدولة العثمانية التي تم تقزيمها، لتصير بدورها بلدا علمانيا ، وليمتد ما اعتراها إلى كل تلك البلاد . ولما استكمل  المحتل الأوروبي بذر ما يعوض رحيله العسكري الذي كان وسيلة نهب وسلب للمقدرات والثروات ، ناب عنه في تمديد احتلاله الثقافي شرذمة مأجورة من أذنابه،صارت تروج للزبالة العلمانية ، وكأن البلاد العربية والإسلامية لا هويته لها ، وقد صار عنها المحتل الأوروبي  العلماني  مرجعا ونموذجا ترجع إليه من أجل استنساخ تجربته عن طريق التقليد الأعمى و الحرفي الذي لا يراعي التنوع الثقافي، بل يكرس عولمة النموذج  العلماني على أساس أنه قمة ما وصلت إليه البشرية الملزمة بالخضوع له، بعدما صا ينعت بأنه قيمة إنسانية و كونية ، وصار شرطا واجبا ومفروضا على مجتمعات ما يسمى بالعالم الثالث والعالم العربي الإسلامي من ضمنه ، وبموجبه كشرط لا مناص منه،  يكون الاعتراف بشرعية الأنظمة فيها، و به تبرم الاتفاقيات ، وتجدول الديون ، وتعطى المساعدات ....إلى غير ذلك.

ولقد اختارت العلمانية الغربية أن يكون في خندقها المتقدم شرذمة العلمانيين المحسوبين على الهوية العربية الإسلامية، الذين يجادلون عنها بأساليب تتميز بما يلي :

1 ـ ادعاء الانتماء إلى الهوية العربية الإسلامية ، لأن تلك الشرذمة لا تجرؤ على إعلان الانسلاخ منها ، وذلك لضمان استمرار القيام بالمهمة الموكولة إليها، إذ لو صرحت بتنكرها لهذه الهوية لانتهت مسرحيتها ، وصارت في وضع شرود وخارج اللعبة . ويتعارض ما تدعيه من انتماء إلى هذه الهوية ، مع ما  هي عليه في واقع الحال  ، ومع ما يصدر عنها من أفعال وأقوال .

2 ـ اعتمادها أسلوب احتقار كل من يجادلها أو يناظرها ممن يمثلون الهوية العربية الإسلامية والتعالي عليهم ، و التعالم ، واعتبار مرجعيتها العلمانية هي الغالبة والقاهرة  فوق كل مرجعية ، خصوصا المرجعية الإسلامية .

3 ـ ركوب غرورها  بادعاء العلم بمصادر المرجعية العربية الإسلامية، وادعاء التضلع فيها بل والخبرة بها إلى درجة التلويح بالقدرة على مناظرة أصحاب الاختصاص فيها،وإفحامهم .

4 ـ التشكيك في  صدقية كل مصادر المرجعية العربية الإسلامية بحيث لا يصح عندها  كل التراث الأدبي والفكري والديني، بل يؤخذ منه ويرد ، وهي تطعن في أعلام كبار لهذا التراث ، وهو أسلوب سبقها إليه الاستشراق الذي تعتمده مرجعية لها ، وهو الذي كان مقدمة للاحتلال الأوروبي للبلاد العربية الإسلامية .

5 ـ الدعوة إلى ما تسميه إعادة قراءة هذا التراث بمنظار علماني ، لتسهيل نسفه من أساسه، إذ كيف  يمكن أن تحصل إعادة قراءته ، وهو عندها فاقد للصدقية أصلا  ؟ ولنضرب على ذلك مثال نسفها صدقية  مؤلف صحيح البخاري ، وفي نفس الوقت الخوض في أسانيده ومتونه ، علما بأن الهدف من وراء ذلك التمويه على الرغبة في نسف السنة النبوية الشريف، تمهيدا للجرأة على القرآن الكريم بعد ذلك ، وهو أمر سبقها إليه الاستشراق .

6 ـ اعتماد الضجة الإعلامية من أجل إعطاء الانطباع، بأنها هي السائدة والمهيمنة ، وأنها تمثل الأغلبية، مع أنها لا وزن لها في البلاد العربية الإسلامية التي يعبر فيها سواد أهلها عن تشبثهم بهويتهم العربية الإسلامية ، وهو أمر يعبر عنه واقع الحال ، ذلك أنه إذا كانت الشرذمة العلمانية المأجورة على سبيل المثال لا تبدي اهتماما بالتدين ،بحيث لا ترتاد المساجد، فإن سواد الأمة العربية الإسلامية يرتادها ، ومع ذلك يحاول الإعلام المأجور أن يعكس الآية ليوهم بأن ما تدعو إليه شرذمته هو الغالب والمهيمن .

7 ـ تنظيم  المحاضرات ، والندوات ، والموائد المستديرة من أجل الإكثار من الضجيج العلماني الإشهاري  . ومما يحدث في أغلب تلك الموائد المستديرة التي تمرر أحيانا عبر وسائل إعلام رسمية ، هو الاخلال بشروط التناظر بين الشرذمة العلمانية، وبين أصحاب المرجعية العربية الإسلامية ،حيث يكون نصيب الأسد من الحصص الزمنية لتلك الموائد لصالح الشرذمة التي يحضر منها أكثر من عنصر، بينما لا يزيد في الغالب  حضور الطرف الآخر عن عنصر واحد ، والذي  يوضع في قفص الاتهام ، ويقذف من  طرف كل عناصر الشرذمة ، لتنتهي تلك الموائد بتكريس انطباع سيطرة وغلبة الطروح العلمانية على الطروح الإسلامية  .

8 ـ تزوير نتائج التعليقات على الضاعة العلمانية التي تسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث يكون أغلب تلك التعليقات يصب في الثناء عليها ، والقدح في غيرها ،علما بأنه لا يوجد ما يثبت  صحة أو صدقية  تلك التعليقات ، خصوصا في مواقع محسوبة على التيار العلماني .

9 ـ اعتماد ما يسمى قنوات تنسب إلى عناصر علمانية ، تستغل كل الأحداث من أجل عرض بضاعتها العلمانية بشكل  في غاية التعسف، ويكفي أن نمثل بما حدث مؤخرا حيث استغل العلماني المدعو أحمد عصيد ظرف كارثة الزلزال من أجل تصفية الحساب مع من يخالفونه  الرأي من الإسلاميين من جهة ، ومن أجل التجاسر المعهود فيه على المقدس، حيث وصف مخالفيه بأنهم قد شمتوا بضحايا الزلزال لمجرد ذكر هذا الأخير بأنه مما عذب به الله تعالى أمما ظالمة في الماضي  ، وقد كذب بذلك عصيد ، وشكك فيه ، واعتبره  مجرد أساطير تسربت إلى الكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم من ثقافات وثنية .

10 ـ الترويج لكل أشكال الانحلال الخلقي من مثلية ، ورضائية... تحت شعار حرية الجسد  والجنس ، وذلك رهان منها على استدراج الأغرار من المراهقين إلى مستنقعات الرذيلة .

11ـ الترويج لكل الأفكار المنحرفة عن الفكر العربي الإسلامي، لأن ذلك يخدم الطروح العلمانية ، فلا يعتبر الأديب أو المفكر أو الفنان  قديما أو حديثا عند الشرذمة العلمانية إلا من شذ أدبه أو فكره أو فنه عما هو إسلامي  .

       12 ـ الترويج للعادات والتقاليد البالية التي تعود أصولها إلى أزمنة غابرة ، و هي ضاربة في أعماق البدائية ، واعتبارها تراثا إنسانيا ، والمطالبة  بإحيائها أوبتحيينها،  بل وترسيمها  أيضا ، مع إضفاء الطابع العلماني عليها .

13 ـ الدعوة إلى التعصب للإثنيات العرقية تحت شعار الدفاع عنها ، والانتصار لها على عدو متوهم هو العروبة والإسلام ، ويكفي أن نمثل مرة أخرى  لذلك بدعوة المدعو عصيد الذي يعتبر الفتح الإسلامي مجرد غزو عربي لبلاد البربر، وذلك  من أجل الإيهام بأن هؤلاء قد فرض عليهم الإسلام فرضا ، وفرضت عليهم لغته العربية ، وهو ما يوجب بالنسبة إليه التحرر منهما حفاظا على الإثنية البربرية المهددة حسب زعمه، وكأن الإسلام كان حكرا على العرب دون غيرهم من الأجناس البشرية ، علما بأنه لا توجد  مثل هذه الحساسية الإثنية العصيدية عند غير العرب من  الأجناس الأخرى المسلمة  .

وتوجد أساليب أخرى نكتفي بما ذكرناه منها لتكتمل لدينا صورة الشرذمة العلمانية التي تعمل ليل نهار على تكريس استمرار الاحتلال الثقافي الأوروبي  في البلاد العربية ، في الوقت الذي صار هذا الاحتلال يحارب بقوة  في بعض بلاد ما يسمى بالعالم الثالث، كما هو الشأن بالنسبة لأقطار إفريقية ثار بعض قادة عساكرها على فرنسا العلمانية ،وهي  رأس الأفعى لإخراجها مطرودة مدحورة،  وقد استنزفت مقدرات وخيرات بلدانهم ، الشيء الذي جعل شعوبهم رهينة الفقر والجهل والمرض، بينما الشعب الفرنسي، وغيره من شعوب القارة العجوز ينعمون بالرفاهية التي وفرتها وتوفرها لهم تلك الخيرات والمقدرات المنهوبة .

ونختم هذا المقال بالإشارة إلى موقف الرئيس الفرنسي العلماني ، الذي سولت له نفسه أن يتجرأ و يخاطب الشعب المغربي بمناسبة كارثة الزلزال ،تماما  كما كان يفعل من سبقوه من الغزاة المحتلين من أمثال مجرم الحرب الجنرال ديغول وأمثاله من السفاحين . وهذا الموقف المستهجن منه، يفضح  نزعته العدوانية التي يموه عليه ، كما يفضح من يستخدمهم كعرابين عنده ، وهو يجعلهم في وضعية شرود ، وقد سقط في أيديهم . ولا شك أن المستقبل القريب سيعريهم خصوصا بعد ظاهرة انتفاض الشعوب الإفريقية التي تعتبر بداية ربيعها الإفريقي على غرار الربيع العربي الذي تم خنقه في مهده من طرف العلمانية الغربية الحاقدة التي ترتكب كل الجرائم من أجل المحافظة على مصالحها التي صارت في حكم القدر المفروض على الشعوب المستضعفة وعلى رأسها الشعوب العربية والإسلامية .  

وسوم: العدد 1050