الحقيقة المرة.. علموا الناس هذه الحقائق، علموا الناس الواقعية.. وتوقفوا عن الضخ الزاهي!!
وقرأت كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير... منذ خمسين سنة.. ابن الأثير الجزري المؤرخ ثالث ثلاثة اخوة ، كلهم يحمل اللقب نفسه. مؤرخ ومحدث واديب.
ابن الأثير المؤرخ عز الدين عاصر حروب الفرنجة، وواكب دولة صلاح الدين.
وباق في ذاكرتي من كتابه عن تلك الحقبة..
أنه عندما نزل الفرنجة -يحملون الصليب على صدورهم- أرض الشام، وفعلوا بمدنها وقراها، بنسائها وأطفالها الأفاعيل، كان في بغداد "خليفة" للمسلمين لقبه "المستظهر بالله" هذا الخليفة العباسي كأنه لم يسمع بالخبر..!! هل ترون حولكم مثله ولي أمر لم يسمع بالخبر!!
وحين عمّ الخوفُ مدنَ الشام، قرر أهل دمشق خاصة أن يرسلوا وفدا للخليفة يستنجدونه، فأرسلوا وفدا يرأسه قاض جليل لقبه الهروي،،، فذهب الوفد وعاد خائبا -أعطيكم خلاصات-
يقول ابن الأثير: ألقى الوفد كلمة في حضرة الخليفة، فوعدهم خيرا، وصرفهم، ولم يفعل شيئا، فخرجوا إلى مساجد بغداد يحرضون الناس في أمر يطول شرحه وذكره وكانت العودة الخائبة خلاصته..
وبعد سنوات من هذا الوفد، أرسل أهل دمشق وفدا آخر لدار الخلافة، وكانت النتيجة صفرية، كما الأولى، أرجو أن لا تصفر وجوهنا ونحن نقرأ الصفحات الصفر من تاريخنا.
أهل حلب ضاقت بهم أفعال الغزاة الهمج من الفرنجة أيضا. لعلمكم الفرنجة لم يدخلوا دمشق ولا حلب - وقاية الله- فأرسلوا إلى الخليفة في بغداد وفدا يستنجد، لم تكن الأخبار تنتقل بالعواجل، وقال ساذجهم: لعل الخليفة ما سمع ولا دري!! وعاد وفدهم، كما وفد إخوانهم في دمشق، صفر اليدين.
كانت بغداد في تلك الأعوام تعيش في بلهنية، شعر وأدب وتجميش وغزل وفلسفة وفكر وفقه وأصول.. وما شئتم من ترف ومن لين..
بل وأزيدكم..
وكان امبرطور الروم البيزنطيين أيضا.. والروم البيزنطيون جيراننا في شمال الشام، كانوا أهل تمدن ورفاه، بينما كان الفرنجة همجا. وكانوا أرثوذكسا بينما الفرنجة هم ممن حرشه البابا الكاثوليكي علينا.. فكتب امبرطور الروم إلى الخليفة العباسي: هلم نتعاون على رد هؤلاء الهمج عن ديارنا.. ولكن الخليفة كان في وديان أخرى.. يرفل بالدمقس والحرير، مثلما هو حال كل خلفائنا اليوم..
وأزيدكم..
ونظرتُ في تراث العلماء العظماء الذين نظل نستشهد بأقوالهم، ونستشفع بأحوالهم، فما وجدتُ أحدَهم ذكر غزو الفرنج للشام بكلمة..
وكتب إمامنا الأحبّ للخليفة العباسي، المستظهر نفسه ذاته عينه، كتابه "المستظهري" الموسوم بفضائح الباطنية، ولا أجمل ولا أكمل، وكان مشغولا بتهافت الفلاسفة، وبالرياضة في الخلوة، في المنقذ من الضلال.. لا في الحض على الجهاد وقد احتل الفرنج.. بلاد المسلمين
وكتب "إمام الحرمين" لنظام الملك أيضا كتابه "الغياثي" "غياث الأمم في التياث الظلم" الذي أزعم أنه ما كُتب في تاريخ علم السياسة عند المسلمين مثله. وفي هذا الكتاب حط الإمام الجويني رحمه الله تعالى عن الخليفة والسلطان فريضة الحج، لانشغالهما بأمر المسلمين فيما زعم!!
أما قصيدة أبي البقاء الرندي في بكاء ممالك الأندلس، في وقت كان من الأسهل على من تسمى بالخليفة والسلطان، وورث البردة والقضيب والشعرة، أن يمد يد العون فيكفي!!
كل هذا في تاريخنا كان..
السادة النجبا
علمونا الواقعية نرجوكم، لنعرف ما نأتي وما ندع، ولا تعلمونا علم الغرور..
وكم من شقيق في عالم الحقيقة بات وأطفاله يتضاغون من الجوع، وله شقيق هو وأطفاله يشكون الكظة والتخمة.. وأضيفكم وكلاهما صلى العشاء ودعا: رب اغفر لي ولوالدي.. !!
أوجعكم بحديثي !!
وما نفعله بأهلنا في الشام، في أكناف بيت المقدس وفي أطراف إدلب أشد وأكثر إيلاما..
علِّمونا على كل عرندس أن كل معزى تعلق من كراعيبها..
ونخطب على المنابر وتنتفخ منا الأوداج.. ولكن أطفال الشام في غزة وفي الشمال ما زالوا لا يكبرون..
ويرسل لي أخ أثير صيغة لدعوات يزعم أنهن مستجابات..
وينسى أن الأشعث الأغبر ذا الطمرين الذي لو أقسم على الله لأبره.. قد لا يحسن دندنة معاذ.. مليار ونصف المليار من المسلمين ليس فينا رجل من طبعة البراء بن مالك يقول: يا رب أقسمنا عليك بحقنا عليك، أن تكشف عن أطفالنا في الشام أجمعين..
وسوم: ألعدد 1056