أما زال في العالم من يخامرهم أدنى شك في عنصرية وعدوانية الكيان الصهيوني المتاجر بمقولة معاداة السامية لكسب تعاطفهم وابتزازهم ؟؟
إذا كان للمنطق من معنى عند ذوي الألباب ، فإنه لا يمكن أن يبقى في عالم اليوم بقاراته الخمس من يصدق الصورة المضللة التي يضفيها الكيان الصهيوني على نفسه بدءا بمتاجرته بمقولة " معاداة السامية " ، وانتهاء بمفاخرته بالديمقراطية التي يزعم أنها الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ، والعالم العربي ، ومرورا بكل ما بين البدء والانتهاء من خدع ماكرة متأصلة في جنس بشري ديدنه المكر والخداع كما شهد بذل التاريخ والوحي .
وبعدما ضج العالم شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا منددا بجرائم الكيان الصهيوني في غزة، وهي مصنفة جرائم حرب بامتياز ، وجرائم إبادة جماعية، ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، ومعظمهم صبية وصبايا ، ونساء ، وحوامل ، وأجنة ، ومواليد...طلع رئيس الإدارة الأمريكية باعترافات أمام وسائل الإعلام مفادها أن الكيان الصهيوني قد ورطه فيما تورط فيه من إجرام ، وأنه أصبح يخشى على مصداقية بلاده التي بدأت تتبخر بسبب دعمها ومشاركتها في تلك الجرائم التي سطرت وصمة عار على جبينه . ودون خجل منه يعترف أن الكيان الصهيوني قد وقع فما وقعت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر، حين غزت أرض أفغانستان التي غادرتها قواتها مندحرة بعد عقدين من احتلالها ، و بعد إبادة شعبها ، وارتكاب جرائم حرب فظيعة فيها ظلما وعدوانا دون متابعة أو محاسبة، لأنها تنصب نفسها الوصية على كل العالم ، وهي بذلك فوق كل قانون . وهذا الاعتراف من رئيس الإدارة الأمريكية ، يعتبر في حد ذاته إقرارا منه على أن الكيان الصهيوني قد ارتكب في غزة ما ارتكبه الجيش الأمريكي وحلفاؤه الغربيون في أفغانستان و في العراق أيضا ، وإن لم يشر إلى العراق في حديثه للإعلام .وقد ادعى أنه على خلاف مع الكيان الصهيوني ، وأنه لا يوافقه على فكرة شطب الوطن الفلسطيني من الوجود ، وعلى فكرة احتلال قطاع غزة ، و على فكرة الانسحاب من اتفاقية أسلو ... وكل ذلك محض كذب ، و محض ذر للرماد في العيون من أجل الالتفاف على ما لحق شعبيته من ارتكاس بسبب انخراطه المباشر والفاضح في حرب الإبادة الجماعية في غزة ، وهو ما فضحه رئيس الكيان الصهيوني حين صرح بأن على وفاق ، وتفاهم تامين مع بايدن ، ومع الإدارة الأمريكية ، وأنه يتصرف وفق إرادتها وبالتنسيق الكامل معها ، الشيء الذي يكشف ويفضح التسويق الإعلامي المجاني والكاذب للرئيس الأمريكي .
ومعلوم أن الكيان الصهيوني لم يحد يوما قيد أنملة عن حلمه التوسعي والاستيطاني في منطقة الشرق الأوسط ، وعموم العالم العربي، كما سطر ذلك في بروتوكولات صهيون المشئومة التي حددت حدود الوطن القومي لليهود ما بين فرات العراق شرقا ، ونيل مصر غربا ، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى شمال شبه جزيرة العرب حيث يزعم أن له فيها مطالب تاريخية خيبرية ، وقريظية ، ونضيرية ، وقينقاعية ، فضلا عما خفي من مثل هذه المطالب التوسعية في باقي أقطار الوطن العربي . إن نتنياهو اليوم الذي يأسف لما يسمى اتفاق أسلو ،والذي خرج منه الكيان الصهيوني الرابح الوحيد في وقت كان في أمس الحاجة إلى ذلك ، نجده يعبر عن تنكره له، لأنه صار أمرا متجاوزا بالنسبة إليه ، ولم تعد حاجة إلى التستر على التصريح المتهور بحلم الوطن الصهيوني من الفرات إلى النيل ،وكأنه يريد بذلك الحصول من الولايات المتحدة على منحة كمنحة سنة 1948 ،تكون كتعويض على ما لحق كيانه بسبب طوفان الأقصى ، و على ما ذاقه ويذوقه جيشه الغارق في مستنقع غزة من مرارة الهزائم المتتالية على يد مقاومة باسلة .
وفي الوقت الذي يتنكر فيه نتنياهو علانية لاتفاق أسلو ، لا زالت السلطة الفلسطينية متشبثة بسرابه عوض أن تعلن فك ارتباطها مع الكيان الصهيوني فيما يسمى تنسيقا أمنيا ،يقتل بموجبه الفلسطينيون يوميا ، ويسجنون في الضفة الغربية ، والمستوطنون الصهاينة مسلحون يعيثون فيها فسادا ، وتقتيلا ، وعوض أن تنخرط السلطة في حرب تحرير وطنها إلى جانب المقاومة في غزة.
وإن المطلوب من دول الجامعة العربية أن يكون لها رد على تصريح نتنياهو الواضح ، ولا يجب أن يقتصر على التنديد ، والشجب كالمعتاد منذ عقود ، بل يجب أن يتعدى الأمر إلى إلغاء كل المعاهدات السابقة مع الكيان الصهيوني الذي أخذ كل شيء بموجبها ، ولم يعط للفلسطينيين شيئا ، وبهذا القرار فقط سيتبخر حلم الكيان الصهيوني التوسعي ما بين الفرات والنيل ، ويصير وجوده خارجهما كما كان قبل 1948 ، وكذا إلغاء كل أشكال التطبيع معه التي يستفيد منها اقتصاديا وسياسيا، ويعتمد عليها في توطيد احتلاله للأرض العربية .
ولا بد في الأخير أن نقول لكل من ينتقدون المقاومة الصامدة في غزة بذريعة التعاطف مع الضحايا المدنيين ، إن الحرية إنما تنال بالتضحيات الجسام ، ولكم درس وعبرة في تضحيات كل شعوب العالم التي قاتلت من أجل نيل حريتها ، وما شعب أفغانستان منكم ببعيد ، وإن العزة والكرامة لا ثمن لهما سوى تلك التضحيات الجسام ، و لا حياة كريمة تحت نير الاحتلال ، وإنه لا ضياع لحق وراءه طلاّب . وإن صمتكم خير لكم من شماتة بالأحرار، لأنكم حين تنتقدونهم تتخندقون مع الكيان الصهيوني، وأنتم إما على وعي وعلم بذلك أو أنتم عنه غافلون ، وخارج التغطية.
وسوم: العدد 1062