المطلوب أولاً التركيز على الأسباب قبل استعراض النتائج: عملية مدرسة المدفعية في حلب مثالاً
الجزء الأول :
أعزائي القراء ..
الموضوع الذي شغل سوريا في عام 1979 كان يدور حول تنفيذ النقيب إبراهيم اليوسف لحادثة مدرسة المدفعية مع مجموعة من شباب ينتمون لعوائل سورية معروفة تربيتهم إسلامية ودراستهم جامعية دعوا أنفسهم بالطليعة المقاتلة لجماعة الاخوان المسلمين رغم وجود خلافات في الرأي مع جماعة الإخوان المسلمين فيما يخص الأسلوب في إنهاء تسلط النظام الطائفي الجديد على سوريا .
أولًا - من هو النقيب ابراهيم اليوسف ؟
ابراهيم اليوسف هو أحد ضباط الجيش السوري، من مواليد عام 1950 في قرية تادف من ريف حلب، درس في مدارس الرقة، قبل أن يلتقي في المرحلة الثانوية بـ عدنان عقلة، الذي شكل لاحقاً تنظيم "الطليعة المقاتلة" في سبعينات القرن الماضي، خلفاً للشهيد مروان حديد. وبعد حصوله على الشهادة الثانوية انتسب ابراهيم اليوسف إلى الكلية الحربية.
ثانياً - أسباب حادثة مدرسة المدفعية :
رغم عدم رضانا على إعدام اشخاص بدون اصدار حكم عادل ضدهم ، إلا أن النقيب ابراهيم اليوسف كان له اعتباره الخاص في الانتقام مما تعرض له في الجيش من قبل الضباط الطائفيين فقد كان متاثراً جدا ًباسلوب إذلال الضباط الطائفيين من العلويين لبقية ضباط الجيش السوري وخاصة تعاملهم السيء مع الاكثرية السنية، وكانت الغاية من ذلك تقليل انتسابهم للكليات العسكرية ، حيث كان القبول لهذه الكليات لا يخضع للشروط الصحية والعلمية المعروفة، بل يضاف اليها شروط طائفية لتقليص أعداد المنتسبين لهذه الكليات من المكونات الاخرى حتى يبقى الجيش السوري حكراً للطائفة العلوية ، واذا إجتاز الضباط السنة امتحانات القبول والتحقوا بالكلية العسكرية فعليهم ان يخضعوا ايضاً لمراقبة ضباط الامن الطائفيين في كل وحدة عسكرية لمراقبتهم مراقبة دقيقة سواءاً في تعاملهم او في تدينهم من تأدية الصلاة او الصيام لكتابة تقارير ضدهم حتى يبقون تحت المراقبة الشديدة ، وبذلك أنهوا التسلسل العسكري حتى اصبح أصحاب الرتب العليا من ضباط المسلمين السنة يقفون بإحترام أمام الاقل رتبة منهم من الطائفة العلوية ، ولم تكتف المخابرات العسكرية بهذه التضييقات، بل يجب اخضاع الضباط من المكونات الأخرى إلى امتحان آخر وهو امتحان الفساد ، وهذا ما جعل الكثير من الضباط الآخرين ينفرون من الجيش ويقدمون استقالاتهم او نقلهم لقطعات بعيدة عن الاحتكاك بضباط الطائفة العلوية ، وهذا ما كان يريده النظام ، فكان افساد الضباط هو نوع من امتحان اخر لاستنتاج الطاعة والولاء للجيش الطائفي ، وكان امتحان الفساد يتركز على السهرات الماجنة التي كان يدعو اليها رموز من ضباط الطائفة العلوية باحضار زوجات الضباط الى هذه السهرات ثم تبادل الزوجات فيما بينهم مع كل انواع المسكرات . كان هذا الامتحان النهائي يصب في التصفية النهائية لغربلة الرافضين في البقاء بجيش الاسد .
وقد انسحب الكثير من ضباط الجيش بعد تعرضهم للضغوط بقبول هذه السهرات أو انهم أبعدوا عن مراكز القرار ليتحول الجيش السوري بالنهاية إلى جيش طائفي تعود ملكيته لحافظ اسد .
هل تعرض النقيب إبراهيم اليوسف لهذه المضايقات القذرة ، نعم مما أدى لتاديبه ونقله إلى مواقع يشعر فيها الضابط المهان كأنه معتقل مع الاشغال الشاقة، وليس ضابطاً محترماً يؤدي واجبه في خدمة الوطن .
أحتفظ بكتاب في مكتبتي ل اللواء عبدو الديري يشرح فيه تصرفات ضباط الأسد الطائفية بمكونات الجيش السوري الأخرى .
عبدو الديري هو قائد سابق للقوى البحرية برتبة لواء من مواليد الشيخ مسكين من محافظة درعا ، له كتاب اسمه (أيام مع القدر)، نُشر سنة 2007، كتب فيه :
لا أكتب للتشفي أو الانتقام، بل لأوضح أنّ ما حصل في سورية بعد الثامن من آذار 1963 وحتى اليوم، كان مسؤولية تضامنية للعديد من القيادات الحزبية الطائفية والانتهازيين الذين جيّروا الحزب لخدمة أهدافهم المريضة وما أرتكب من أعمال القتل والنهب والوحشية، وزجّ الأبرياء من أبناء الطوائف الاخرى في السجون وارتكاب الاغتصاب الا تعبير عن الحقد الطائفي البغيض..
فبدلاً من الوحدة العربية أقاموا دولة الطوائف.
ثم يكمل :
حافظ الأسد عميل بريطاني أمريكي وضمن الصراع المعروف للقوى العالمية في المنطقة فقد تم استخدام وتوظيف كبار القادة البعثيين عملاء لتلك القوى، ويتابع المؤلف:
وعلى الرغم من فضح النظام وانتهاكات حقوق الإنسان المرّوعة واجبار الضباط على ارتكاب الفساد والفحشاء و الاعتصاب ،إلا أنه كان يلقى الدعم المباشر وغير المباشر من الصهيونية والغرب عموما،.
ويصف المؤلف من خلال معرفته الوثيقة بعصبة الأسد قائلاً : لقد مزقوا المجتمع إلى طوائف بدلاً من الوحدة الوطنية، مزّقوا حتى الأسرة الواحدة وجعلوا من الأخ مخبراً على أخيه، ومن الابن مخبراً على أبيه، والجندي مخبراً على الضابط، والطالب مخبراً على المعلم، والمريض مخبراً على الطبيب، وأحلّوا محل الحرية سلطة القهر والتعسف ونظام قوى الأمن والمخابرات، وحوّلوا سورية إلى سجن للشعب باسم الاستقرار.
هذا غيض من فيض مما كتبه مسؤول عسكري رفيع يكشف فيه عملية تدمير سوريا عسكرياً وسياسياً واحتماعياً وطائفياً، و إجبار ضباط الجيش على ارتكاب الفساد ليبقوا خانعين ذليلين.
وبعد كل ذلك هل نعتبر عملية الشهيد ابراهيم يوسف هي عملية خاطئة بعد كل ماتعرض له مع رفاقه من ضباط الجيش السوري الوطنيين الشرفاء؟.
في الجزء الثاني أكمل مقالة( الأسباب والنتائج لحادثة مدرسة المدفعية) .
مع تحياتي ..
المهندس هشام نجار
مدير المشاريع الهندسية لإدارة الصحة في نيويورك.
وسوم: العدد 1062