قيمتك بما تنتج
مخبر الحياة يظهر لنا الغث من السمين ، يظهر لنا الجمال والقبح ، يخرج لنا من صنائع المواقف أعجبه ، أتخيله مصنع يخرج من المعادن سبائك نفيسة القيمة ، بديعة الصنع ، فتقول هذا صانع بارع ، وهذا عامل متقن ، وحكمنا إنما بنيناه على قيمة ما أنتجه هذا أو ذاك .
وفي السياق نفسه نصدر أحكامنا على قيمة منتجات لم تستوفي تقييس الجودة ، فنحكم أن هذا المنتج رديء ، قليل الفائدة ، غير صالح للاستغلال ، كونه معدوم الفائدة ، وهذا القياس في عالم المادة والأشياء ، فما بالنا أو أصدرنا أحكامنا على فضائل الأعمال الإنسانية ، فإن القياس لا يختلف ، فقيمة أعمالنا توزن بمعيار قيمة ما ننتج .
فرق بيّن بين من يعيش لنفسه ، وواحد يعيش ليسعد غيره ، فرق بين من يعيش يحرس ويبني ، ومن حرفته الهدم والتدمير ، فرق كبير من يزرع الحياة ، ومن يعدمها ، فرق بين من يقدم إضافة في الصرح ، وبين من ينقض الغزل ، إن نماذج هؤلاء في حياتنا كثير ، بل أن نماذجهم في التاريخ معروفة ، فواحد أنار الدرب بمصباح ، وأخر صنع من المادة أداة فناء ، وواحد بنى حضارة وآخر أسقط حضارة ، وواحد ألف الكتب ، وآخر أحرق الكتب ، إن التاريخ سجل أسماء الباني ، و سجل في صفحاته أسماء الهادم .
لنا أن نبحث في صفحات التاريخ المشرف نجد أسماء كثيرة تركت بصمتها شاهدة بعظمة المنتج المقدم خدمة لإسعاد البشرية ، فكانوا حقا منارات حق للإنسانية أن تفخر بهم ، أسهموا في مجالات كثيرة وفي جميع المنافع سواء كانوا عربا أو عجما ، جميعهم قدموا خدمات عظيمة .
وهنا نقف وقفة تأمل وتقييم ، أن الأمة التي يكتب لها أحقية الحضور والشهادة ، هي الأمة التي قدمت الأثر الإيجابي ، الذي يثبت لها أحقية الاستمرار لنيل الأستاذية وحق التمثيل ، أما دونهم فحقهم أن يكونوا خدما للأسباد ، وأن يكونوا في ذيل القافلة .
ولعلّي أجمل خلاصة مقالي في الأية الكريمة التي تحدد ملامح الأمة السيدة الرائدة.
قوله تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
[ سورة آل عمران : 110]
وسوم: العدد 1065