المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي يلقي الضوء على حيثيات وتداعيات طوفان الأقصى في محاضرة له ألقاها بدولة البحرين

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي محاضرة للمفكر الأكاديمي والسياسي الكويتي الدكتورعبد الله النفيسي ، وهو خريج جامعة كمبريدج البريطانية ،تخصص علوم سياسية  ، وبرلماني سابق ، تناول فيها حيثيات ، وتداعيات طوفان الأقصى ، وقد بدأها بعبارة الحديث النبوي الشريف : " ويل للعرب من شر قد اقترب " معبرا  بذلك عن  تخوفه من حساسية المرحلة أو من الوضع الحالي الخطير في العالم العربي ، في الوقت الذي يواجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إبادة جماعية بعد سلسلة إبادات سابقة  متكررة منذ ما قبل سنة 1948 التي سلم  خلالها المحتل البريطاني أرض فلسطين لعصابات الصهاينة المهجرين إليها من دول أوروبية ، ومن غيرها من دول العالم حيث كانوا يعيشون .

ولقد برر المحاضر خطورة الوضع بتحرك قوات حلف النيتو  مؤخرا بمياه غزة ، وهي قوات إذا دخلت منطقة، من الصعب اقتلاعها إلا إذا كان للأمة الإسلامية من القوة العسكرية ما يمكنها من ذلك . و يرى النفيسي أن مشكلة هذه الأمة لم تبدأ مع اندلاع الحرب الدائرة حاليا  في غزة ، و أن ما يحدث فيها قد يتكرر في المستقبل ، وقد يكون ذلك قريبا ، والمسلمون يتعاملون مع ما يحدث بأسلوب عاطفي ، وليس بأسلوب موضوعي وعملي . وفي نظر المحاضر مناصرة القضية الفلسطينية  وهي مطلوبة ، وواجبة ، لكنها وحدها لن تغير شيئا دون ما سماه  رؤية استراتيجية ، ومنطقا سياسيا لتفسير الظاهرات السياسية الدموية التي عاني ، ويعاني منها العالم العربي . وذكر أنه قد يخبو حماس الأمة الحالي  ، وتعاطفها مع غزة ، فتنسى بذلك غزة، كما نسيت مذابح سابقة في كل فلسطين ، وفي أقطار عربية مجاورة .

ودعا النفيسي إلى الوعي بمشكلتنا مع العدو الصيوني، التي هي وليدة علاقاتنا مع الغرب ، وأنه لا يمكن فهم هذه المشكلة إلا بمعرفة محطات خمس مع هذا الغرب . وهو يرى أن كنه المواجهة ليست مع الكيان الصهيوني، بل مع الغرب الذي هو حضن لهذا الكيان ، والذي يمده بكل أسباب الحياة والإنعاش . وهذا الكيان إنما زرعه الغرب في منطقتنا  العربية ليضطلع بدور أو وظيفة  حددها له ، وهو بذلك كيان وظيفي يستخدمه الغرب  . ويرى أنه لو انقطعت الصلة بين هذا الكيان و بين الغرب لاندثر وانتهى  ، ولهذا لا بد من معرفة المحطات الخمس ، التي انتهت باختلاق الكيان الصهيوني  في قلب الوطن العربي ، وهو كيان ينصاع إلى الغرب ، ولا يتحرك إلا بأمره ، ولا يمكن تصديق أن الغرب محايد في الصراع العربي الصهيوني .

أما  علاقتنا بالغرب عبر المحطات الخمس عند هذا المفكر، فهي كالآتي :

1 ـ محطة العنف : تمثلت في حملات عسكرية أوروبية على أقطارنا العربية واحتلتها ، وكسرت الأمة العربية بالعنف .

 2 ـ محطة التمزيق والتقطيع :  حيث وتوزعت الدول الغربية المحتلة الأقطار العربية فيما بينها ، وانفرد كل منها بجزء من الوطن العربي .  

3 ـ محطة التغريب : حيث صنعت الدول المحتلة نخبا متغربة ، ومتشربة بالفكر الغربي ، وهي تتقن الحديث بلغاتها ، ولا تعرف شيئا عن حضارتها العربية والإسلامية ، و لا عن تاريخها ، وقد استحكمت بالأمة ، ووضعت يدها على كل المرافق الفكرية ،والسياسية ، والاقتصادية.

4 ـ محطة الإلحاق الاقتصادي : حيث لم يعد اقتصاد الأمة مستقلا ،  ولم تعد مقدراتها وثرواتها بيدها ، بل سيطرت عليه الدول الغربية ، وصارت تدعم اقتصادها  .

5 ـ محطة استقدام  الغرب للكيان الصهيوني إلى المنطقة العربية : وذلك  من أجل أن يؤدي دور الحفاظ على الوضع الذي فرضه الغرب على هذه المنطقة ، وهو وضع أمة غُزيت ، ومُزّقت ، وغُرّبت ، وسُيطر على مقدراتها وثرواتها .

والغرب في نظر المحاضر، إنما يخشى أن تفكر الأمة الإسلامية في  اكتساب قوة عسكرية ، لأن ذلك يهدد نظام هيمنة وسيطرة النظام الدولي الذي دوله المركزية هي الولايات المتحدة ، وحلفاؤها الأوروبيون  على الوطن العربي . ولهذا يحارب هذا النظام كل محاولة تفكير في القوة العسكرية  قد تصدر عن هذه الأمة  من أجل تحررها من نفوذه وهيمنته. ويشبه النفيسي حال الأمة اليوم بحال حبارى تعيش تحت رحمة النسور التي تحوم فوقها  تتربص للفتك بها في كل لحظة  . يقول النفيسي من أجل هذا الهدف ، وجد الكيان الصهيوني  خصيصا لتظل الأمة العربية والإسلامية في حالة ضعفها المستمر ، واستكانتها  خدمة للغرب المهيمن ، وهو يعتبر كل محاولة عودة إلى  ما له صلة بالإسلام  أمرا يهدد مصالحه ، وهو يحاربه بضراوة، لأنه يخشى من إجهاض أطماعه في بلاد الإسلام ، والقضاء على مصالحه الاقتصادية ، لهذا  ابتدع ما يسمى بنظام العولمة الذي يبتلع الكيانات الضعيفة عسكريا ، وعلى رأسها الكيانات العربية ، ويجعلها تحت رحمته .  وبناء على هذا يرى النفيسي أن  هذا الذي ذطره هو منطلق فهم جوهر الصراع الدائر في غزة اليوم ، وهو ليس مجرد مواجهة مع الكيان الصهيوني،  بل هو صراع مع الغرب أو مع دول المركز فيما يسمى النظام العالمي ، الذي أوكل للصهاينة خوض وإدارة هذا الصراع .

واستعرض النفيسي  بعد ذلك سلسلة الاعتداءات الصهيونية على فلسطين، وعلى بلاد عربية  مجاورة لها ، وكل ذلك  من تخطيط الغرب ، ومن تنفيده . والتفت المحاضر بعد ذلك إلى دور الاعلام  العربي المستاجر في تكريس الوضع الحالي ، وهو إعلام  خاضع لأنظمة فاسدة ، ووصفها بأنها مترهلة ، وخاضعة للغرب ، وهي تضاجع الشيطان  منذ ستة عقود على حد قوله ، ولهذا لا يمكن التعويل عليها . واستشهد على ذلك بشهادات لصهاينة منهم الصهيوني المدعو كولدن توماس ، الذي يقر بأن انتصارات الكيان الصهيوني على العرب ، إنما  تعزى إلى خضوع  الأنظمة العربية لهم، حيث أن تخضع أجهزة مخابراتها مباشرة لجهاز الموساد الصهيوني ، وهي تتلقى الأوامر منه ، وتتعاون معه من أجل إلحاق الضرر بالأمة ، ولها مناهج وأهداف واحدة . واسترسل في ذلك  بذكر أمثلة وشواهد أخرى مبثوثة في كتب لصهاينة .

ويدعو النفيسي الأمة إلى تغيي عقليتها ، وذلك بالتخلي عن العقلية العشائرية البسيطة والساذجة ، ويرى أنه ما لم نستفد مما يجري اليوم في غزة ، فإننا سنظل تحت سيطرة الكيان الصهيوني، وسيبتلعنا  . وهولا يصدق أن الولايات المتحدة ترغب في حل الصراع العربي الإسرائيلي .  

ويعرج المحاضر على الأخطار التي يخشاها الأمريكان ، وقد حددها مسؤولون في البانتجون ، وهي ثلاثة :

1 ـ خطر الصين : وهي كابوس مرعب للأمريكان ،يمثل تهديدا استراتيجيا لهم ، لهذا يحاولون صرفها عن المجال الاستراتيجي والعسكري ، ويشغلونها بالنمو الاقتصادي ، وقد أصبحت عملاقا اقتصاديا ،ولذلك يريدون إبعادها عن الشرق الأوسط حتى لا تضع يدها على ثروة البترول  فيه .

2 ـ خطر أسلحة الدمار الشامل:  التي تخشى الولايات المتحدة من وقوعها بأيدي تنظيمات تعتبرها إرهابية، وهذا شغلها الشاغل ، فهي تراقب كل جهة يمكن أن تكون مصدر هذه الأسلحة .

3 ـ خطر الإرهاب المرعب داخل الولايات المتحدة :  وتمثله عناصر عنصرية مسلحة معادية لكل الأعراق والجنسيات التي تعيش فيها ، وهذه العناصر تهدد حتى مفاعلات أمريكا النووية .

ويعود المحاضر ليتساءل لماذا  هذا الهجوم  اليوم على غزة، و في هذا الظرف بالذات  ؟

ويجيب  عن ذلك بقوله  بأن الداعي الانتخابي  في إسرائيل هو السبب ، وهذا ما اعتاد عليه الكيان الصهيوني ، ذلك أن كل الأحزاب الصهيونية، تجتهد لكسب أصوات  الناخبين من خلال تقديم  وعود  لهم بضرب الفلسطينيين .وفضلا عن ذلك، هناك فكرة استعادة هيبة الجيش الصهيوني بعد الذي واجهه في جنوب لبنان سنة 2006 . والأخطر من كل ذلك في نظر المحاضر، هو التمهيد لحملة حلف النيتو، حيث توجد قواته في بحر غزة ، لأن الجيش الصهيوني قد فشل أمام صمود المقاومة،و تأكد أنه لا يمكنه القضاء عليها .

 ويتمنى النفيسي ألا يكون تأييد العرب والمسلمين لطوفان الأقصى مجرد تأييد عابر  سرعان ما يفتر ،  خصوصا وأن خبير مخابراتي يدعى هاركبي ألف كتاب سماه " العقلية العربية " ، وهو ينصح الكنيست بألا تدخل إسرائيل  في حروب مع العرب ، بل تحاول التفاوض معهم فيما يسمى بمسلسلات السلام  حتى تصرفهم عن فكرة الحرب ،فيسلسوا لنا قيادهم مع مرور الزمن، لأن طبيعتهم أنهم سرعان ما يملون ، وينسون .

ويكرر النفيسي أن التعويل على الأنظمة العربية، لا جدوى من ورائه ، وأن التعويل إنما يكون على المقاومة الفلسطينية ، وعلى الشعوب العربيةوالإسلامية  التي يجب أن تتخلى عن التفرق والتشرذم ، والانحشار في الولاءات للزعامات والقيادات التي لا ولاء لها لله تعالى . ويتنبأ النفيسي أن ما حدث في غزة ،سيتكرر لا محالة ، لأن عداء اليهود للمؤمنين قد أكده الله تعالى في كتابه الكريم ، وهو مستمر لا نهاية له حتى تقوم الساعة .

وينتهي به الحديث إلى ما يجب على العرب والمسلمين تجاه غزة وهو كما يلي :

1 ـ إصدار قانون  في دول الخليج ، ينص على حظر كل أشكال التعامل مع الكيان الصهيوني ، ومقاطعته ، وعدم التطبيع معه  ، وبذلك سيتبين من يرفض صدور مثل هذا القانون . وطالب مجالس الشورى في دول الخليج بالدفع في استصدار هذا القانون ، وفي المقابل طالب الشعوب العربية والإسلامية بإعادة نظام المقاطعة  الاقتصادية للسلع الصهيونية ، وقد ثبت أنه نظام فعال وقد أتى أكله من قبل.

2 ـ  مطالبة العلماء بأن يكون لهم دور في هذه المرحلة من خلال إصدار فتاوى لمقاطعة الكيان الصهيوني، كما كان حال العلماء من قبل ، وهو يرى أن أسلوب المقاطعة ، قد عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود . و في  المقابل انتقد من سماهم علماء الحكام ، ووصفهم بالمعلبين الذين يفتون وفق أهواء هؤلاء  الحكام ، ويتابعونه في كل ما يتخذونهم من مواقف وقرارا،وذكر أن أحد هؤلاء العلماء المعلبين قد أفتى بتحريم التظاهر الداعم  لغزة، لأن ذلك يلهي عن ذكر الله على حد قوله.

3 ـ الدفاع إعلاميا عن المقاومة ، وعن رموزها التي تتعرض للتشويه المغرض من طرف طوابير خامسة مبثوثة في الوطن العربي ، وهي تخدم  طرح العدو الصهيوني ، في الوقت الذي يوجد فيه يهود يعارضون هجمته على غزة . ويرفض النفيسي استغلال ما يسمى بحرية التعبير  من أجل خيانة القضية الفلسطينية .

وأنهى المحاضر محاضرته بالتنويه بالمقاومة ،وبرموزها، وأثنى عليهم، ووصفهم بأنهم أطهار، وأبرار ، وذكرأنه يعرفهم شخصيا ، وعن قرب ،وبأنه على صلة وثيقة بهم .

وسوم: العدد 1066