وما ليّ لا ...
كتبتُ للسوريين بالأمس -كل السوريين- ما يمكن أن يكتبه الشفيق الناصح المدّمى، المضرج بالدم والدمع على مدى نصف قرن…
كتبت لهم ما يكتبه الجد الذي يرى في احفاده أطفالا ناهزوا وهم لا يعرفون معنى البيت والسكن والحي والبلدة والمدينة والمدرسة أيضا!!
ويرى جيلا من الضائعات والضائعين..
وجيلا من المودعات والمودعين؛ أعياهم انتظار غائب لا يؤوب..
وهو يرى أمما من الجراد، له ألوان يجرد على الأرض السورية كل الذي يليه، فيهلكه، ليس حرثا ونسلا فقط، بل دينا وعقيدة وحضارة وثقافة وعمرانا…
كتبت كتابة الناصح المشفق، في زمن قلّ فيه الناصحون..
وقلت عسى يسمعني فيردفني من كل ألف واحد..و نحن من قوم قال أولهم:
لو كان في الألف منا واحد..
كتبت كل ذلك فنالتني ألسنة وتعليقات بعض الموتورين، من ضيقي العطن، سيئي الفهم، أو مسيئيه، أو من الذين لهم في كل هذا البلاء النازل في سورية وأهلها مصلحة..
ولم يكن كل هذا غائبا عن ذهني عندما توجهت للكتابة، ولا عندما كتبت، ولا عندما نشرت..
ولقد تابعت شاكرا حامدا ممتنا الكثير من ردود فعل أهل الحكمة والروية والفهم -ولن أقول أكثر مما توقعت فأغمط ناسنا- بل أقول، بل جاءتني أجوبة أهل الحكمة والتثبيت والدعم والتأييد من رموز من السوريين على محيط المنقلة السورية، فلكل عاقل سوري شجاع وحكيم مني كل الشكر والعرفان والتقدير..
ومع تفهمي لكثير من بواعث الشاكين والمشككين والمتوجسين والمرتابين، أريد أن أقول: ليس سهلا السير في طريق العقل وما يقتضيه. بل الأسهل دائما على الصخرة أن تنحط من أعلى الجبل، أو مصاحبة السيل، وركوب التيار..
وأقول لفريق ثالث ولو كان صاحبكم كما تقولون أو تتقولون..
فمالي لا أكتب لكم، وأنا المقيم في لندن، متكئ على أريكتي، خليا ناعما مكفيا، ما ليّ لا أكتب للناس: حتى آخر قطرة من دم..
وأزيد:،ولو انتقضت سورية حجرا على حجر، وأكثر اللعن والشتم والتحريش ما دام الوقود من دماء سوريين آخرين..
ما لي لا أكتب لكم ذلك، وأزيد في التحريش والتهويش، وألبسُ طيلسان الوطنية والثورية وأدافع عن عصبة بعصبية، وأغضب لطائفة بطائفية، فأنال أوسمة التمجيد في أسواق المجد الرخيص..
لست مدعيا، ولا متخرصا، ولا مصادرا على أحد قراره، ولا أنا قيم على الناس، ولكن يسوؤني:
يقولون أقوالا لا يعلمونها.. وإذا قيل هاتوا حققوا لم يحققوا..
وسوم: العدد 1076