هل ستنبه أحداث غزة كل الغافلين في هذا العالم إلى حقيقة بشاعة وجه الغرب بعد زوال مساحيقه التي تخفيها ؟؟
لقد مر ما يزيد عن ستة شهور على أفظع جرائم حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة التي يمارسها الكيان الصهيوني جهارا نهارا على مرأى ومسمع المعمور بأسره ، والتي لا زالت مستمرة بكل ضراوة، وبلا هوادة .
وكل يوم يمر عليها تزول فيه مساحيق وجه الغرب البشع بشطريه الأمريكي والأوروبي ، وهي مساحيق طالما فاخر بها على كل شعوب المعمور ، وهي العدالة، والحريات، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والقيم الإنسانية ،والتحضر...
وسنقف في هذا المقال على هذه المساحيق، وهي كالآتي :
1 ـ مسحوق العدالة : التي يتغنى بها العالم الغربي بتبجح، وهو ما يجعل شعوب العالم الثالث المتخلف عن ركب حضارته وقيمه منبهرا ،وحالما بها .ولقد جعل الغرب هذا المسحوق المغري شديد الأغراء حكرا عليه دون غيره في العالم . وكم تحرقت ، وتتحرق تلك شعوب من أجل أن تنال قسطها من هذا المسحوق العجيب الذي يرفع الغرب إلى أعلى عليين ، ويحط غيره إلى أسفل سافلين .
وبمناسبة جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فزعت دولة جنوب إفريقيا، وهي حديث عهد بمثل تلك الجرائم في فترة حكم الميز العنصري الغربي المحتد إلى محكم العدل الدولية الممثلة لعدالة الغرب ، عسى أن تقضي بعدل للشعب الفلسطيني من شأنه أن يوقف مأساته . وجاء قرار المحكمة مثيرا للغرابة والدهشة بل مثيرا السخرية أيضا ، حيث أمهلت الكيان الصهيوني شهرا كاملا كي يوافيها بتقرير عن تلك الإبادة ، ثم انقضى الشهر ، ورفضت المحكمة الكشف عن محتوى التقرير الصهيوني تحت ذريعة السرية والتكتم ، وهي التي لم تقرر إيفاد طرف آخر يكون محايدا كي يوافيها بما طلبته من الصهاينة. واستمرت بعد ذلك عملية الإبادة بنفس الوتيرة حصارا شديدا محكما ، وتجويعا ، وتظمئة ، وتقتيلا للإنسان ، وتدميرا للعمران ، وتجريفا لهما معا ، وأسرا ، وإهانة وتنكيلا واغتصابا ... كل ذلك بمنتهى الوحشية ، والهمجية ، والنازية والفاشية، والفرعونية ...
وبموقف محكمة العدل الدولية الخاذل للشعب الفلسطيني، زال مسحوق العدالة الذي يستر به الغرب وجهه الذميم إلى حد البشاعة .
2 ـ مسحوق الدفاع عن الحريات بمختلف أصنافها ، بما فيها حرية حق تقرير الشعوب المحتلة أراضيها مصيرها ، والشعب الفلسطيني واحد منها ، والذي كان الغرب البريطاني خلال حقبة احتلاله للوطن العربي ،قد جعل الكيان الصهيوني المختلق يخلفه في احتلاله لأرض فلسطين العربية ، وقد استنبته استنباتا كورم خبيث في قلب الوطن العربي ، فصار هو صاحب الأرض ، بينما أصحابها الحقيقيون صاروا لاجئين . وكم زايد الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي على بعض شعوب العالم بهذا المسحوق الذي كان يطليه على وجهه كي يخفي قبحه الشنيع. وكم شطر من أجزاء أوطان تحت ذريعة صيانة هذا الحق الذي يراد به باطلا ، فقطّع أوصالها ، وصيّرها دويلات ضيئلة طمعا في مقدراتها وخيراتها . ولقد ذهبت الإبادة الجماعية في غزة بهذا المسحوق أيضا، وبذلك شاه وجه الغرب ، وازداد قبحا فاحشا.
وكم تغنى هذا الغرب ذو الوجه الذميم بنوع آخر من هذا المسحوق ، وهو حرية التعبير ، و قد زال هو الآخر أيضا عندما خرجت شعوبه إلى الشوارع ساخطة غاضبة تعبيرا عن رفضها الإبادة الجماعية في قطاع غزة ، فتصدت لها قوات مكافحة الشغب ، مع أنه لا علاقة لخروج تلك الشعوب بالشغب ، بل كان تعبيرها انطلاقا مما كانت تتباهى به أنظمتها حتى كذبها الواقع في غزة . ولقد سقط العديد من الصحفيين ضحايا فيها ، وهم يغطون جرائم الإبادة الجماعية الصارخة ، والغرب لا يحرك ساكنا ، ويعتبر الكيان الصهيوني كيانا مثيلا له في الديمقراطية واحترام الحريات ، بما فيها حرية التعبير، كما يعتبره بذلك الكيان الوحيد في منطقة الشرق الأوسط التي توصف فيه أنظمته بالشمولية ، ويعاب عليها التضييق على حرية التعبير وقمعها. ولقد زال عن وجه الغرب مسحوق حرية التعبير أيضا ليبدو وجهه كالحا مثيرا للاشمئزاز . وهناك أنواع أخرى من هذا المسحوق ذابت كلها بدورها كحرية الرأي إذ لا آراء في الغرب إلا ما يعتبرها هو كذلك .
3 ـ مسحوق الديمقراطية ، وهو أكثر المساحيق التي تطلى على وجه الغرب لتستر أقبح قبح فيه . وهو المسحوق الذي تحلم به الشعوب التي تضطهدها أنظمتها الشمولية ، وهذه الأخير تحاكي أيضا الغرب في السعي بشتى الطرق والوسائل للحصول على عينة منه عسى أن تخفي بشاعة وجهها هي الأخرى ، والتي لا يمكن أن تخفى، لأن الشمولية هي المادة الماسخة لمسحوق الديمقراطية الذي تبخر بسبب أحداث غزة، حيث صارت الدول الغربية شريكة للكيان الصهيوني في جرائم إبادته الجماعية للشعب الفلسطيني بجندها وعدتها وعتادها ، وطرفا في العدوان السافر على شعب أعزل ، بينما مقاومته للعدوان لا مقارنة بين عتادها وعتاد الكيان الصهيوني الذي يقصف من الجو، ومن البر، ومن البحر في غياب ما يسمى بأخلاق الجندية التي يتبجح بها الكيان الصهيوني ، ويقره الغرب على ذلك بإصرار ، وهو معه يدعيها أيضا كمسحوق يروم من ورائه إخفاء طبيعته الوحشية والعدوانية التي تسم محياه المرعب .
4 ـ مسحوق القيم الإنسانية التي ينادي الغرب بتعميمها في كل المعمور ، وهو لا يرى قيما غيرها يمكنها أن تعدلها ، أو ترقى إلى مستواه أو حتى تتعلق بغبارها ، ولقد ذهب أشواطا بعيدة في محاولة عولمتها بالقوة . ومن هذه القيم أن يحزن الغرب شديد الحزن لمقتل جندي صهيوني محتل ، يداه ملطختان بدماء أبرياء أطفال ونساء ، ويندد بذلك أشد التنديد ،وفي المقابل يكتفي بالتعبير عما يصقه بقلقه من استشراء التقتيل في صفوف المدنيين العزل في غزة ، ويغض الطرف عن جرائم إبادتهم الجماعية التي هو أدرى بها من كل العالم ،لأنه طرف فيها ، و لأنه شاهد عين عليها . ومن هذه القيم الإنسانية أن يحاصر العدو الصهيوني قطاع غزة حصارا شديدا محكما وقد تواطأ معه في ذلك من تواطأ سرا وجهرا، فسادت فيه المجاعة القاتلة ، ومن لم يمت فيه بالقصف من الضحايا ،مات جوعا وعطشا ، وقد نقلت الشهادات الإعلامية الحية مشاهد أطفال يستجدون العالم بأسره والغربي على رأس قائمته من أجل الحصول على ما يدفعون به الموت جوعا ، وقد أكلوا علف الدواب، والحشائش ، والحيوانات النافقة ، وشربوا المياه العادمة . وبهذا زال مسحوق القيم الإنسانية الغربية ، وازداد وجهه بشاعة مقرفة ، ومثيرة للغثيان .
5 ـ مسحوق التحضّر ، وهو مسحوق يبتغي به العرب ستر وحشيته الموروثة جيلا عن جيل ، وقد حكى عنها التاريخ الشيء الكثير ، وما الوحشية النازية منا ببعيدة ، وما حاكاها من وحشية ردا عليها، كما هو الشأن بالنسبة لاستعمال أسلحة الدمار الشامل التي استعملها المتحضرون الأمريكان في اليابان ، وهو ما فاق بكثير ما استعمله النازيون الألمان من أسلحة يحرمها التحضر الغربي ـ يا حسرتاه ـ . ولقد زال مسحوق التحضّر عن وجه الغرب الذميم عندما ساهم بأسلحة أشد فتكا مما استعمل في اليابان في الحرب على غزة ، فصارما يلقى على الغزيين يقارن بما ألقي على اليابانيين، بل يفوقه بكثير .
وهناك مساحيق أخرى، لا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها ، وقد ذكر منها ما يفي بالغرض .
و في الأخير نطرح السؤال الأتي هل ستفيق شعوب العالم من غفلتها ، وتزيل عن أعينها غشاوة كي ترى الوجه الحقيقي المرعب للغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي وقد زالت عنه المساحيق ؟ وأول من يجب أن تزول عنها هذه الغشاوة ، وتذهب عنها الغفلة الشعوب المحسوبة على الإسلام عُربا وعُجما ، والتي لا زال معظمها يباهي بمساحيق هذا الغرب ، ويتحسر لأنها منعدمة في أوطانها ، ويباهي بها نيابة عن الغرب ، ويحقر ما في كتاب ربه سبحانه وتعالى ،وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من قيم حقيقية لا زوال لها، لأنها ليست مساحيق للزينة الساترة لقبح الوجه ، والمموه عليه، بل هي السمات الطبيعة للوجه المشرق الصبوح.
وسوم: العدد 1077