بين عصرين، عصر سموه رجعي وعصر سمو تقدمي
من دفتر الذاكرة :
أعزائي القراء..
أمضيت الصف آلأول والثاني من المرحلة الابتدائية في مدينة الباب، حيث كان المرحوم والدي اول مدير لمدرسة اعدادية فيها اشرف على بنائها وإدارتها في أوائل الخمسينات وسميت يومها اعدادية البحتري بينما كنت في المدرسة الابتدائية المجاورة لها والتي اطلق عليها اسم مدرسة عمر المختار والتي كان يديرها المرحوم محمد علي الجبلاوي .
هاتان المدرستان أنجزتا حسب ثقافة التقدميين في العهد الرجعي ، حيث كان شكري القوتلي رئيساً للبلاد.
لم يعلقوا لنا على ابواب مدارسنا صور رئيس الجمهورية ولم يزينوا جدران مدارسنا بشعارات: بالروح وبالدم نفديك يا قوتلي.بل تعلمت ومنذ تلك الايام وفي الصباح وقبل الدخول للفصل النشيد الوطني حماة الديار نلحقه مباشرة بنشيد: فلسطين نادت فلبوا الندا .. إلى الحرب هيا جيوش الفدا .ومازلت اذكره حتى الان لانه تغلغل في خلايانا.
في تلك الأيام قررت ادارة مدرستنا الابتدائية وفي العطلة الانتصافية ان تأخذنا برحلة لنتعرف بها على بعض مدننا ومحافظاتنا فزرنا مدينتي حلب وادلب حيث كانت تتبع حلب وحماة وحمص ودمشق و بصرى الشام في طريقنا للجولان حيث تنتهي الرحلة في منطقة الحمة .
كنت صغيراً في الصف الثاني فأوصى والدي زميله مدير المدرسة الابتدائية المرحوم محمد علي الجبلاوي بالعناية بي .
كان عمري في تلك الرحلة حوالي ثمان سنوات ولكن تفاصيلها مازالت في مخيلتي كأنها حصلت بالأمس .
من ذكرياتي لها زيارتنا للكلية العسكرية في حمص ، ومازالت اذكر في مدخلها ذلك التمثال الذي يمثل فارساً عربياً ممتطياً صهوة حصانه بقبعته المعدنية مرتدياً صدارة من الخرز المعدني متقلداً سيفه الدمشقي ومكتوب تحته قول مأثور مازلت اذكره ؛
تقضي الرجولة ان نمد جسومنا جسراً فقل لرفاقنا ان يعبروا.
هذا التمثال أزالوه ليضعوا بدلاً عنه تماثيل الخيانه لحافظ ووريثه ويزوروا لنا تاريخنا المجيد .
واقتربنا من الجولان وعانى الباص صعوبات جمة وهو ينزلق بين المنحدرات الجبلية الرهيبة بين الصخور وجبال الجولان التي سلمها الخائن للعدو ثمنا ًلجلوسه على رقاب الشعب السوري الوطني .
انظر من نافذة الباص لأجد على جانبي الطريق الخوذات المعدنية في الخنادق والمجنزرات المموهات بكل الأساليب فيخفق قلبي معتزا بجيش بلادي. ويتوقف الباص في محطته الأخيره قرب بحيرة الحولة وقد هيأوا لنا طعام الغداء على ضفاف تلك البحيرة وبين أشجار الموز بينما وراء البحيرة يقبع اعداء امتنا الذين وبمؤامرة خيانية وفي عهد بطل الخيانة استولوا على الحولة وطبرية وجبال الجولان الشاهقة ، بينما بطل الخيانة يصرخ بأننا انتصرنا لان العدو لم يستطع انهاء الحكم التقدمي .
أعزائي القراء..
في العهد المسمى بالرجعي تم تاسيس نظام الفتوة ولم يكن نظام استعراضات بل نظام قتال انتسبت اليه في عام ١٩٥٩ وكنت افتخر بلباسي العسكري وانا افكك مكونات الرشاش ٥٠٠ وانا مغمض العينين واعيد تركيبه في دقائق وافتخر ونحن نتدرب على رمي زجاجات مولوتوف الحارقة ليلا على الآليات العسكرية في ضواحي حلب وفي معسكر الطابيات في اللاذقية كنا نقود الزوارق الحربية الصغيرة نتدرب على المناورات البحرية ، فلقد كنا الرديف لجيش سوريا في تلك الايام .
وفي العهد التقدمي حولوا جيش الفتوة إلى جيش الاستعراضات فسيروهم في الشوارع احتفالا بحركة المجرم التخريبية، حيث أجلسوا البعض منهم على اكتاف زملائهم من اولئك الذين اطلقوا عليهم شبيبة الثورة من جواسيس مخابراتهم ومشوا بهم في الشوآرع وهم يطربوننا بأغانيهم المخزية:بالروح وبالدم نفديك يا اسد، بينما الطالبات اجبروهم على حمل صور بطل القعود وهن يغنين: زادك الله زادك الله يا ابو سليمان .
هكذا تعلمنا يوم كنا أطفالا دروس الوطنية ، واليوم يحاولون تدمير ثقافة اولادنا بتسليط أقسى أنواع الديكتاتورية عليهم لغسل ادمغتهم حتى أوصلوا الشعب إلى ادنى مراتب الانهيار والدمار ولما ثار هذا الشعب مطالبا ً بحريته، اتهموه بالارهاب فدمروا على رؤوسنا كل صرح بناه "الرجعيون" بعد الاستقلال ليحولوه إلى الأنقاض ثم يزينوا هذه الانقاض بصورهم بلا حياء ولا خجل .
أعزائي القراء
عاصرت مرحلتين من عمري ..
مرحلة ونحن صغار تربينا خلالها على الفخر بالانتصار ومرحلة التدمير والخيانة والذل والانكسار
وقبل ان أودع اذكر لكم معركة عسكرية وقعت مع العدو في العهد الرجعي قبل تسليم الجولان استمرّت اياماً طلب العدو فيها ولأول مرة في تاريخه من مجلس الامن وقف اطلاق النار .
فيا شعبنا السوري الأبيّ
لا اريد ان اعود بكم إلى تاريخ خالد وطارق وصلاح الدين بل يكفي ان نعود معاً إلى فترة قبل عصر الخيانة الطائفي، يوم حكم بلادنا ديموقراطيا ً الرؤساء شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وناظم القدسي لتشرق شمس سوريا من جديد .
وسوم: العدد 1080