7 أكتوبر أروع «غلطة»… نساء غزة: طحين نازح و«بابور كاز» وعبوات مياه… و«أمة منكوبة»!
الصورة «بتتكلم». شاهدت بحرص المشهد الذي بثته قناة «الجزيرة» فيما مراسلها الحربي يتجول بكاميرته وسط «انفجارات عملية قصف» انشغلت ب»تدمير المدمر « أصلا من بقايا «ركام» معسكر جباليا.
لا نعرف ما هو هدف إسرائيل من «قصف الركام» مرة تلو أخرى، فيما الفانتازيا تتجلى بكامل أناقتها، وعلى الهواء المباشر لسيدة فلسطينية تركض أثناء القصف وبين الركام وهي تحرص بشدة على حمل «عدد 4» من عبوات مياه بلاستيكية ضخمة فارغة.
كادت السيدة العظيمة تتعرقل في ثوبها وهي تحمل العبوات البلاستيكية، وكأنها تقول للأمة الغاطسة في الوحل: حسنا.. أحمل معي هذه العبوات البلاستيكية لأنها أخف من أشلاء أطفالي، وقد تساعد غرباء بعدي في جمع بعض قطرات الندى، عندما أسقط وتبقى عبواتي.
بابور الكاز
والدتي وليست جدتي، رحمهما الله، كانت تحدثنا عن مشهد «النزوح» عام 1967 عندما وضعت طرف ثوبها بين أسنانها، وفي كل يد طفلتان، وعلى رأسها «بقجة فيها وسادة وغطاء نوم»، فيما الشقيقة الكبرى حملت معها «بابور الكاز».
مشهد متلفز في غزة أقرب إلى السيريالية.
الفلسطينية التي تجلس وحدها الآن في الدفاع عن بقايا كرامة الأمة، تحمل معها أشياء غريبة عند الإفلات من الطائرات المذخرة أمريكيا باتجاه محطة أخرى للشهادة أو للغربة أو للهجرة! راديو على بطارية صغيرة. حصير. وبعض أرغفة الطابون وشراشف وعبوات مياه وإسطوانة تصلح لطهي الأعشاب والحشائش، مع استثناء يتيم في غزة الآن، حيث لا يوجد طحين لصناعة أرغفة قابلة للنزوح.
جدتي وأمي فعلتا ذلك قبل نصف قرن، وها هي سيدة «الجراكن»- عبوة مياه بلاستيكية باللهجة الفلسطينية- في جباليا تفعله مجددا فيما محطة «سي أن أن» ترد على «قنوات النيل المصرية الرسمية» بنشر نسخة من محضر لقاء سيجمع الإسرائيلي بالمصري الأمريكي، للإتفاق على «إدارة معبر رفح».
يحاجج محدثي، وهو يحاول تحميل إيران والمقاومة مسؤولية «غلطة 7 أكتوبر» بأن «نكبة جديدة» للشعب الفلسطيني تكونت الآن.
غلطة 7 أكتوبر
إذا كانت «غلطة»، فهي حتما الأجمل والأحلى وحسبها أن كشفت اللثام عن وجه العالم الحقيقي، لكنها «تصحيح للتاريخ».
الرد بسيط على «شيخ الكبة» المنشغل ب»الرافضة» والمشروع «الفارسي الكافر»: حسنا نكبة جديدة، فليكن عليك أن تتوقف عن نقد المنكوب وتبرئة المتسبب بها!
لكنها «نكبة مختلفة» هذه المرة لا يهرب فيها الناس من القصف إلا وهم يحملون شيئا مثل «جثة شهيد حبيب» أو «جريح وحيد» أو عبوات مياه فارغة، بدون تحويل سراويلهم إلى «رايات بيضاء» أو مفاتيح شققهم لقطع تصلح لمتحف تراثي، خلافا لأن العدو اليوم «هو المنكوب» بكل المعاني.
ما الذي يفهمه المصرون على «هز الكتف بحنية» من أجل «حفنة رواتب» من المشهد التالي الذي بثته «الجزيرة» أيضا وفي جباليا: شاب يركض بين الركام حاملا أحد الجرحى ويتوقف من التعب، فيما الدخان يتصاعد ويقول «.. ولكم يا شباب حدا يساعدني».
كل ما تريده قناة مثل «العربية» مجددا إظهار حرصها الشديد للأسبوع السادس على التوالي على «أمن وسلامة وإستقرار الأردن»، بسبب احتجاجات وحراكات النشامى.. حسنا: من هو المنكوب حقا هنا؟!
غزة بالمناسبة «أقرضت» الحكومة المصرية مالا وأرسلت مساعدات إنسانية للكويت والإمارات قبل أكثر من 70 عاما، وشعبها قالها بوضوح «لا للتهجير ولن نغادر إلا للجنة»، وشبابها أعلنوا «سنقاتل».
لم نرصد سروالا داخليا في غزة تحول إلى «راية إستسلام بيضاء»، ومن التقطوا الصور مع «مستلزمات نسائية» في بيوت «مقصوفة» التقطت أربعة منهم بندقية «الغول» بشهادة صحيفة «هآرتس» والقناة 12.
لم تشكل أي لجنة وساطة عربية.. لم يتحرك زعماء عرب، ولم تعقد قمة للجامعة النائمة، التي نقترح ضمها لمتحف الغبار، الذي تحدث عنه علنا وزير خارجية الأردن، عندما وصف تلفزيونيا إتفاقية «وادي عربة».
من هو الذي خلع سروالا وحوله لراية بيضاء؟! إذا أجبنا بصراحة سنفهم الإجابة العلمية على السؤال الذي يليه: حقا، من هو المنوب، أهل غزة أم نحن، الذين نتفرج عليهم الآن؟
اتيحت لي مؤخرا مراقبة جزء من ندوة سياسية على شاشة مملكة البحرين، وأخرى على قناة «أبو ظبي»، وثالثة على شاشة «فرانس 24» ورابعة في منزل زميل.
الخلاصة بعد «طحن السواليف»، تقول لي كمشاهد موضوعي: ثمة ملايين الرايات البيضاء»، سراويل سابقا إن شئتم، مرفوعة تلقائيا وبدون أدنى طلب من المحيط، الذي توقف عن الهدر، إلى الخليج المبتسم.
ما لم تتقلص وبسرعة مساحة الأقمشة البيضاء ستخلع عواصم العرب كل ما ترتديه لاحقا. نعم غزة وحدها اليوم تقاتل وبشرف وهيهات لـ«الجالس القاعد» أن يفتي عن «المقاوم المشتبك».
للتوثق من هذا الاستنتاج كل ما عليكم فعله مشاهدة نسخة الأسبوع الماضي من برنامج «سجال» على محطة «العربية»، خصوصا في الجزء الذي يتحدث عن «شعوذة سياسية» يمارسها كل من يتحدثون عن «مؤامرة ضد العرب».
وسوم: العدد 1082