خواطر وأسئلة من رحِم غزة
هل نعتبر؟ في غزوة تبوك تخلف ثلاثة من الصحابة عن الجهاد من غير عذر فنزل فيهم قرآن يُتلى وقاطعهم المسلمون في المدينة أكثر من شهر بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ولم يتب الله عليهم إلا بعد أن ندموا ورجعوا وثبتوا على العقوبة القاسية، فكيف بأُمّة تخلّفت عن نُصرةِ إخوانها من المسلمين بل منها من يصطف مع العدو ضد المجاهدين، ومن "علمائها" من يبرر العدوان الصهيوني ويحمّل المقاومة المسؤولية ويبشر بالتطبيع المشين مع الكيان الصهيوني؟
أفليس هذا وقت الصدع بالحقائق المؤلمة؟ متى نقرّ أننا سنظل نتفرج على المذابح والمجازر والإبادة الجماعية ونحن نجرّ ذيول ذلنا وعجزنا وقهرنا حتى نؤمن حقا أن أعدى أعدائنا هي تلك الأنظمة السياسية التي حولتنا إلى مساجين وحبستنا عن إخواننا وتآمرت مع العدو لقـتـلهم ولإذلالنا؟ لن نعود إلى وعينا، لن نصحو، لن ننهض حتى نسقط وهْم أننا – هنا أو هناك – في بلد مستقل يخدم الأمة و يتفاعل مع آلامها، وكل من ساهم في صناعة هذا الوهم أو هذا الوعي المسموم، وكل من يترض على إسقاط هذه الأنظمة هو شريك أصيل في الجريمة ، سواء كان صاحب كلمة أو قلم او مركز ديني او اجتماعي أو "مؤثرا" أو فنانا أو غير ذلك من الفاعلين والسلبيين المتفرجين، ومهما كان الطيف الذي ينتمي إليه.
وما فائدة أن يقوم صاحب الدين الليل ويصوم النهار ويكثر من الأذكار ويصاحب المصحف إذا كان جبانا عاجزا عن قول كلمة الحق ولو بقفازات من حرير وبأنعم الكلمات وأرقى الأساليب؟ هذا لا يستحق التكريم الإلهي بل قد عرّض نفسه للمقت بسوء تفاعله مع القرآن والسنة وحقائق الدين وأحوال الأمة، لم يزدد بتدينه العاطفي الفردي إلا بعدا من الله، ووجود مثل هذا بين المسلمين وبأعداد كبيرة هو عقاب الله للامة بسبب هوانها وذلها، هو جزاء وفاق لترك دينهم والتفريط في عقيدتهم...يتلو القرآن والقرأن يلعنه لأنه من الظالم ضد المظلوم، يتفرج على مذبحة غزة فيجعل من المنكر معروفا ومن المعروف منكرا، له أوراد لكنه في الواقع يسبح بحمد الطغاة ويلهج بذكرهم ويلعن الأحرار والمجاهدين والمرابطين...بئس التديّن هذا، رسب صاحبه على معابر غزة وخاب وخسر.
وإن يحزن المؤمن ويبلغ به العجب المبالع فليعجب من طمس بصيرة ساسة وإعلاميين وشيوخ ينطبق عليهم قول الله تعالى-﴿إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط﴾...يستاؤون من بطولات حماس والقسام ويقللون من شأنها ويسخرون منها، وفي المقابل يبتهجون بما يصيب أهل غزة ويكادون يصفقون لقصف الصهاينة للتجمعات السكنية والنازحين والأطفال والنساء...وهل بعد هذا النفاق نفاق؟
إنه زمن إسلامي وإنساني غريب...يحزّ في النفس أن تجد (الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا) و تفتقد (الذين آووا و نصروا) إلا أقلية مؤمنة مفجوعة تبذل ما تستطيع ولا تقوى على أكثر من ذلك لأن الكيان الصهيوني يحرسه جغرافيا أنظمة متصهينة لا تغفل عن مهمتها القذرة لحظة، ويحرسه معنويا علماء سوء باعوا دينهم بلا ثمن، مهمتهم قيادة القطيع نحو حتفه باسم القرآن والسنة !!! هؤلاء ساهموا في رسوبنا في امتحان بسيط يتمثل في مقاطعة مشروب غازي... فشلنا في ذلك بينما إخواننا في غزة يُمتحنون في أرواحهم و أموالهم و أولادهم و ديارهم و لكنهم ينجحون بكل قوة و ثبات.
ما الدرس الأخير؟ علموا أبناءكم أن هذه البطولات في غزة المجاهدة هي التي تستحق الاقتداء والتقليد، وليس ميسي أو رونالدو أو الفنانون والمؤثرون...أبطال غزة أحيوا سيرة عبد الله بن الزبير والجسين بن علي رضي الله عنهم.
وسوم: العدد 1087