رد مزلزل على فيديوهات «فيصل»… والإخوان يسيطرون على قناة «العربية»!

وكان لابد من رد ساحق، ماحق، مزلزل، على العبث الإخواني بهيبة الحكم، فتم التبشير بأن قناة «أون دراما» ستعيد عرض مسلسل «الجماعة 2»!

ذلك أننا منذ وقوع عملية اختراق شاشة «شارع فيصل» بفيديوهات مسيئة للجنرال، وأهل الحكم يرون أن الجماعة الإرهابية نالت من هيبتهم، فالذي يخترق إحدى شاشات فيصل، قد يخترق عموم الشاشات، وسوف تكون كارثة لو أن الاختراق تم لشاشة مباراة مهمة، والجماهير محتشدة في المدرجات، فماذا لو تم توجيهها لثورة ونحو ذلك؟ فكان لا بد من رد، والذي لم يقتصر على القبض على الجاني، والذي اعترف أن إخوان حرضوه على ذلك، كما لم يكتفوا باللافتات التي رفعت تندد بالإخوان، وتعيدهم للمشهد وكأننا ما بعد الانقلاب العسكري، فكان الرد على أكثر من جبهة، وكانت الجبهة المهمة هي شاشة «أون دراما»، وبعرض مسلسل «الجماعة 2»، ليبدو الارتباك هو سيد الموقف!

ما بين الجماعة2 والقاهرة 30

فاللافتات التي رفعت في شارع فيصل، وفي منطقة الدقي، القريبة من فيصل، كتبت بخط جندي مجند، يفك الخط بصعوبة، فاحتوت على أخطاء إملائية في كل كلمة تقريباً، وعدم التمييز بين الهمزة على الأرض، والهمزة على «السطوح»، ثم إنها مكتوبة بخط هزيل، فلم يستعينوا بخطاط محترف، ولم يراجعوا الكلمات عبر مدقق، فقد كانوا في ارتباك واضح، وهذا الارتباك هو السبب في اختيار مسلسل «الجماعة 2»!

ليذكرنا هذا باختيار السلطة في عهد مبارك، لمسلسل «القاهرة 30»، لعرضه تلفزيونيا في الليلة التي سبقت اليوم الذي مكن فيه الفنان حمدي أحمد الحكومة من حزب العمل المعارض، وذلك في عام 2000، بأن ادعى رئاسته للحزب، لتقوم الحكومة بتجميده، ووقف صدور صحيفته «الشعب»، ودور الفنان القدير في هذا المسلسل يمثل إساءة بالغة له، فقد قام فيه بدور «المحلل»، فهل هذا هو الدور الذي قام به في هذا الادعاء الحزبي؟!

يقولون إن ساعة القدر يعمى البصر، وما ينتج عن حالة الارتباك ليس دائماً سليماً، وهذا المسلسل بالذات لا يؤدي الغرض، في جزأيه، وفي مرحلة قبل الثورة وعندما صاحبته دعاية مكثفة وكان هذا بعد الانتخابات البرلمانية التي حصل فيها الإخوان على 88 مقعداً، وضمن الدعاية ضدهم في الانتخابات التالية، عندئذ ارتبك الإخوان، وقالوا إنهم سيردون على المسلسل بمسلسل، ووقع الاختيار على من سيقوم بدور المرشد، لكن عندما بدأ عرض المسلسل تنفس الإخوان الصعداء، وتراجعوا عن فكرة مسلسلهم!

فوحيد حامد (مؤلف العمل) لم يخرج كثيراً عن وقائع التاريخ، وكل ما أخذ على المسلسل أنه قدم «البنا» عصبياً على غير طبيعته التي نقلها الرواة، لكنه حرص على الالتزام بالنص التاريخي مع بعض التأويلات التي يمكن بلعها من جانب الإخواني المتعصب لجماعته.

وتم التبشير بجزء ثان للعمل، لكن بقيام الثورة صرح وحيد حامد أن الأمر انتهى، وهي مرحلة بدأت بالمبالغة من كل القوى في التقرب من الجماعة، بمن في ذلك رفعت السعيد، الذي كان كل نشاطه هو الهجوم على الجماعة، وضابط أمن الدولة السابق فؤاد علام، الذي اتهمه الإخوان بتعذيب كمال السنانيري القيادي في الجماعة حتى الموت، وكانت القضية أعيد فتحها وأثيرت من جديد قبل الثورة! فالجميع ذهبوا للجماعة محلقين ومقصرين، وهو أمر كان يمكن البناء عليه، إن مثلوا «كبير العائلة المصرية»، اللقب الذي ناضل من أجله السادات ولم يسلم له به أحد، ووصف مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) بأنه (مجلس العيلة). لكن الجماعة لم تكن مؤهلة لذلك فبددت هذه المرحلة، لأنها تصرفت كحزب منافس، يدرك أن الدنيا مقبلة عليه، فكان الاتجاه هو الهيمنة والاستحواذ! وعموماً فهذه ليست مرحلة تصلح للجزء الثاني من مسلسل «الجماعة» وإن كان وحيد حامد لم يكن من الذين تدافعوا يحجون إلى الإخوان ويتقربون إليهم بالنوافل!

فشل الجزء الثاني من الجماعة

بعد الانقلاب، كانت الفرصة مواتية للجزء الثاني من الجماعة، ويبدو أنه كان هدف السلطة، فتم الانتهاء منه وعرضه، وفشل، ولم يفشله الإخوان، لكن أفشلته القوى المناوئة لهم، وهم من تولوا الهجوم عليه، لأنه جاء فيه أن عبد الناصر انضم للجماعة، لأن الناصريين كانوا مع الانقلاب، وكانوا لا يريدون أن يكون هناك أي أمر، ولو ينتمي للتاريخ يربطهم بهذه الجماعة الإرهابية، وتجاهلوا أن عدداً منهم ترشح على قوائم الإخوان في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة، فها هو مسلسل «الجماعة 2» يأتي ليربط عبد الناصر رأساً بالتنظيم!

واقعة انضمام الرئيس جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين ثابتة في مذكرات كثيرين ممن عاصروا هذه المرحلة، مثل خالد محيي الدين، وعبد اللطيف البغدادي، والرئيس نجيب، ولم ينفها أحد، فلماذا هذا الغضب الناصري؟! بيد أن هذا الغضب، قضى على الهدف من المسلسل، الذي لم يعلق عليه الإخوان، فتم حفظه «في العلب»، وعدم عرضه مرة أخرى، لأنه لم يؤد الهدف منه، وعندما يتم عرضه الآن، فإن العرض كاشف عن أن الارتباك هو سيد الموقف، وكنت أرى أن على النظام ألا يتصرف على أن نجمه خفيف هكذا، فيكون رد فعله على هذا النحو من اللافتات البدائية التي تهاجم الجماعة، واندفاع برامج الـ»توك شو» للهجوم عليهم، وليس في مصلحة النظام أن تبدو الجماعة قوية على هذا النحو، فيمكنها اختراق الشاشة وتصبح موضوع الـ«سوشيال ميديا»، بل إن «سي أن أن» أذاعت تقريرا حول ما حدث!

وقناعتي الشخصية أن الإخوان أبرياء من هذه القدرة على استهداف النظام بهذا الإبداع، حيث مكان الوجع!

معظم الذين رفضوا الإخوان في سنة حكمهم كان لأنهم يبدون أضعف من أن يحققوا الاستقرار، استوى لديهم أن يكون الانفلات الأمني قدراً، أو بفعل فاعل، فالمهم أنهم غير قادرين على مجابهة التحديات، ولست أدرى لمصلحة من تصويرهم على أنهم قادرون على ارباك المشهد، واختراق شاشات العرض، والنيل من هيبة السلطة، وصفع النظام على قفاه، والدليل على شعوره بقوة الضربة هو هذا التحرك باللافتات وبعرض مسلسل «الجماعة»!

إنها سلطة تقدم للإخوان خدمة العمر.

خبر بيع قناة السويس

أشعر أحياناً أن هذا الكون الفسيح، ما هو إلا مستشفى العباسية للأمراض النفسية، وهناك عدد من الأعمال الدرامية قدمت جانباً مما يدور في داخله بشكل فكاهي، للمحتجزين فيه، يمكن تذكرها لتقريب الصورة!

فقد خرج الإخوان من المشهد السياسي، لكن أهل الحكم يحرصون على الإبقاء عليهم، ليكونوا شماعة لكل فشل، وجناة في كل قضية، ورأينا كيف جرى تقديمهم على أنهم وراء اختراق شاشة «شارع فيصل» بفيديوهات مسيئة، وقد استمر العرض ساعتين، مع عجز السلطة عن إيقافه أو السيطرة عليه طيلة الساعتين. وفي الأسبوع نفسه تم اتهام الإخوان أنهم وراء خبر بيع قناة السويس مقابل تريليون دولار، ويبدو أن الخبر أقلق السلطة فتحركت ونفته، لكنها لم تقدم على أي تصرف آخر، فالعين لا تعلو على الحاجب!

فالجهة التي نشرت هذا الخبر، موقع قناة «العربية»، ولو كان النشر عبر منصة أخرى، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولقدم كاتب الخبر للمحاكمة محبوساً بتهمة نشر أخبار كاذبة، وقد تحرك رئيس هيئة الاستعلامات ضد الصحافة الأجنبية وضد مكتب «بي بي سي» في القاهرة، في أمور أقل شأناً من ذلك!

لكن مع خبر «العربية»، ظهرت الحكومة واختفى رئيس الهيئة، لأنهم في الأخير أوكلوا له مهمة جديدة بتقديم برنامج على شاشة القناة هو «مراجعات»، وبدون البرنامج فلن تستطيع السلطة في مصر أن تقترب من «العربية» بشطر كلمة، ورأينا كيف أن الحكومة المصرية نفت الخبر، ولم تتعرض لجهة النشر!

والمثير للدهشة، أن رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشيوخ، ورئيس جريدة «الوطن»، ظهر على قناة «الحدث» التابعة لقناة «العربية»، وصب جام غضبه على الإخوان، الذين أذاعوا هذا الخبر الكاذب ببيع قناة السويس، ولم يهتز له رمش!

فهل «العربية» صارت قناة مملوكة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين؟ أم أن هذا الكوكب صار مستشفى للمجانين، دخلناه بالغلط؟ كما جاء في الدراما القديمة، فصار لزاماً علينا أن نتعايش مع هذا العبث!

«قديماً قيل: المجانين في نعيم»!

وسوم: العدد 1088