محادثات الدوحة: هل يراهن نتنياهو على سيناريو القيامة؟

أضافت حكومات أمريكا وبريطانيا وألمانيا، عبر دعوة سفرائها لدى إسرائيل للتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة، شحنة رمزية على الضغط الدولي المتمثّل بإعلان عدد متزايد من الدول في العالم تأييدها للبيان الثلاثي الذي صدر عن زعماء الولايات المتحدة وقطر ومصر مؤخرا بخصوص الحرب الدائرة على الفلسطينيين.

بحديثه عن «إيجاد باب للاستقرار في المنطقة» وإلى «حل دبلوماسي في الشمال» وضّح السفير الأمريكي المذكور الجانب الجديد الطارئ في الموضوع وهو أن ما يجري في غزة، صار مرتبطا بشكل لا يمكن فصمه بالتصعيد الخطير الممكن في منطقة الشرق الأوسط، متمثّلا باستعدادات إيران و«حزب الله» لرد كبير على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية، رئيس مكتب حركة «حماس» الراحل، وفؤاد شكر، القيادي في «حزب الله» اللبناني، وقصفها ميناء الحديدة اليمني.

بتوقيع رئيسها جو بايدن على البيان آنف الذكر، وبجولات كبار دبلوماسييها وعسكرييها على المنطقة، كما بتوجيه حاملتي طائرات وسفن حربية وغواصة إلى المياه الإقليمية للبحر الأحمر والخليج العربي، تظهر واشنطن اهتماما كبيرا بكبح احتمالات التصعيد بين إسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى (وهو أمر ستكون له تداعياته على المنطقة والعالم) وبرغبة إدارتها في تحقيق إنجاز دبلوماسي عبر إطلاق الأسرى الإسرائيليين (وبينهم أمريكيون) من دون إلزام إسرائيل، بعد انتهاء فترة الهدنة الموعودة، بوقف الحرب.

يطمح إنجاز هكذا اتفاق، لو تم تحقيقه، أيضا، إلى ترميم بعض أشلاء العطب الذي أصاب صورة أمريكا في المنطقة والعالم، وإلى إعادة بعض التوازن إلى العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية التي أظهرها بايدن في أضعف حالاتها وقدرتها على التأثير على حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلي، وهو ما استغلّه نتنياهو، وتلاعب به أيّما تلاعب عبر خطابه في الكونغرس، وصولا إلى محاولات إدخال أمريكا في نزاع مباشر مع إيران.

يمكن قراءة اغتيالات إسرائيل المتواصلة في الخارج، ومجازر نتنياهو في غزة، وأفعال حليفيه المقرّبين بن غفير وسموتريتش، في تسليح المستوطنين ودعم هجماتهم واقتحامات الأقصى والعمل على خنق السلطة الفلسطينية، باعتبارها رفعا للضغط إلى حدوده القصوى أملا في استسلام «حماس» أو حتى تقريب الائتلاف العنصري الحاكم من تحقيق أهدافه الأكبر عبر تفجير الأوضاع في الضفة الغربية أيضا وفتح احتمالات التطهير العرقي والتهجير.

معلوم، مع ذلك، أن التاريخ لا يتحرّك في اتجاه واحد تحدده القوة الغاشمة، والنوايا الإبادية فحسب، وأن لا أحد يستطيع التنبؤ بالأكلاف النهائية لمقامرة كبرى بهذا الاتجاه. إن مقامرة ترفع سقف المواجهة مع الفلسطينيين وتفتح الباب على حرب مع لبنان ومواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة وتحاول زجّ الغرب في تلك الحرب ستعني تصدّعا غير محسوب لمجمل النظام العالمي، وتفتح باب احتمالات غير محسوبة على مجمل الجغرافيا العالمية.

وسوم: العدد 1091