أهداف سياسية أبعد لاغتيال إسرائيل لعائشة نور؟

بعد أسبوع من اغتيالها عائشة نور إيغي، الناشطة الأمريكية من أصل تركي، في بلدة بيتا جنوب نابلس، أصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي قرارا بإعلان تلة نمر، المنطقة التي جرى فيها الاغتيال، «منطقة عسكرية مغلقة» وتُعتبر المنطقة نقطة تجمّع أهالي البلدة لأداء صلاة الجمعة وبدء مسيرات سلمية احتجاجية نحو جبل صبيح، رفضا لإقامة بؤرة أفيتار الاستيطانية.

شهدت المنطقة، على خلفية التداعيات السياسية المحتملة للاغتيال، بسبب جنسية الناشطة الشهيدة، حضورا كثيفا للإعلام الإسرائيلي والأوروبي والأمريكي فتوقف إطلاق جيش الاحتلال للرصاص ومقذوفات الغاز السام المسيلة للدموع وقنابل الصوت، في مسرحيّة ركيكة للقول إن مصرع الناشطة كان «عرضيا» كما أكد الجيش الإسرائيلي الذي جاءه الدعم من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أكّد عمليا رواية الاحتلال (ثم ألقى بعدها تصريحا آخر قويّا، ربّما نصحه مستشاروه بقوله لموازنة التصريح الأخرق الأول، عن أن مقتل الفتاة «غير مقبول بالمرة» وأن المستوطنين «يجتثون» سكان الضفة الفلسطينيين).

يمكن، بداية، إدراج الاغتيال في سلسلة عمليات القتل التي مارسها جيش الاحتلال ضد المسيرات الأسبوعية التي كانت تنظم في بلدة بيتا، والتي تعرّض خلالها 15 فلسطينيا للقتل، كما تعرض مواطن أمريكي آخر، يدعى دانييل سانتياغو، لإطلاق نار على فخذه في المكان نفسه الذي استشهدت فيه عائشة، الشهر الماضي، وكرّر الجيش الإسرائيلي حينها رواية الإصابة «بشكل عرضي» عند إطلاق جنوده «أعيرة نارية في الهواء» لكن استخدام الرصاص الحي، حسب أحد الشهود المشاركين في المسيرات، صار في الواقع الخيار الأول لجيش الاحتلال ضد المحتجين السلميين.

رغم أن هذه الوقائع تكشف وجود قرار عسكريّ إسرائيلي يسمح للجنود بالقتل لكسر الاحتجاجات لكنّ اغتيال عائشة نور يحتاج تفحّصا لاحتمالات لا يفسّرها هذا القرار وحده. قدّمت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تحقيقا استقصائيا مميزا قدّمت فيه وقائع القتل المعلن للمشاركة الأولى والأخيرة للناشطة.

كان متطوّعون أجانب على مبعدة 180 مترا من الجنود الإسرائيليين، وكانت عائشة نور أبعد منهم بعشرين مترا، وكانت فعالية الاحتجاج قد هدأت قبل 20 دقيقة لكن أحد الجنود المزوّد ببندقية قناصة قرّر اختيارها هي بالذات فأطلق رصاصة اخترقت رأسها من اليمين الى اليسار لتسقط وسط حقل من أشجار الزيتون وهي تنزف الدماء فتستشهد، كنظيرتها الناشطة الأمريكية الشهيرة راشيل كوري، ونظرائها الفلسطينيين والعرب الكثر الذين اغتالتهم إسرائيل عن سبق الإصرار والترصّد.

قرّرت ماكينة الموت اغتيال عائشة، وقرر جنود الظلام إطفاء نورها فتحوّلت إلى أيقونة أخرى للنضال الفلسطيني ـ العالمي ضد غول القتل الذي تمثّله إسرائيل، لكنّ مصرعها يستحقّ قراءة أوسع من التحقيق الاستقصائي القوي للصحيفة الأمريكية، ومن نقد الصحافي اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي المرير والساخر من «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم» في صحيفة «هآرتس».

يندرج الاغتيال طبعا في مسلسل الهمجية لتكريس الاستيطان، والذي تمسك حكومة نتنياهو وشريكاه سموتريتش وبن غفير بخيوطه المتشابكة، غير أن اغتيال عائشة نور، الأمريكية ـ التركية يبدو أكبر من رغبة عسكريّ حاقد بالرقص فرحا لارتكابه فعل القتل بحق شابة في مقتبل عمرها تحاول الدفاع عن الفلسطينيين (كما ذكرت الأنباء) وبناء على ذلك لا تكفي سخرية ليفي من الطلب الأمريكي لإسرائيل «تحسين الإجراءات» (وتخيّله أن يطلب الناطق باسم جيش الاحتلال من جنوده «فحص جوازات السفر» قبل القتل) لتفسير الوضع.

ما يمكن لتركيا، التي قالت إنها ستلاحق القتلة الإسرائيليين قانونيا، أن تفعله، هو تفحّص إمكانية كون الاغتيال عملا استخباريا، يتجاوز إرهاب الناشطين الأجانب، ويتقصّد توجيه رسالة جديدة لأنقرة، وزعيمها رجب طيب اردوغان، الذي يقود، من مكانه المهم سياسيا وجغرافيا في العالم، نشاطا سياسيا شديد التأثير ضد إسرائيل. هناك بالتأكيد رسالة أيضا موجهة ضد الناشطين الأمريكيين والأجانب عموما، وهذا أمر إضافيّ لوصم الاغتيال بطابع أمنيّ وسياسي يتجاوز «طبيعية» القتل لدى جنود دولة الاحتلال.

وسوم: العدد 1095