للإسرائيليين: إذا وصفتم السنوار بـ “الشيطان” فبم يصفكم العالم؟
وصف العنوان الرئيس في “يديعوت أحرونوت” السنوار بأنه شيطان من غزة، وتنافس المذيعون التلفزيونيون فيما بينهم على من سيكون أكثر سفالة بلسانه: الطاغية، القاتل اللعين، عظيم القتلة؛ وشبهوه بأدولف هتلر، ودعوه بالفأر. ولا يمكن الاستطراد في الحديث عن عرض جثته المشوهة ورأسه المحطم أمام الجميع، وانفغار فمه وفحص أسنانه وكأنه بهيمة، ولا عن السخرية من مظهره وهو يحاول أن يدافع عن نفسه بعصا بإحدى يديه التي لم تقطع. كان هذا هو الرجل وهذه هي إسرائيل، لن نحاول تثبيط فرحتها. لكن شيئاً واحداً لا يمكن تجاهله: انعدام الوعي الذاتي والعمى. فلئن كان السنوار شيطاناً، فكيف سنعرف أفعال دولة إسرائيل في السنة الأخيرة؟ وكيف يراها العالم؟ إذا كان صوت الجموع الإسرائيلية، داني كوشميرو، يقتبس “ثأر دم طفل صغير لم يخلقه الشيطان بعد” في ضوء 22 طفلاً قتلوا في 7 أكتوبر، ماذا سنقول عن 17 ألف طفل قتلوا في قطاع غزة وثأر دمهم؟ لن نقول شيئاً. الـ 22 طفلاً كانوا أطفالنا، أما الـ 17 ألف طفل فكانوا أطفالهم، فكيف نقارن! لا ثأر ولا رحمة، ولا حتى تقرير. السنوار جدير بكل الألقاب التي ألصقت به؛ ليست إسرائيل هي التي يحق لها أن تلصق به ألقابه. هذه الدولة الغارقة بدماء غزة وبأنقاضها على نطاق يصعب وصفه، لا يحق لها أخلاقياً أن تصف عدوها المرير والوحشي بالشيطان، قبل أن تنظر إلى أفعال يديها. كيف يمكن لإسرائيل أن تتحدث عن وحشية السنوار دون أن يرمش لها جفن، ودون أن تتلعثم. لا أحد في إسرائيل يبلغ عن سفك الدماء والدمار الجماعي الذي في غزة. لو كانت إسرائيل واعية لأفعالها وتوجه نظرها إليهم وتدعي ادعاءات حق الدفاع الذاتي، الذي يسمح لها بفعل كل شيء في نظرها، لكان ممكناً تفهمها. وإذا كنا لا نرى الواقع، فهو إذن غير موجود؛ وإذا كنا لا نعرض وحشيتنا فهذه تعود إلى شيطان غزة. في نظرنا، كان السنوار شيطاناً ونحن ملائكة سلام ورحمة. لا يدور الحديث عن التوحد. فالعمى الإسرائيلي الآن هو أحد العوائق الأكبر في الطريق إلى إنهاء هذه الحرب الرهيبة التي لا نهاية لها. فعرض العدو كشيطان، دون إلقاء نظرة إلى المرآة، يسمح بتبرير استمرار الحرب إلى الأبد. فلئن كانت هذه حرب الأخيار المطلقين ضد الأشرار المطلقين، فمحظور التوقف عنها، كلنا معها. هذا هو الرضى الذاتي، إحساس العدل المطلق واللاخيار الذي يحرك الكثير من الإسرائيليين لمواصلة الحرب. كما أن هذا ما يدفع الكثير جداً من الإسرائيليين ألا يفهموا كيف يكون العالم ضدنا بهذا القدر. عندما نتحدث عن الشيطان، من الصعب أن نعرف من أين نبدأ؛ من تحقيق الـ “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي الذي جاء بشهادات على لسان 65 من السلك الصحي ممن عملوا في غزة، بما في ذلك أدلة على إطلاق النار عن قصد على الأطفال، كل واحدة أقسى من غيرها؛ ربما لمشهد الأطفال الذين اكتووا بالنار الأسبوع الماضي في ساحة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، والذين نشرت صورهم في كل أرجاء العالم؛ ربما من الـ 12 يوماً التي لم تدخل فيها أي مساعدة إلى القطاع؛ ربما من اقتلاع 50 ألفاً آخرين من سكان جباليا الأسبوع الماضي؛ ربما من قتل 379 فلسطينياً آخر الأسبوع الماضي، أو من حقيقة أن 3 ملايين نسمة اقتلعوا حتى الآن من بيوتهم في غزة ولبنان ويتنقلون من هنا إلى هناك برعب وبانعدام كل شيء. إسرائيل لا ترى كل هذا. أما العالم فلا يتوقف عن رؤية هذا. إذا كان السنوار شيطاناً، فكيف سيصف العالم إسرائيل؟ وكيف سنصف أنفسنا؟
وسوم: العدد 1099