جهود تركيا في لبنان..
كما يقولون "إذا وقع القدر عَمي البصر"، والحروب عندما تنشب نيرانها يصعب إخمادها، لا سيما إذا كانت بين طرفين غير متعادلين.
تعدُّ الحكومة اللبنانية من الحكومات الهشّة والضعيفة والمتآكلة لعوامل عدة - ليس هذا وقت سَردها - مِن أهمّها سيطرة حزب الله اللبناني المدعوم إيرانياً وكذلك النظام السوري على جميع مَفاصل الدولة والقرار في لبنان، ما جعلها دولة بلا سيادة بكل معنى الكلمة، ناهيك عن بقائها لأكثر من عامين بلا رئيس حتى يومنا هذا.
وهذا ما جعل الأمر أكثر تعقيداً، فالمشهد اللبناني الحالي تديره دُول عِدّة، فتلعب بمصير "بلد وشعب وسيادة"، فباريس لها كلمة في لبنان، وواشنطن لها كلمة، والرياض لها كلمة، وطهران لها كلمة، وكذلك دمشق.
كلّ ذلك جعلَ الجهود الضالعة في تسكين الأوضاع، وتهدئة الجبهات، وخفض التصعيد صعبة للغاية أو شبه مَعدومة، ومن تلك الجهود المبذولة على هذا الصعيد الجهود التركية.
فما نراه مِن جهود الحكومة التركية في تصريحاتها النارية ضدّ العدوان الإسرائيلي، والدعم السياسي للبنان في حقّه المشروع في الدفاع عن أرضه وشعبه، ورفع الصوت في المحافل الدولية للحدّ من الإجرام الصهيوني على لبنان غزّة، كل ذلك مقبول حتى الآن. إضافة إلى الجهود الإغاثية التي لم تتوقف، فقد أرسلت تركيا العديد مِن شحنات المساعدات الإنسانيّة إلى بيروت.
إنّ جهود أنقرة محصورة ضمن حدودها المشروعة دوليّاً، ولكن أظنّها نسيت - بعض الشيء - أنّها تتعامل مع عُدوان لا يحترم كلّ ما يُسمى مبادئ أو قوانين أو حدود، فلا يُقرُّ بمبادئ النديّة، ولا يعترف بالقرارات الدوليّة، فلا يخضع للأمم المتحدة، ولا يلتفت إلى سلطة مجلس الأمن، ولا لأيّ منظمة حقوقية أو إنسانية أو شرعية دولية..
فكيف يهتم هذا العدوان الظالم بما ذكرنا وهناك دول عُظمى - أمريكا ومعها دول الغرب - تدعمه في غَيّه وعَربدته وطغيانه، فهي الحطّابُ الذي يُلهب النار ويزيد لهيبها وشدّتها؟!
لذلك أرى أنّ مُهمّة تركية ضرورية وفي غاية الأهميّة مع صعوبتها وخطورتها، فعليها الاستمرار في رفع صوتها ضِدّ العدوان الإسرائيلي وعلى جميع الأصعدة، ومع ذلك عليها أن تلوّح بالعصى، فهذا العدو لا يَفهم إلّا بلُغة القوة والحديد والنار، فلا شيء يوقفه أو يردعه إلا ذلك.
وعلى تركيا أن تؤسس تحالفاً واسعاً مُناهضاً لممارسات إسرائيل في المنطقة، والتي لن تتوقف حتى تصل إلى منابع الفرات ودجلة حسب معتقداتها. وما يغيظها هو المنافسة في الصناعة العسكرية، فالتقدم على الصعيد العسكري والتقني عامل فعّال في ردع إسرائيل ومن معها.
وعلى تركيا أن تستقطب إلى جانبها جميع دول المنطقة لا سيما الدول العربية، وخاصة تلك التي تزبد وترعد بالتطبيع مع العدوان الصهيوني الآثم.
وما نراه اليوم هو بداية النهاية لكلّ ظالم، وأظنّها أخذت طلائع المواجهات الكبرى الفاصلة بالتشكّل، فالتكتّلات والأحلاف بدأت بالتحزّب والاصطفاف، وتركيا معروفة بمواقفها الإنسانية منذ زمن، فقد رفعت منذ عقدين ونيف راية الدفاع المظلومين وإغاثتهم ونصرتهم، ويلزم من هذه الراية الوقوف في وجه كلِّ ظالم ومُستبدّ ومُجرم، فلن ينفع أن يجتمع في حلف واحد ظالم ومظلوم، والنظام السوري ومعه إيران وحزب الله لا مكان لهم في هذا الحلف إن تحقق وظهرت ثماره، فمُحال أن يكون هؤلاء المجرمون السفاحون يوماً مناصرين للمظلوم، فالعداءُ للظالم نُصرةٌ لكلّ مظلوم، ومحالفته خذلان لكلِّ مَظلوم.
وسوم: العدد 1102