إلى جيل سورية الغد.. وحملة لواء التحرير والتغيير

شكر الله سعيكم، وألهمكم العزيمة على الرشد، والثبات على الأمر؛ حتى تؤدوا الأمانة بحقها إلى أهلها، من أصحاب الحق والمستحق من عموم أبناء هذا الوطن، وعموم من ولد على هذه الأرض المباركة الطيبة، حتى تخطّوا مع عموم أبناء وطنكم مثل الوثيقة التي أمر بكتابتها نبيكم صلى الله عليه وسلم، إلى كل سكان المدينة المنورة يوم آل إليه أمرها، فكتب لكل من فيها وثيقة حيوية حيّة لجميع من كان على أرض المدينة، وثيقة بحفظ الحقوق، وتأكيد السواء، ونفي الوكس والشطط، وتأكيد أن من إثم فلا يهلك إلا نفسه.

وحين نذكر اليوم وثيقة المدينة، إنما نذكر ونذكّر بروحيتها الخالدة، وبآفاقها المتعالية، وبأننا حين نستحضرها اليوم كأساس لسورية الغد الذي حلم به كل سوري سويّ، يجب أن ندكّر ونتذكر أن لكل عصر أولوياته ومعطياته ومضاميره وسياقاته..

ثم إن من حقّ علينا أن نتذاكر أيها الرجال الأباة الشجعان، وقد أبليتم فأحسنتم البلاء، وضحيتم فكنتم أصحاب الأولة من أصحاب العطاء، وقد منّ الله عليكم، وعلينا من خلال إنجازكم وتضحياتكم ما كان حلما فأصبح حقيقة، فأصبحت حلب البهية الجميلة وأخواتها من المدن السورية في عهدتكم، وفي رعايتكم، هي ورجالها ونساؤها وأبناؤها وبناتها، وعلماؤها وعامتها، وتجارها وصناعها ومزارعيها وعمالها وفلاحيها، ثم هي وجامعاتها ومعاهدها ومدارسها ونواديها وطلابها وطالباتها..

من حق علينا أن نتذاكر أن قواعد إدارة المدن الكبرى، بكل تفاصيلها وتلافيفها وتعددياتها، وأنماط العيش فيها، وسلوكيات قاطنيها، وطرائقهم، وأساليب عيشهم؛ كل أولئك يختلف إلى حد كبير عن القواعد العامة لإدارة المحلة أو القرية أو الناحية أو المدينة الصغيرة…

أيها الرجال الرجال من أصحاب الطول واليد الذين حقق الله على أيديهم الأمل..

أنتم اليوم أمام أول التحديات، التي لا يجوز تجاهلها والاستخفاف بها "إدارة المدن السورية الكبرى" نتحدث اليوم عن حلب وندعو الله أن تنضم إليها غدا دمشق وبقية الأخوات…

أذكر بسيدنا معاوية عندما صارت إليه بعد أخيه يزيد إدارة دمشق، فأدارها على غير النحو الذي كانت تدار به مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أذكركم أيها الأحباب أنكم حين ستصبحون بعد أيام أمام إدارة مدينة مثل حلب وأخواتها أن هذا التحدي له ما له من تحديات تقتضي مقاربتها بمزيد من الحكمة، ومزيد من الرفق، ومزيد من الأناة، ومزيد من بعد النظر، ومن الاستشراف الايجابي لمعطيات العصر وواقع الناس..

حين نذكر حلب نذكرها في سياق ذكرنا لدمشق واسطنبول وإزمير وبغداد والقاهرة وتونس والدار البيضاء وقرطبة أيضا..

لا أريد أن أطيل ولا أريد أن أفصل سأكتفي بأن أمثًل لكم بأن حلب المدينة التي ستفرض نفسها عليكم، كانت متسقة في تاريخ إداراتها مع اسطنبول وإزمير العثمانيتين..

جميل من مرجعيات الرأي فيكم، أن يطلعوا على الكتاب الأنموذج: "المدينة العثمانية بين الشرق والغرب حلب.. إزمير .. اسطنبول" لمؤلفيه الدارسين الباحثين أدهم إلدم وصاحبيه..

من واجبي أن أذكركم وأنتم القوم والعزوة أن حلب العثمانية كان له خصوصياتها على صعيد الإدارة وعلى صعد السياسة وعلى صعيد الاقتصاد، وعلى صعيد الاجتماع.. وهذه الخصوصيات المتعددة ما زالت محفوظة في فرمانات السلاطين وفتاوى المفتين أيضا..

وأذكر فتاوى المفتين لكي لا يسبقني سابق فيقطع عليّ الطريق..

باختصار أيها الأخوة إن مدينة اسطنبول شقيقة حلب الكبرى تدار منذ ربع قرن من قبل نخبة من أبناء المجتمع التركي.. هم أيضا مثلكم أصحاب مشروع.. هل يتضح معنى أنهم أصحاب مشروع..؟؟ أرجو ذلك!!

اطلبوا الحق برفــــــق .. واجعلوا الواجب دابا

واستقيموا يفتح الله.. لكــــــــــم بـــــابـــــا فبـــــابـــــا

الفاء في قوله فبابا تفيد الترتيب مع التعقيب...

أصالة الرأي صانتني عن الخطــــل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

قد رشــــــــــحوك لأمر لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

وقد علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ماكان الرفق في شيء إلا زانه ولم ينزع من شيء إلا شانه. ودعا لمن يرفق بأمته فقال: اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئا فرفق بهم فارفق به. وقال: شر الرعاء الحطمة. أعاذ الله ديارنا وأهلها من شر الحطمة..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1105