وقفة مع أحداث ثورة الربيع العربي السوري المنبعثة والتحول المفاجىء في مواقف الذين أجهضوها من قبل
يذكر الرأي العام العالمي والعربي لحظة اندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011 كيف بدأت ثورة الربيع السوري سلمية ،لا تطالب بأكثر من تعديل الديكتاتور بشار الوحش الكاسر من وحشيته ، وتحويل حكم البلاد من حكم شمولي إلى حكم ديمقراطي . ولم يكن في نية الشعب السوري إسقاطه كما كانت نوايا شعوب عربية أخرى ،رفعت من البداية في وجوه حكامها الطغاة عبارة " ارحل " إلا أن الطاغية السوري أصر على التمادي في طغيانه واستبداده ، فسفك دماء العباد ، وخرب البلاد ، واستعان على تكريس طغيانه بدولة إيران الشيعية الصفوية التي تمت عقيدته العلوية بصلة إلى عقيدتها ، وكان الغزو الأطلسي للعراق قد أطلق يدها فيه ، ومهد لها الطريق لاستباحة أرض سوريا ، واتخاذها ممرا إلى قاعدتها المتقدمة في لبنان ، وتحقق لها بذلك هلاله الشيعي ، كما استعان بروسيا التي كانت منذ حقبة الحرب الباردة مصدر تزويد أبيه ، وتزويده أيضا بالإيديولوجيتها ، وبالشمولية القمعية .
أما دور إيران في قمع ثورة الربيع السوري ، فقد تجلى في إرسال وحدات من حرسها الثوري بقيادة قاسم السليماني وغيره ، وتجنيد ميلشيات مما سمي بالحشد الشعبي الشيعي ، وكذا تجنيد عناصرمن حزب الله اللبناني الشيعي. وكانت ذريعة التدخل الإيراني في سوريا وفي العراق من قبل هو مواجهة ما سمته ميلشيات إرهابية ، وهي تقصد كل من لهم صلة بالسنة ،خصوصا وأن الدول الغربية كانت هي الأخرى في حاجة إلى نفس الذريعة من أجل تبرير غزو العراق ، وكذا التدخل في سوريا ، فطبخت مخابراتها ميلشيات إرهابية . وتكالبت عناصر الحرس الثوري، وميلشيات الحشد الشعبي ، وعناصر حزب الله على الشعب السوري الذي كان ذنبه الوحيد هو المطالبة بالديمقراطية ، والكرامة ، وقصف بكل أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها البراميل الحارقة ، وبدأت مأساته الكبرى التي عانى منها الاضطهاد ، والتقتيل ، والتهجير القسري ، والاغتصاب ، والاعتقال والتعذيب في السجون والمعتقلات الرهيبة التي كان ضحاياها أطفال، ونساء، وعجزة ، فضلا عن باقي الشرائح . ولقد اعتمد الإيرانيون في تأجيج الحقد الشيعي على الشعب السوري السني بالحفر في التاريخ لإحياء الصراع بين العلويين والأمويين ، ووقر في أذهان أو اعتقاد الحشود الشيعية الغازية أنها بارتكاب المجازر في حق سنة سوريا تنتقم لدم الحسين رضي الله عنه ، وأن أهل السنة كلهم يزيد بين معاوية . ولم ولن ينسى أبدا الشعب السوري ما عاناه على أيدي الوحوش الشيعية الكاسرة التي تاجرت بالقضية الفلسطينية من أجل التمويه على الهدف الإيراني المكشوف، والمتمثل في التفاف الهلال الشيعي على منطقة البلاد السنية تمهيدا لابتلاعها عن طريق تسويق عقيدتها الشيعية بواسطة طوابيرها الخامسة المدسوسة والمبثوثة في منطقة الشرق الأوسط .ولقد اتخذ الكيان الصهيوني الوجود الإيراني في العراق وسوريا مع الحشود التي جندها ذريعة لانتهاك سيادة القطر السوري، وقصفه بالطيران وبالصواريخ العابرة والمحمولة على المسيرات ، مساهما بذلك في تكريس وتعميق معاناة الشعب السوري الذي لا ناقة له ولا جمل في الصراع الصهيوـ إيراني .
وأما دور روسيا في قمع ثورة الربيع العربي السوري ،فقد تمثلت في قصف طيرانها بالقنابل والبراميل الحارقة للمدنيين تحت ذريعة ملاحقة الإرهابيين ، وهي ذريعة شاركتها فيها الدول الغربية للتدخل في سوريا. ولم تقل فظائع جرائمها في سوريا عن فظائع جرائم إيران .
واليوم ومع استكمال نضج ثورة الربيع العربي السوري أصاب الذهول كل الأطراف التي كانت تتخذ من القطر السوري مسرحا تدير فيه تحركاتها المشبوهة ، وصارت تعدل من مواقفها وقف ما استجد في سوريا وهي كالتالي :
1 ـ الطرف الصهيوني الذي اغتنم فرصة وصول الثوار إلى العاصمة دمشق والسيطرة عليها كي يهرع رئيس وزرائه مع قادة جيشه إلى منطقة الجولان السوري المحتل ليعلن عن نقض اتفاقية فض الاشتباك المبرمة مع سوريا سنة 1974 ، وهو تعبير عن نيته المبيتة للتوسع جهة سوريا لاحتلال المزيد من الأراضي السورية ، وقد بدأ ذلك بالفعل حيث مدد من منطقة وجود جيشه ، ولا شك أنه يحلم بتحقيق ما لوح به في خريطته الجغرافية لما يسميه وطن اليهود التلمودي . وقد كثف ضرباته الجوية للأراضي السورية تحت ذريعة تدمير سلاح الجيش السوري مخافة وقوعه في أيد الثوار الذين يعتبرهم إرهابيين لا يؤمن جانبهم ، وله فيما صرح به مآرب أخرى منها ما يسكت به الرأي العام الداخلي الصهيوني الذي ينتقده بسبب تماطله في تحرير رهائنه ، وما يمكنه من المزيد من التسلح تحت ذريعة الاستعداد لما يسميه التهديدات المحتملة للثوار السوريين وهو يحرص على شيطنتهم على غرار حرص حلفائه الغربيين ، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية ، وما يمكنه أيضا من التغطية على فشله العسكري في قطاع غزة.
2 ـ الطرف الأمريكي الذي توجد قواته في قواعد بمناطق النفط العراقية والسورية ، وهو الذي لا يعوزه تبرير وجوده العسكري في المنطقة إذ يكفيه إعادة إدارة أسطوانة شيطنة الثورة السورية من جديد، ولا تعوزه الصناعة المخابراتية لفلول الإرهابيين لخلط الأوراق في سوريا كي يتسنى له فرض الواقع الذي يريده ، والذي يناسب حليفه الصهيوني المتربص من أجل تنزيل مشروع خريطة وطنه التلمودي في ظل فترة حكم الرئيس ترامب . ولقد بدأت الرئاسة الحالية ،وهي في وضع تصريف الأعمال بالتلويح بإمكانية شطب بعض تنظيمات الثورة السورية من لائحة الإرهاب ، وفي هذا مساومتها ، واستدراجها إلى ما تريده ، وهو فرض وضع أو واقع في سوريا يكون في مصلحتها ، وفي مصلحة الكيان الصهيوني، تحت ذريعة الحرص على مصلحة الشعب السوري الذي لم تكن تفكر في مصلحته وهو يعاني من جرائم الإبادة على يد حاكمه الطاغية ، وعلى يد إيران الشيعية وحلفائها العراقيين واللبنانيين ، وعلى يد الروس .
3 ـ الطرف الروسي الذي توجد له قاعدة عسكرية على الشاطىء السوري له فيها مصالح ، والذي بدأ يغازل اليوم مشاعر الشعب السوري ، ويتظاهر بحرصه على وحدة أراضيه مع أنه قد استباحها مع كل من استباحوها ، وسكت عنهم وأيدهم ، مع أنه لا يستطيع أن ينبس بكلمة واحدة ضد استنمرار استباحة الصهاينة لها .
4 ـ الاطرف التركي الذي خدم سقوط الطاغية مصالحه المتمثلة أولا في وضع وزر اللاجئين السوريين الثقيل عن كاهله ، وقد كاد هذا الوزر أن يحرم الرئيس أردوغان من قترة رئاسته الحالية حيث كاد منافسه أن يلحق به هزيمة نكراء سببها قضية اللاجئين السوريين ، وثانيا في حماية أراضيه من خصومه الأكراد الذين يهددون أمن بلاده .ولا شك أن له مآرب أخرى منها الظفر بصفقات إعادة بناء القطر السوري الذي دمره الديكتاتور بأيدي إيرانية وروسية ، خصوصا وأنه كان الداعم الرئيسي للثوار السوريين ، وقد عبر عن هذه الرغبة يوم أمس ناطق باسمه في مؤتمر صحفي تناقلته وسائل الإعلام العالمية . ولقد أبدى تعاطفه مع الشعب السوري وسعادته بخلاصه من الحكم الشمولي المستبد .
5 ـ الطرف الأوروبي الذي له أيضا مصالح سياسية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط ، وأقلها الظفر بصفقات إعادة بناء سوريا المدمرة ، فضلا عن مصالح أخرى منها توفير الجو المناسب لتحقيق الكيان الصهيوني أحلامه التوسعية ، وذلك تحت عنوان السعي نحو تحقيق سلام في منطقة الشرق الأوسط يكون الرابح الأكبر فيه هو الكيان الصهيوني ، والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني ومعه جميع الشعوب العربية .
6 ـ الطرف العربي خصوصا الخليجي الذي كان متوجسا من ثورات الربيع العربي حين اندلاعها ، والذي سعى إلى إفشالها عن طريق تمويل ثورات مضادة لها ، وها هو اليوم أمام انبعاث ثورة الربيع السوري من جديد وهو ما لم يتوقعه ، ولهذا تحول موقفه من محاولة إعادة بشار إلى حظيرة الأنظمة العربية بعد إقصائه لسنوات مع غض الطرف عن جرائمه الوحشية في حق شعبه إلى مغازلة الشعب السوري وإظهار التعاطف معه تعاطفا لم يكن له وجود في فترة معاناته القاسية ، ومن خلاله مغازلة ثوراه . ولا شك أن المآرب غير غائبة أيضا، وعلى رأسها صفقات إعادة بناء سوريا المدمرة ، فضلا عن محاولة الحد من عدوى انبعاث جديد لثورات ربيع أخرى من خلال الرغبة في المصالحة مع الشعب السوري بعد فترة احتضان جلاده .
وهكذا وبين عشية وضحاها ،صارت كل هذه الأطراف تخطب ود الشعب السوري الذي تخلت عنه في فترة محنته ، وقد خلط بعضها بين أسلوب التودد إليه مع أسلوب التهديد والوعيد . وسيبقى في نهاية المطاف القرار في التعامل مع هذه كل الأطراف بيد الشعب السوري، ووفق إرادته التي لا يمكن أن يساوم فيها تحت أي ضغط أو إغراء ، وسيبقى نموذجا تحتذي به كل شعوب المعمور التي تعاني من جور الديكناتوريات المستبدة .
وسوم: العدد 1106