المستشفى والطبيب والمريض شهيد!
كان الطبيب سعيد جودة يسرع بخطواته للوصول إلى مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة فالحاجة ملحة حيث وصل العشرات من الجرحى والشهداء، الأمر الذي جعله قدر الإمكان أن يزيد من سرعة قدميه رغم التعب الشديد الذي ارهق جسده بعد شهور طويلة من العمل، والتنقل بين المستشفيات جراء النقص الحاد بعددهم بسبب استهدافهم من قبل صواريخ الاحتلال الظالمة.
ورغم أنه كان يرتدي المعطف الأبيض الذي يؤكد على حصانته بأنه طبيب إلا أن ذلك لم يشفع له أمام تعمد الاحتلال في إعدام الأطباء.
الاستهداف كان متعمدا حيث إن اصابته من قبل "الكواد كابتر" المزودة بأجهزة مراقبة قادرة أن تعلم بأنه طبيب ولايحمل شيء بيده.
طبيعة الاصابة في الرأس أكدت على تقصد إعدامه رغم أنه لا يوجد أي مبرر يمكن أن يتقبله العقل لإعدام طبيب كان يسرع في خطواته لإنقاذ الجرحى.
الطبيب سعيد ليس الأول ولن يكون الأخير في الإعدامات المتكررة من قبل صواريخ الاحتلال للطواقم الطبية حيث تم إعدام أكثر من (١٠٦٠) شهيدا من الطواقم الطبية، واعتقال أكثر من(٣١٩) من الكوادر الطبية تم إعدام عدد منهم في سجون الاحتلال الظالمة.
إعدامات الكوادر الطبية مخطط لها خاصة أن الاحتلال كان يتعمد في قتل الأطباء أصحاب التخصصات النادرة، الأمر الذي أوقع عجز كبير في الكثير من التخصصات الطبية.
الطبيب مدحت صيدم من الأطباء النادر جدا تخصصه في قطاع غزة فهو أحد مؤسسي ًقسم الحروق في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
كان بلسم لجروح غزة خاصة في الحروب لما ينتج عنها أضرار كبيرة للجرحى يكون عدد منهم بحاجة لعملية صعبة ترتبط بتخصصه الحروق والتجميل،
الاحتلال لم يقتصر على إعدامه فحسب، بل أعدم زوجته وأبنائه وأكثر (٢٥) من أقاربه.
المعطف الأبيض لم يشفع له كذلك رغم أنه يمتلك حصانه بكافة القوانين الدولية والإنسانية بالحياد التام عن استهداف الأطباء إلا أن غزة خارجة عن هذه الحصانة في نظر الاحتلال الظالم.
حقيقة لا أعلم حجم الضغوط التي يعيشها الطبيب والممرض وكافة أفراد الطاقم الطبي فهم ليس مجهدون فحسب بسبب الأعداد الهائلة التي تصلهم خلف كل مجزرة من الشهداء والجرحى؛ بل إنهم يعملون تحت قصف الصواريخ للمستشفيات المتهالكة واستهدافهم داخل أروقتها.
ورغم ذلك إلا أنهم يواصلون عملهم فلم يترك أي منهم الجرحى إلا إن أصبح مثلهم جريح أو شهيد.
والأمر لايتوقف على ذلك؛ بل يزداد كلما وصل شهداء وجرحى كانوا أبناء وعائلة الطبيب فالمصاب كبير لكن مع ذلك يكمل عمله وقلبه وموجوع الدموع تغرق ملامح وجهه المنهكة من التعب والخوف والحزن.
كل ذلك الجهد بدون أدنى مقوماته من الطعام فكل الذي يحصل عليه الطاقم الطبي بعد ساعات طويلة قطعة صغيرة من الخبز إن وجدت، لتحافظ على بقائه على قيد الحياة.
سيارات الإسعاف ذات اللون الأبيض الواضحة بكل معالمها أنها "إسعاف" إلا أن ذلك لم يشفع لها أمام صواريخ الاحتلال في استهدافها وارتقاء من فيها من مسعفين وجرحى.
تواصل الحرب الظالمة لأكثر من عام انهك القطاع الصحي وطواقم العمل بها خاصة بعد نفاد المستلزمات والأدوات الصحية والأدوية حتى مادة التخدير لم يعد لها وجود وكثير من العمليات تقام بدون تخدير.
وهنالك العديد من الاصابات التي حيرت الأطباء عن فهمها خاصة أن الاحتلال يستخدم أسلحة متطورة صنفت بأنها محرمة دولية لاتعمل على إذابة اللحم فحسب؛ بل العظم كذلك الأمر الذي جعل من العثور على الكثير من الجثامين أمر محال.
كثير من العمليات تم تأجيلها رغم حاجة الجرحى لإجرائها لكن ليس باليد حيلة فما تبقى من بقايا المستشفيات المتهالكة عاجزة عن استيعاب هذه العمليات.
وعدد من الجرحى تكون إصابتهم ليست بالخطيرة لكن نظرا لمنع الاحتلال وصول الإسعاف إليهم فإن الجريح ينزف لساعات حتى يرتقي.
هذا يؤكد على أن المرضى أيضا في دائرة الاستهداف المتعمدة حيث إن الفتى أحمد الذي كان يجلس على كرسيه المتحرك، وهو منهك الصحة بعد أن تم اصابته بإحدى صورايخ الاحتلال، مما جعل خطوات الإنقاذ، لنقله في أسرع ما يمكن إلى مستشفى كمال عدوان لكن مجرد وصوله إلى قسم الاستقبال تم استهداف المستشفى الأمر الذي تم ارتقائه مباشرة.
كان يظن الأمان في هذا المكان إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك أمام صواريخ الاحتلال الحاقدة التي تجعل كل شيء بالنسبة لها تحت بند الاستهداف، الأمر الذي جعل إعدام المرضى والأطباء بنك لأهدافه.
حقيقة الكلمات عاجزة أمام أن تصف الوضع الطبي في قطاع غزة فالواقع المعاش أكبر بكثير من حروف تصفه خاصة أن المستشفيات والطواقم الطبية ذات المعطف الأبيض، وكذلك المرضى في قطاع غزة خارج الحصانة الأخلاقية والإنسانية في نظر صواريخ الاحتلال.
وفي أثناء كتابة المقال تم استهداف مستشفى كمال عدوان لمرات متوالية، وقطع التيار الكهربائي عنه واستهداف خزانات المياه الأمر الذي أدى إلى توقف أجهزة الأوكسجين عن المرضى، وارتقاء عدد منهم، والأمر ذاته لقسم الحضانة للأطفال الخدج...فأخر كلمات صدع بها مديرها والطاقم الطبي والمرضى:"نحن نموت".
وسوم: العدد 1109