الدستور السوري و العقد الاجتماعي
بدأت قصة الدستور السوري مع نهاية الحكم العثماني و قبيل الاحتلال الفرنسي عام 1920 حيث تم إعلان المملكة السورية بقيادة الملك فيصل؛ ووضع أول دستور مؤقت للدولة كنتيجة للمؤتمر السوري العام برئاسة محمد فوزي باشا العظم، ثم صار هاشم الأتاسي رئيسا للمؤتمر في الثامن من آذار. وأعلن المؤتمر استقلال سوريا وقيام المملكة العربية السورية، و شكل المؤتمر لجنة خاصة برئاسة هاشم الأتاسي مهمتها صياغة دستور المملكة و جاء الدستور ب ١٢ فصل و١٧ مادة ؛ وأهم ما جاء فيه أن سوريا ملكية نيابية عاصمتها دمشق، و دين ملكها الإسلام، و جميع السوريين متساوين ولهم الحرية في إنشاء الجمعيات و الأحزاب والمشاركة في النشاط السياسي والاقتصادي ونص على الحرية الدينية ونشر المطبوعات ومنع النفي والعقاب دون محاكمة، ومنع السخرة التي كانت تقوم فيها السلطات العثمانية ومنع المصادرة الخ … أما الصلاحيات فترك الدستور للملك تشكيل الوزارة من غير أشخاص الأسرة المالكة وجعلها مسؤولة أمام المؤتمر، الذي يحق له حجب الثقة عنها ، لكنه لم يعمر طويلا بسبب الانتداب الفرنسي. و في ظل الانتداب جاء دستور عام 1930 و هو أول دستور دائم لسوريا وضع تحت إشراف المفوض السامي الفرنسي، و بالرغم من كونه يعني خطوة نحو الاستقلال إلا أنه ظل مقيدا بسيطرة الفرنسيين و في 14 أكتوبر عام 1948 تم تكليف تاج الدين الحسيني رئيسا لرئاسة الدولة ، ودعى لانتخابات لجنة تأسيسية، التي عقدت أول اجتماع لها في أيار و انتخب هاشم الأتاسي رئيسا لها، وجرت انتخابات نزيهة وتنافست فيها قائمتين أساسيتين قائمة الوطنيين الأحرار، وقائمة المعتدلين الموالين للانتداب وانتخبت الجمعية لجنة وضع دستور برئاسة إبراهيم هنانو، و عقدت اللجنة 15 جلسة تم خلالها وضع الدستور في الحادي عشر من آب حيث تم التصويت عليه وإقراره من الجمعية. جاء الدستور متوازنا في الفصل بين السلطات، واعتبر سوريا جمهورية نيابية عاصمتها دمشق و دين رئيسها الإسلام ، وصارت البلاد السورية منفصلة عن الدولة العثمانية وهي بالكامل وحدة سياسية لا تتجرأ. و بعد الحرب العالمية الأولى صار الدستور السوري شبيه بالدستور الفرنسي حيث كان رئيس الجمهورية ينتخب مجلس النواب، وله صلاحية تعيين رئيس الحكومة و يختار أعضائها بالتعاون مع الكتل البرلمانية، والرئيس له حق إصدار تشكيلة الحكومة وتكون مسؤولة أمام مجلس النواب وليس أمام الرئيس. و قد منح الدستور الرئيس حق نقد القوانين، و حل مجلس النواب. و كانت من مهامه أيضا إبرام الاتفاقيات الدولية و تبادل البعثات الدبلوماسية و تمثيل الدولة خارجيا و منح العفو العام. وتركت له كذلك وزارة الشؤون التنفيذية بالكامل، و حددت ولاية الرئيس بخمس سنوات ، وضمان تداول السلطة السلمي. حيث لا يجوز إعادة انتخاب الرئيس إلا بعد خمس سنوات أخرى على انقضاء رئاسته الأولى. أقرت الجمعية التأسيسية الدستور المكون من 115 مادة لكن المفوض الفرنسي وقتها رفض إصداره بحجة مخالفة صك الانتداب، و حقوق الدولة المنتدبة فرنسا و إصدار قرار بتعطيل الجمعية التأسيسية التي أسست الدستور بسبب الحراك السياسي و الضغط والمظاهرات. أقر المفوض السامي الدستور بعد أن اضاف إليه المادة 116، التي تنص على طي المواد التي تتعارض مع صك الانتداب حتى زواله عام 1939، حيث استقال الأتاسي و عطل الدستور و العمل به بسبب قيام الحرب العالمية الثانية حتى عام 1941 حيث أعيد العمل به عام 1943، و فازت فيها الكتلة الوطنية ووصل شكري القوتلي إلى الرئاسة . و بعد الاستقلال عام 1947 عدل الدستور بتحويل النظام الانتخابي من درجتين إلى درجة واحدة، و عدل مرة ثانية عام 1948 حيث تم السماح بانتخاب شكري القوتلي لولاية ثانية مباشرة بعد ولايته الأولى وفي آذار 1949 حدث انقلاب حسني الزعيم على الحكم المدني عسكريا، و علق العمل بهذا الدستور، ثم انقلب عليه سامي الحناوي عام1949 و نظمت انتخابات جمعية تأسيسية مرة أخرى، لوضع دستور للبلاد و هو دستور الخمسينيات 1950. والذي يعد من أكثر الدساتير السورية تقدمية في سوريا في حينها كونه ركز على الديمقراطية و حقوق الأفراد و حرياتهم.
و في السلسلة القادمة من قصة الدستور السوري سنتوقف عند دستور الخمسينيات وأهميته .
يتبع …..
وسوم: العدد 1110