الرئيس الأمريكي يدوس بعنجهية على القوانين الدولية مستخفا بها إرضاء لأهواء الصهاينة
لقد كان من المتوقع أن تصدر عن الرئيس الأمريكي تهديداته الصريحة بالاستيلاء على قطاع غزة ، وتهجير أهلها منها إلى دول الجوار ، وإلى غيرها من البلاد العربية رغما عن أنظمتها، لأن موقف حزبه معروف بأنه أكثر تصهينا من غريمه الديمقراطي ، وهما دائما يتنافسان من أجل كسب ود الصهاينة منذ جلبهم من كل المعمور ، وتوطينهم بأرض فلسطين سنة 1948 . ولقد صدق المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفسي حين قال إن الحزب الديمقراطي يعشق الصهاينة ، بينما يعبدهم الحزب الجمهوري، وذلك بسبب عقيدته الدينية ، وشتان بين عاشق وعابد .
إن ما صرح به ترامب وهو يستقبل مجرم حرب صادر في حقه اعتقال من طرف العدالة الدولية بسبب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة ، يعتبر دوسا على القوانين الدولية ، واستخفافا بها ، الشيء الذي يفرض على الهيئات الدولية المسؤولة عن تلك القوانين أن توقف هذا الرئيس المستخف بها عند حده أو تعلن أن العالم قد صار في حكم السائب عندما صار مصيره بيد دولة يعتبر من يحكمها نفسه وصيا عليه ، وأن وصايته تجعله يستبيح حرية الشعوب ، ويستبيح سيادتها على أوطانها ، ويستبيح أموالها وثرواتها ومقدراتها من أجل رفاهية شعبه على حساب بؤس شعوبها .
ولقد كرر ترامب بصيغة أوضح مقولة سلفه الجمهوي بوش الابن التي ذاعت في العالم بأسره يوم غزا العراق وأفغانستان ، والتي جاء فيها : " ليست لدينا عدوات دائمة ، ولا صداقات دائمة، بل لدينا مصالح دائمة " والقاسم المشترك بينهما فضلا عن انتمائهما لنفس الحزب أن كلاهما رجل أعمال يسخران السياسة من أجلها . ومع أن ما صرح به ترامب قد صادف هوى الصهاينة خصوصا يمينهم العنصري المتطرف ، فإنه تعبير عما سماه سلفه بوش المصالح الدائمة .
ولقد تأكد ما صرح به مرارا المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي من تآمر على قطاع غزة وعموم فلسطين تم التخطيط له في البيت الأبيض قبل طوفان الأقصى وقد استبقه هذا الأخير لإفشاله ونسفه من أساسه ، ويتعلق الأمر باحتلال القطاع من أجل تحويل طريق نقل ثروات بترول الخليج برا عبره ليصدر من مينائه إلى الدول الغربية وإلى غيرها من دول العالم تلافيا لطريقه عبر البحر الأحمر وقناة السويس الأكثر كلفة . وزاد ترامب في تصريحه عن هذه النية المبيتة حلمه بتحويل القطاع إلى جنة خالية من أهلها المشردين خارجه ليحل محلهم الصهاينة، والأمريكان، ومن على شاكلتهم من خلفائهم الأوروبيين .
إن تصريح ترامب يكشف عن خطته التي أعلن فيها أنه سيتولى السيطرة على القطاع عن طريق القوة العسكرية ، ويتولى الاستحواذ على ما سماه أموال الدول الغنية في المنطقة لاستخدامها في إعداد جنته التي يحلم بها هو وشركاؤه الصهاينة ومن يوالونهم من الأوروبيين .
ولم يقف تهديد ترامب عند حد إعلان احتلاله قطاع غزة لسنوات، بل تعدى الأمر ذلك إلى التصريح بإطلاق يد الصهاينة لضم الضفة الغربية إلى ما يحتلونه من أرض فلسطين ،علما بأن الصهاينة يرغبون أيضا في إفراغها هي الأخرى من أهلها ، كما بعبر عن ذلك بكل وقاحة العنصريون المتطرفون منهم من أمثال " بنغفير": و" سموترتش" .
ولقد تضمن تصريح ترامب أيضا التلويح بوضع جديد في منطقة الشرق الأوسط ، لأن الوضع السابق الذي عُمِّر لعقود لا يمكن أن يظل قائما في نظره ، وهو يلمح إلى ما سمي من قبل صفقة القرن التي بموجبها ستتمدد سلطة الكيان الصهيوني في عموم الوطن العربي من أجل رخائه ، ورخاء الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره عرّابها الذي استنبتته في المنطقة من أجل مصالحها الدائمة.
ولقد كان طوفان الأقصى مفاجأة غير متوقعة بالنسبة للكيان الصهيوني وبالنسبة لحلفائه الأمريكان والأوروبيين حيث فرض وضعا جديدا في المنطقة أفشل صفقة القرن ونسفها من أساسها، وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد بعدما اعتقد أنها صارت في خبر كان ، ولهذا يحاول ترامب الحد من تداعيات هذا الطوفان ، وذلك من أجل بعث الحياة في الصفقة التي أفشلت من جديد عن طريق اعتماد أساليب التهديد والوعيد .
إن العالم كان يتوقع أن يكون موقف ترامب متوازنا بحيث يعترف للشعب الفلسطيني بحقه في الوجود ، وفي الحرية ، وفي استقلال وطنه، وفوق أرضه إلا أن ما حدث هو إجهازه صارخ على القضية الفلسطينية من أجل طي ملفها حتى يتسنى له إشباع نهمه الاقتصادي، خصوصا وهو مقبل على حرب اقتصادية مع المارد الصيني الذي ينافسه على الهيمنة الاقتصادية في العالم ، وهو منافس يجيد الحرب الاقتصادية ، ولا يتورط في الحروب الساخنة والمكلفة.
ومعلوم أن تصريحات ترامب المهددة للفلسطينيين بالتهجير القسري من أرضهم قد ألزمت أنظمة البلاد العربية والإسلامية بالتصدي لأطماعه وأطماع الصهاينة . وإذا كان لا بد من جديد في موضوع القضية الفلسطينية ، فهو ضرورة حدوث تغيير جذري في التعامل معها ، ويكون ذلك عبارة عن بديل يقف بالمرصاد لما ينوي القيام به ترامب ، علما بأنه لا بديل عن إلحاح تلك الأنظمة التي تعتبر مسؤولة عن أرض فلسطين لقدسيتها الدينية بالمطالبة بالحل العادل،و الشامل،, والدائم للقضية الفلسطينية ، وهو وحده فقط ما سيحل بالشرق الأوسط سلاما حقيقيا ودائما .معلوم أن أكبر خطإ سترتكب تلك الأنظمة ، وستندم عليه شديد الندم هو الخضوع لحماقات ترامب ، والخوف من وعيده وتهديده متجاهلة إرادة شعوبها والتي قد يتحول غضبها إلى طوفان عظيم لا تحمد عواقبه ، ولهذا عليها أن تتصالح مع شعوبها ، وأن تحتمي بها من تهديدات ترامب ، وتجعلها حاضنة لها تمنعها من أن تصير دمى في يده يعبث بها كما يشاء من أجل الاستحواذ على خيرات ومقدرات بلدانها . وإنه لا مفر للأنظمة العربية والإسلامية من الاحتماء بشعوبها التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تفرط في أرض الإسراء والمعراج لأنها رمز من رموز دينها الإسلامي الحنيف . ولا يجب أن تغتر بحماية ترامب لها من غضب شعوبها إن هي فرطت في هذا المقدس. ولا يجب أيضا أن تنسى بأن ترامب راحل لا محالة، كما رحل من قبل عن السلطة ، وكما رحل غيره من قبله ، وبأن القضية الفلسطينية باقية ما بقيت الحياة فوق هذه البسيطة ، ولله ميراث السماوت والأرض ، وإليه يرجه الأمر كله .
وسوم: العدد 1114