سوريا وإسرائيل بين «سهم باشان» وزيارة «النبي شعيب»!
لم تتأخر إسرائيل البتة عن إظهار موقفها المعادي للسلطات الجديدة في دمشق، حيث أعلنت إطلاق عملية «سهم باشان» في يوم سقوط نظام بشار الأسد (8 كانون أول/ ديسمبر 2024) والتي شملت أكثر من 400 غارة، محتلة أراضي سورية جديدة، ومتابعة التوغّل والاعتداءات على السكان والمواقع العسكرية، بما فيها غارة باثنتين وعشرين مقاتلة على موقع في محافظة السويداء مؤخرا، والتهديدات المبطّنة للمسؤولين السوريين وللرئيس أحمد الشرع نفسه، ومن الواضح أن الغارة الأخيرة التي نفذتها في دمشق، باستهداف المنزل السابق لزعيم حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، هي إشارة التهديد الأقرب جغرافيا لقادة النظام الجديد.
ترافقت هذه العمليات العسكرية مع استخدام تل أبيب راية سياسية هي «حماية الأقليات» داخل سوريا، مع شغل مركز على طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وصل إلى حد التهديد بالتدخّل العسكري لـ»حمايتهم» ليس فقط في جنوب البلاد، حيث تعيش أغلبيتهم في محافظة السويداء، بل كذلك في منطقة جرمانا، المتصلة بالعاصمة دمشق، وكذلك بالحديث عن تخصيص الجيش الإسرائيلي مليار دولار لـ»دعمهم» وعن فتح الحدود لاستقدام عمال دروز من سوريا، وعن توزيع «مساعدات غذائية» وأمس الجمعة، عبر فتح حدود الجولان المحتل لقدوم وفد من قرية حضر الدرزية في محافظة القنيطرة لـ»زيارة مقام النبي شعيب» أحد المقامات المقدسة للمسلمين عموما، وللدروز خصوصا.
اثارت الزيارة ردود فعل ضمن الهيئات الدينية والشعبية للموحدين الدروز في سوريا ولبنان وإسرائيل، ففيما حذرت مشيخة العقل في لبنان من المشاركة في الزيارة، واستنكر بعض أهالي القرية الأمر، اعتبر الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، الزيارة «يوما تاريخيا» للطائفة بعد عقود من الانقطاع.
جاءت ردود مناهضة للزيارة من بعض النخب الدرزية في إسرائيل والجولان المحتل، فقال أحد مثقفيها إنه «من الواضح أن إسرائيل الرسمية جاهزة بخطط مشاريع لاستغلال الأوضاع في سوريا. من التوسع والتفتيت ومنع قيام دولة معقولة إلى إنشاء «دويلة درزية» أسقطت في السابق إلى جيوب جاهزة للعمل وفق أوامر تل أبيب» وإن «التدمير الذي أحدثه نظام المجازر لآل الأسد، على مدار خمسة عقود، من تفكيك للمجتمع وتطييفه وتقسيم البلاد وتوزيع مواردها، هو أفضل مدخل لإسرائيل وغيرها كي تلعب لعبتها».
فيما أشار آخر، إلى سماح دولة الاحتلال لمشايخ دروز بزيارة الأماكن المقدسة الدرزية «فيما تدنس أماكن المسلمين المقدسة وتمنعهم من الصلاة في مساجدهم التي نجت مؤقتا من القصف والدمار، ثم تجند كل زعرانها للاعتداء على الحجاج المسيحيين في شوارع القدس القديمة».
تجيء الزيارة في ظل توترات أمنية وسياسية داخل سوريا، فبعد المعارك التي شنّها «فلول نظام الأسد» التي أدت لمقتل أكثر من 300 من عناصر الأمن، وعمليات الانتقام الطائفية التي تبعتها ضد العلويين وأدت إلى مجازر حصدت أرواح المئات، انفتح الباب لانفراج كبير مع توقيع الرئيس السوري الشرع اتفاقا مع الزعيم الكردي مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» تبعه إرسال الدروز، ممثلين بشيخ العقل حكمت الهجري، مطالب للسلطات، وتوقيع «الإعلان الدستوري» لتتوتّر الأجواء مجددا، وترتفع الاتهامات للنظام بالتطرّف والاستفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين.
الواضح أن الأوضاع الصعبة جدا التي يعيشها السوريون عموما (يقارب مستوى الفقر 90٪) والقرارات التي قامت بها السلطات الجديدة، من حلّ للجيش، وتسريح لعشرات الآلاف من العاملين في الجيش والأمن والقطاع العام، وتداعيات معارك الساحل، وبعض الإجراءات الأخرى تراكبت كلها مع مشاعر الإقصاء عن القرار ومخاوف التسلط الأيديولوجي والديني، والواضح أن البعض وجد في نفوذ إسرائيل الهائل في الإقليم، بعد الحرب ضد «حزب الله» و«حماس» وإيران، وتوظيف تهديداتها، وسيلة للضغط السياسيّ على السلطات الحالية.
واضح أيضا أن السلطات الحالية، تتعلّم بسرعة من أخطائها، وتستجيب لضغوط الشارع ومطالبه، وأن بعضا من التصعيد الإسرائيلي ناتج من نجاح هذه السلطات في تفكيك ألغام كثيرة، وفي قدرتها على مفاجأة تل أبيب كل يوم، والمتوقع أن تستطيع، مع الأيام، ومن خلال المظلة العربية والدولية التي تتوسع لدعمها، أن ترد على «سهم باشان» وأن تستعيد ثقة شعبها، فتستعيد اللاجئين، وتعيد البنى التحتية، وتصالح المنكوبين، وتستعيد السيادة وتؤسس لعقد سياسيّ يضم الجميع.
وسوم: العدد 1120