اتحاد كتّاب بسكرة ( الجزائر ) والمشروع الثقافي الجريء..
اتحاد كتّاب بسكرة ( الجزائر )
والمشروع الثقافي الجريء..
عبد الله لالي
إنّ من أعظم ما يطمح إليه الكتّاب والمبدعون هو طباعة نتاجاتهم الإبداعيّة والخروج بها في حلّة بهيّة وطباعة لائقة للقرّاء، يريدون أن يقرأ النّاس إبداعهم وأن يتفاعلوا مع أفكارهم وأن يعبّروا عن رأيهم فيها سلبا أو إيجابا، و أشدّ ما يدمّر المبدع ويقتل روح الإبداع فيه، هو الصّمت والتجاهل هذا إذا كان إبداعه منشورا ومتاحا للقرّاء، فما بالك إذا لم يُنشر أصلا ولم يَسمع به أحد..
وعندما قال لي الأستاذ محمّد الكامل بن زيد هناك مشروع طبع 15 عملا إبداعيّا لكتّاب بسكرة، شجّعته على ذلك وأيّدته فيه، وأنا أظنّ أنّ المشروع حلمٌ عظيم يستحقّ المغامرة والتضحية بالجهد والمال، ولكن كنت أراه حلما صعبا إلى حدّ ما، يحتاج إلى سنين كي يتحقق ويحتاج إلى معجزة – ربّما – لكي يظهر للوجود بشكل محترم ومقنع، ولكنّ رئيس فرع اتحاد كتّاب بسكرة محمّد الكامل بن زيد أثبت لي أنّه بالتصميم والمثابرة وشيء من الحظ؛ يمكن أن تصبح المعجزات واقعا مرئيّا وملموسا، بل مقروءا ومحتفى به..
كان محمّد الكامل المبدع الدؤوب ورجل الحرف المتفاني؛ على موعد مع الأستاذ عمر كبّور رجل الثقافة المدهش بامتياز، وكان التقاؤهما فيضًا من العطاء ودفقا من الإنجاز الباهر.. يدٌ ممتدّة من مديريّة الثقافة بالمعونة والسّند اللازم، وأخرى شاكرة وممتنّة ومنفّذة من فرع اتحاد كتّاب بسكرة لإنجاز مشروع عظيم، لإصدار 15 عنوانا إبداعيّا لكتّاب وأدباء ولاية بسكرة ضمن سلسلة ( رؤى ثقافيّة ).. وكان الكتّاب والمبدعون في الموعد وأعطوا ثقتهم الكاملة للمشروع – الحلم – ليصير واقعا مدهشا وعناوين مقروءة أضيفت إلى المكتبة الجزائريّة بأناقة خالبة وجرأة أكثر إبهارا..
وجاءت الموجة الأولى أربعة من العنواين السّاحرة: ( في زمن الأصيل ) ديوان للشاعر الفحل الأصيل ابن البرج الذي اكتشفناه مؤخرا، لكن اكتشفناه شاعرا مكتملَ الأداة واللّغة والفنّ وكأنّما عثرنا بجوهرة كانت مغيّبة في دهاليز البرج الغنّيّة..
و( نوافذ موجعة ) مجموعة قصصيّة لفاكية صبّاحي هذا الاسم الذي لم يكن غائبا عن الأسماع، ولا مجهولا عند الكتّاب المتتبعين، لكن أن يظهر بكلّ هذا الألق وبهذه السّلطة الإبداعيّة المخترقة لكلّ ألوان التجاهل او الغفلة، سلطة القلم الذي يقول: ها أنذا ..امرأة تكتب ..امرأة تقول الشعر في قوالب قصصيّة أو قصصا في قوالب شعريّة فذلك هو السّحر بعينه ..لو لم يكن لاتحاد الكتاب – فرع بسكرة من اكتشاف لهذا الموسم – سوى هذا الاسم الأنثوي البارع لكفى..امرأة بحجم مي زيادة أو غادة السّماة وأحلام مستغانمي تختبئ في حواري بسكرة..
واسم آخر جديد تمام الجدّة بالنّسبة لي ولكنّه يفرض سلطانه الإبداعي بقوة في ديوانه المميّز ( وله النّون ) للأستاذ محمّد البشير عيّاش ليترك قارئه في دهشة العنوان يقلّب معانيه كيف ما أراد له الخيال وحروف الكاتب المشعّة ..
( المشي خلف حارس المعبد ) مجموعة قصصيّة لرئيس الفرع الأستاذ محمّد الكامل بن زيد أو الجنرال الزّيات كما أحبّ أن اسميه، ويلذّ له أن أناديه به – ولذلك قصّة أخرى – وهو كتاب آخر ضمن سلسلة كتبه الرّائعة التي دأب على إصدارها، منذ مدّة وبانتظام يفرض الدهشة والاحترام معا.. ولم يخطئ بعض قرّائه عندما قال له إنّ في أسلوبك رائحة كتاب أمريكا اللاتينيّة، قبل أن يعرف محمّد الكامل بن زيد أدبَ أمريكا اللاتينيّة بشكل معمّق، وهو توافق عجيب – لحظته أنا أيضا دون أن أقدر على تسميته – إلاّ بعد حين، أسلوب غارسيا وعصابته الواقعيّة السّحريّة ينطلق من الحفرة وزقاق بن رمضان، ليُدهش القارئ في أندونيسيا وأمريكا وروسيا وجبال الألب في أوريا لو أتيح لكتاباته من يترجمها..
وتلا ذلك خمسة عنواين أخرى :
و( للمدى خطوة، أخرى لعينيك ) مجموعة قصصيّة للأستاذ الباحث علي دغمان ابن بسكرة البكر ذو اللّغة المختلفة والنّمط الأسلوبي المتدفّق في متاهة البحث عن الجديد والمختلف، مبدع مكتمل الأدوات هو الآخر لكن متوارٍ بغلالة من الخجل سرعان ما انزاحت عن مقاتل شرس لا ترعبه دهشة السّؤال، ولا تعيق تقدّمه عقابيل التثبيط المبثوثة في طرقات المدينة..
و( التّعريف بالمقرّرات التي درسها الشيخ عبد المجيد حبّة في مرحلة الطلب ) للأستاذ عز الدّين العقبي ( عز الدّين بالطّيب) وهو كتاب يتحدّث عن المقرّرات التي كان يدرسها الشيخ عبد المجيد حبّة عن مشايخه، وألّف الكتاب بمناسبة مرور عشرين عاما على وفاة الشيخ عبد المجيد حبّة، وهو الكتاب الأوّل للمؤلّف..
الكتاب الآخر وهو كتاب مميّز بعنوان جذّاب ( المناظرة في القرآن الكريم بحث في الأساليب ) للأستاذة مزاري زينب، وهو بحث في الدّراسات اللّغويّة.
ثمّ يأتي أيضا كتاب ( البنيويّة التكوينيّة ) دراسة متخصّصة للدكتور محمّد الأمين بحري تتحدّث عن الأصول الفلسفيّة والمنهجيّة في البنويّة التكوينيّة، بحث أكاديمي معمّق لا يتسغني عنه الدّارسون والطلبة..
أمّا الأستاذ محمّد علوي فقد اختار أن يكون كتابه بعنوان ( قادة ولايات الثورة الجزائريّة )، وهو عبارة عن تراجم أربعة وثلاثين علما من أعلام ( قادة ) الثورة التحريريّة المباركة..
ولاتزال هناك ستّة عنواين أخرى هي قيد الطبع وقد تصدر تباعا بإذن الله تعالى، ويلاحظ على إصدارات فرع اتحاد كتّاب بسكرة أنّها متنوّعة وشاملة لمختلف مناحي الثقافة والفكر والإبداع، مع إتاحة الفرصة لكلّ الكتّاب والمبدعين لإصدار إبداعاتهم، وكان منهم الكتّاب المعروفون والذين لهم سبق في النشر والكتابة ومنهم من نشر لأوّل مرّة، وهذه قسمة عادلة وفرصة مُكّن منها كلّ من أراد، وتواصل مع الاتحاد واختيرت الأعمال وفقا للمقاييس العلميّة والمنهجيّة لمعمول بها، مع شيء من المرونة والتفهم لكلّ كاتب مستجد.
وقد كشفت لنا هذه المبادرة الجديدة والجريئة عن أسماء كثيرة كانت في الظلّ، وظهرت بقوّة إبداعيّة لا تنكر، وأظهرت موهبة كان لابدّ لها أن تبرز لجمهور القرّاء، ويتفاعل معها الكتّاب والمثقفون...ونتمنّى أن تكون الخطوة التي تؤسّس لعمل دائم وتقليد ثقافي يتواصل على أسس صحيحة ..وخير الأعمال أدومها وإن قلّ كما يقول نبينا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.