حين يتريّث الكبير
معمر حبار
حين انتهوا من تناول وجبة العَشَاء، بمناسبة زواج إبنت أحد الزملاء، تقدّموا لصلاة العِشَاء. فخرجوا للفناء، حيث المساحة الشاسعة، واصطفوا جميعا ينتظرون أن يتقدّم الإمام الفقيه بوعبدالله، ليصلي بهم. وحين طال انتظارهم، طلبوا منه أن يتقدّم للإمامة. فقال الإمام الفقيه، بكل أدب واحترام: ألا يوجد من يصلي؟. ثم طلبوا منه مرة أخرى أن يِؤمهم. فتقدم وصلى بالقوم.
ولكي يعرف القارىء، نبل هذا الفعل وسموه، عليه أن يعرف، أن الإمام الفقيه بوعبد الله، مشرف على تخريج الأئمة في معهد غليزان منذ 11 سنة. وكان يؤم الناس، وعمره 15 سنة. وإمام رسمي منذ سنة 1983. وتتلمذ لمدة 10 سنوات على يد العالم الفقيه، الشيخ الجيلالي البودالي الفارسي، من أولا فارس. وهو من آيات الله في اللغة والفقه والتفسير والخطابة وطلاقة اللسان، حتّى أن الشيخ ابن باديس، كان يكلّفه شخصيا بكتابة المقالات، لما أوتي من روعة البيان.
وإنه لمن تمام الأدب، أن لايتقدّم المرء، إلا إذا قدّمه غيره في كل ماهو غالي وعالي. وإنه لمن الصغر وسوء الأدب القاسم للظهر، أن يتقدّم الضعيف من يفوقه علما وفقها وأدبا. ومن الجرائم التي تحدث ، أن يُمنع المتخصص والمتمكن في علمه وصنعته على يد من لايعرف قدر أهل العلم ، فيضيّع على نفسه فرصة التعلّم والتأدب، ويُحرم بمنعه، وسوء أدبه المجتمع من الاستفادة ، ممن لهم حق تعليم الناس، وتربيتهم.
وفي كتاب "والدي"، للعالم محمد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله عليه. يوصيه الأب، أن لايتقدّم للإمامة، ولو كان أعلمهم وأفقههم، إلا بعد أن يطلب منه النّاس ذلك. وفعلا استمر على ذلك زمنا، وهو العالم الفقيه المتمكن.
كتبت بتاريخ: 02-09-2013 على صفحتي: جمال الإمامة وكمالها، أن لاتظن نفسك أنك الأفضل ، ولا تحرمها الأفضل.
واليوم، وبعد الذي رآه البارحة على يد الإمام الفقيه بوعبد الله، يقول: من تمام الإمامة وكمالها، أن لاتتقدّم ولو كنت الأفضل. وكلّما امتنع صاحب الفضل والعلم، قدّمه أهل الفضل والعلم. ومن كان هذا حاله، ظل وإلى الأبد في المقدمة، يقود الأفاضل.