بطولة الحرائر ودموع مريم !
أ.د. حلمي محمد القاعود
قالت الأنباء إن مذيعا يعمل لدى رجل أعمال طائفي عدو للإسلام والوطن ، ويرعى عمليات العنف والبلطجة ويسعى لتقويض التجربة الديمقراطية والقضاء على ثورة يناير قد بكى على الهواء في أثناء تقديمه حلقة من برنامجه على قناة رجل الأعمال المذكور ، وذلك عند تعليقه على مقتل الطالبتين في حادث كنيسة العذراء بالوراق، وقد أشار المذيع عرضا إلى ضحايا رابعة العدوية ونهضة مصر. ثم نشر في الحلقة صورًا للفصلين اللذين كانت تدرس فيهما الطالبتان مريم ومريم، كانت إحداهما في التعليم الابتدائي والأخرى في المرحلة الإعدادية، وأكد المذيع أن أصدقاء الطالبتين من المسلمين بكوا بكاء شديدًا من أجلهما ، مشددًا على أن هذه الصور تؤكد أن جذور مصر وهويتها محفوظة، ولن يستطيع أحد أن يقتلعها، وأنه لن يستطيع أحد التفريق بين أبناء الشعب، لا فتوى ولا شيخا، ولا تهديدا بالسلاح في الشارع. ، كما أكد المذيع أن الناس جميعا بكوا على أسماء البلتاجي وعلى ضحايا رابعة العدوية وميدان النهضة، وكل من ماتوا في الأحداث، لأن الدم واحد. وأخيرا أجهش المذيع بالبكاء في أثناء تعليقه على صور الطالبات وهن يبكين الطالبتين الزميليتين مريم ومريم وطلب الخروج إلى فاصل !
هذا حدث نادر يحدث على قنوات عدو الإسلام والوطن والديمقراطية . وهو أمر جيد ولا باس به ، فقد كنا نتمنى أن تكون نظرة هذه القنوات وطنية في كل الأحوال والظروف ، ولكنها للأسف لا تتحرك ولا تغضب ولا تحزن ولا تضع الشريط الأسود إلا إذا كان الضحايا من غير المسلمين . كنت أتمنى أن يكون الدم خطا أحمر لا يجوز لأي طرف أن يولغ في دماء الآخرين ولا أن يستبيحها ولا أن يحلل سفكها ، ولا يرضى بالإبادة الجماعية على الطريقة النازية المجرمة وفقا لمنهج نحن شعب وأنتم شعب ، ولنا رب ولكم رب ، وكما حدث في دار الحرس الجمهوري والمنصة والمنصورة والنهضة ورابعة ورمسيس وجامع الفتح وعبد المنعم رياض ودلجا وكرداسة وناهيا وميادين المحافظات وشوارعها .
الحكومة الانقلابية تستبيح دماء المسلمين ولا ترى في سفكها مشكلة ، ولكن الدم الآخر مقدس . رئيس الوزراء الانقلابي الحالي نعي الطالبتين وأدان حادث الوراق وذهب إلى مستشفى المعادي ليطمئن على المصابين – ولا أدري هل أخبره أحد أن من بينهم ثلاثة من الإخوان المسلمين ؟ - ولكنه في مجزرة رابعة وبقية المجازر التي تعرض لها المسلمون لم ينع أحدا ، ولم يدن الجريمة ولم يذهب لمواساة المصابين ، ولكنه – ياللعار- حلل دماء المسلمين في تصريحات لصحف عالمية تأسيا بما فعلته أميركا في فيتنام والعراق دون أن يخجل !
مقتل الطالبتين عند كنيسة الوراق عمل إجرامي بامتياز ، وكل الدلائل ترجح أن وراءه يدا نجسة تريد التغطية على جرائم أكبر في حق الوطن والأمة والإسلام ، وأنه ينتمي إلى عينة الحوادث التي أدمنها جهاز الشر الذي فجر كنيسة القديسين وغيرها .
ثم إن هناك ضابطا هاربا في الولايات المتحدة كتب وأعلن وصرح أن حادث الوراق وراءه رجل الأعمال المليونير الطائفي الذي يستخدم أمواله الحرام في تحريك البلطجية التابعين للأمن من أجل تحقيق أهدافة الدنيئة بتقسيم الوطن وتخريبه وتدميره .
المنافقون الأفاقون يلصقون جريمة الوراق النكراء بالتيار الإسلامي ، وكل جريمة تحدث في أرجاء الوطن يتم إلصاقها على الفور بهذا التيار ، ولكن ماذا نقول فيما كشف عنه أحمد مجدي الصحفي بجريدة المصري اليوم الموالية للانقلاب العسكري من أن جريمة كنيسة الوراق حادث جنائي وتصفية حسابات بين بعض الأهالي من التبين وشقيق العروسة؟
لقد قال مجدي في صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" : موضوع الكنيسه طلع بعيد عن الارهاب والاسلاميين ... مشكلة قديمة بين أخو العروسة وناس من "التبين " بسبب تجارة سلاح .. تصفية حسابات. ".
المشكل أن إعلام الدعارة الذي يقوده اللصوص الكبار والفاسدون وأحذية العسكر ، لا يبكي ولا يلطم على ضحية إلا إذا كانت غير مسلمة ، أما إذا كانت مسلمة ، فالأمر سهل وبسيط للغاية ، وكان النظام الناصري يطلق الأغاني في الإذاعات عقب قتل علماء الإسلام أو أعدامهم ، مثلا عندما أعدم الشهيد إن شاء الله سيد قطب ، وبعد إذاعة الخبر في الإذاعة ، انطلقت أغنية بسبس نو يا بسبس نو .. خلاص الجو احلو . وعندما أبيد المسلمون في رابعة والنهضة ورمسيس والفتح خرجت أغنية تسلم الأيادي ابتهاجا بالإبادة والطبخ الجماعي للجثث !
النظام الانقلابي الدموي الفاشي لم يستثن المرأة في تجلياته الإجرامية ، ولكنه قتل المئات من النساء والشابات والأطفال مع من قتل من الرجال والشباب الذين يركعون لله ويسجدون ، ويطالبون بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية ، ولم يكتف بذلك بل اعتقل الحرائر وأدخلهن السجون وعذبهن ، ووضعهن مع السجينات الجنائيات ، بل ذهب أبعد من ذلك حيث تعرض للطالبات في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية ضد الانقلاب الدموي الفاشي ، واعتدي عليهن . ولعلك تضحك وشر البلية مايضحك حين تسمع عن اعتقاله خمس فتيات لأنهن يحملن بلالين عليها شعار رابعة !
المرأة المصرية وقفت في بطولة رائعة تدافع عن الحرية والديمقراطية ، ولم تكن المرأة المسلمة وحدها بل وقفت معها المرأة المسيحية على منصة رابعة وفي المظاهرات والمسيرات والسلاسل البشرية ، بل ظهرت من بينهن مدافعات شريفات على شاشات التلفزيون وفي الصحافة يرفضن الانقلاب الدموي ويطالبن بحرية الوطن وحق الشعب في التعبير عن إرادته ، ولكن المنافقين لا يفقهون .
ستبقى الشهيدات والأسيرات والمصابات رمزا لبطولة المرأة المصرية التي ضحت دون انتظار عائد مثلما تفعل كارهات الإسلام المواليات للانقلاب الدموي والباحثات عن مناصب وشهرة ومنافع . ستبقى هالة أبوشعيشع بنت المنصورة ، وأسماء بنت محمد البلتاجي من رموز الثورة العظيمة التي واجهت الهمجية الوحشية للقتلة والبلطجية الذين حركهم الخونة المعادون للإسلام والوطن والديمقراطية ، وأيضا أولئك الذين خانوا الحركة الإسلامية ووقفوا إلى جوار الطغاة الظلمة ، واكتفوا – ياللعار – أن يقولوا للمرأة المجاهدة : صوتك عورة ! أف لكم ولما تعبدون من دون الله !
لقد أطلقت بلدية "ياقوتية" في ولاية "أرض الروم" شرق تركيا، اسم "أسماء" على حديقة عامة ستفتتح بها قريبًا، لإحياء ذكرى الشهيدة أسماء البلتاجي ، ورفعت المرأة المجاهدة شعار رابعة تخليدا لذكرى الشهداء والشهيدات ، ونظمت فتيات ضد الانقلاب زيارات لأسر الشهداء ومنازل أهالي المعتقلين للمواساة والمعايدة . وما زالت المرأة المصرية تقدم نموذجا فائقا للجهاد يسجله التاريخ بحروف من نور في أنصع صفحاته . ويبقى الخزي والعار للقتلة والجلادين والخونة والمنافقين!
