نماذج نسائية في أدب آسيا جبار
عبد القادر كعبان
أسيا جبار جزائرية الأصول إسمها الحقيقي فاطمة الزهراء إمالاين، عشقها للأدب نقلها من القرى الواقعة في سفح جبال الأطلس الى الأكاديمية الفرنسية التي انتخبت عضوا فيها سنة 2005 لتكون أول كاتبة عربية و خامس امرأة تدخل هذه المؤسسة الثقافية الكبرى.
هذه الروائية المتميزة من مواليد مدينة شرشال سنة 1936 من أم بربرية و أب معلم الذي يعود له الفضل بتسجيلها في المدرسة الإبتدائية عكس بنات أعمامها اللواتي لم يحظين بهذه الفرصة، و بلا شك فإن ذكاءها و وعيها الحاد جعل منها طالبة متفوقة من بين زميلاتها.
نشرت آسيا جبار روايتها الأولى قبل استقلال الجزائر وكان عمرها بالكاد حينها عشرين عاما. تنوعت موضوعات أعمالها الروائية بين الحرب والعوائل الممزقة، ولكن تناولت أيضا الشخصيات النسائية كالمرأة الريفية الفقيرة، الموظفة، الطالبة، ربة البيت و غيرها من نماذج المجتمع الجزائري.
عملها الأول عنوانه "العطش" الصادر سنة 1957، تدفعنا الروائية من خلاله لإكتشاف الأحداث التي تعكس مسألة الزواج من الأجنبيات من خلال البطلة نادية التي تحاول إثارة غيرة حسين عن طريق زوج صديقتها جدلة، لكن هذه الأخيرة تخاف من فقدان زوجها، وقد كانت تنتظر طفلا لا تريده، ولم تكن تثق في امكانية بلوغ سعادتها مع علي الذي أخبرها أن له ولداً من فرنسية أثناء إقامته بباريس. تنتهي الرواية بإجهاض جدلة وموتها وزواج نادية من حسين.
وصفها النقاد بأنها صوت ناطق بإسم المرأة المقيدة الخاضعة للمعاناة التي يفرضها المجتمع الجزائري، وهي إمرأة واثقة بنفسها بل هي متمردة ناعمة تحقق أهدافها عبر كلمات تقنع كل من يستسلم لصفحات كتبها و هذا ما نجده على سبيل المثال في روايتها الثانية "القلقون" (1958) أين تظهر البطلة دليلة الفتاة التي نشأت في بيت كبير و التي تتعرف على شخصية سليم حيث يتقابلان سرا في الجزائر كغريبين. تفشل علاقتهما الغرامية وذلك لعدم التوافق بين أصول تربيتهما التقليدية وتحررهما المطلق.
روايتها الثالثة "أطفال العالم الجديد" (1962) التي رسمت إسمها بحروف من ذهب بين كتاب الرواية في المغرب العربي تبرز شخصية المرأة المناضلة لأجل القضية الوطنية كشخصية حسيبة التي تلتحق بالثورة منذ بلوغها سن السادسة عشرة سنة و التي عبرت عنها آسيا جبار أنها "ثورة الجميع" و يحق لعنصر المرأة المشاركة فيها جنبا الى جنب مع أخيها الرجل.
اكتشفت آسيا جبار أن نقطة الإنطلاق في عملية الكتابة لديها تكمن في التعبير عن ما تعيشه المرأة و علاقتها بالمقاومة لأجل الحرية حيث أصدرت سنة 1980 كتابا عنوانه "نساء الجزائر" أين تغامر المؤلفة بنسج قصص ذات أسلوب جديد كتلك الحوارات بين شخصيات نسائية و رنين اللغة و توظيف تقنية المونتاج كالمستخدم في الأفلام السنيمائية.
لقد تابعت الأديبة أسيا جبار مسيرتها الروائية التي لم تخلو من عملية التجريب المتواصل لتدوين صفحات من الذاكرة لكي يخلدها الزمن، بين اللغة الشفوية المتناقلة بين الأفواه والآذان، إلى اللغة المكتوبة التي تتجاذبها الحروف المرسومة على هيئات منسجمة تنشر الحضور وتطارد النسيان و على سبيل المثال نذكر روايتها الموسومة "إمرأة بلا قبر" ( 2002 ) أين تروي لنا قصة المجاهدة زوليخة التي وعلى الرغم من تعلقها بأبنائها، فإن التزامها بقضايا وطنها كان أقوى، تصعد إلى الجبل سنة 1957 وتترك إبنيها الصغيرين في حضن أختهما الكبرى. تشكل تنظيما مقاوماً من نساء المدينة المتضامنات مع الثورة، وتوكل إليهن مهمة جمع الأموال والمؤونة والأدوية على أن تتولى هي نقلها إلى الجبل حيث كان أربعون شاباً في انتظارها، كانت أماً رمزية بالنسبة إليهم. تقبض عليها السلطات الفرنسية سنة 1958، ويتم توقيفها واستنطاقها، وتسلط عليها ألوان من التعذيب على مرأى من الأهالي، ولكن جلاديها لم يعيدوا جسدها إلى أهلها.
رغم أن أسيا جبار اختارت القلم كسلاح يعكس صدى الوجع النسوي على الورق لم تكشف سوى عن إمرأة شفافة و عقلانية وهادئة حجتها الكلمة، هذا الأمر الذي جعل الآراء تتضارب حول مسيرتها الأدبية فهناك من يرى أن أعمالها لا تصلح للقراءة كونها تتعدى الخطوط الحمر لكن كل هذا لم يكن سوى حافزا آخر لآسيا الروائية لتكسر حاجز الصمت سواء من ناحية السرد أو لهجة اللغة الحريصة عموما على التناغم و الأبعاد الإيقاعية، و لا يفوتنا في هذا المقام الإستشهاد بمقولة الأديبة الجزائرية زهور ونيسي التي التقتها لدى تكريمها بجائزة المكتبيين الألمان للسلام ببرلين سنة 1982، حيث ألقت جبار كلمة بالمناسبة، وصفتها ونيسي كالتالي: "'استطاعت جبار في كلمتها أن تنبه إلى وجود ثقافة عربية إسلامية هامة، مدت العالم بأفكار وتجارب، وهو ما أعجبني فيها رغم أن بدايتها كانت ضيقة مرتبطة بالتراث الفرنسي.. أعتقد أن آسيا جبار شعرت أنها من دون الحضارة العربية والإسلامية لا تساوي شيئا''.