الحركات الإسلامية الكردية

ساحة فقيرة ومقاتلون أكراد في فصائل جهادية

تقرير: محمد غريبو

مسار برس (خاص)

يُعتبر المجتمع الكردي في سورية فقيرا بالحركات والتيارات الإسلامية السياسية قياسا بغيرها من الأحزاب والتيارات القومية، كما يشهد المجتمع الكردي كذلك انضمام العديد من المقاتلين الأكراد إلى صفوف التنظيمات الإسلامية الجهادية التي تقاتل ضد أحزاب كردية في شمال سورية.

“مسار برس” تلقي الضوء على واقع التيارات الإسلامية الكردية ونظرة القوميين الأكراد إليها، وتكشف عن الأسباب والدوافع التي جعلت المقاتلين الأكراد ينضمون إلى تنظيمات إسلامية تقاتل مؤخرا بعض أبناء جلدتهم.

الأكراد والفكر السياسي

كان للأكراد تاريخيّا مواقف كثيرة في خدمة الإسلام والذود عنه، وخاصة في مواجهة الصليبين والمغول، وكذلك في حروب العثمانيين ضد الصفويين والروس.

ويعتبر الشعب الكردي مسلما في غالبيته العظمى، وتقدر نسبة المسلمين فيه بـ96%، وقد لعب العلماء والمشايخ الأكراد المسلمون في مختلف المراحل دورا مهما في صناعة الثورات الكردية، مستفيدين من التفاف الشعب حولهم ودعمه لهم، كثورة الشيخ عبيد الله النهري ضد الفرس عام 1880م، وثورة الشيخ سعيد بيران ضد مصطفى كمال أتاتورك في1925م، كما أسس القاضي محمد عام 1946 “دولة كردستان” أو “دولة مهاباد” في إيران والتي استمرت نحو سنة، وكذلك ثورة الشيخ محمود الحفيد سنة 1920م ضد الإنكليز في العراق.

بدأت المشكلة الكردية تظهر شيئا فشيئا بعد سقوط الدولة العثمانية التي كانت رابطة تجمع بين كافة القوميات والشعوب المسلمة باعتبارها “دولة الخلافة التي تمثل كل المسلمين”؛ فبعد سقوطها انكفأت كل قومية على نفسها وبات لها دول تمثلها كالعرب والفرس والترك وسائر القوميات باستثناء الأكراد الذين يعتبرون إلى الآن من أكبر القوميات التي لا تملك وطنا موحدا معترفا به.

ومع تعاقب الحكومات على الدول التي توزع الأكراد بينها، وهي تركيا والعراق وإيران وسورية، عانى الأكراد تمييزا شديدا من قبل أغلب الحكومات والأحزاب التي قامت إما على أساس قومي متعصب كحزب البعث في سورية والعراق أو على أساس مذهبي يعادي بقية القوميات والأقليات كما هو الحال في إيران التي مارست أفعالا تعسفية بحق المواطنين الأكراد وغيرهم من القوميات وخاصة في ظل حكم الولي الفقيه.

كل هذه الممارسات التي تتجاهل التنوع والاختلاف ومصالح القوميات الأخرى، دفعت الأكراد للقيام بعدد من الثورات ضدها، قادها في الغالب مجموعة من المشايخ أو رجالات المجتمع الإقطاعيين المعروفين باسم الـ”الآغا”.

ويرى القيادي في جبهة العمل الوطني لكرد سورية إبراهيم درويش أن هذه الثورات قد رافقها صعود سياسي تنظيمي، ولكن إخفاقها ولّد لدى الأكراد قناعة مفادها أن مسألة إنشاء وطن قومي لهم ليست سهلة، وأن أملهم الوحيد هو إقامة نظام مشابه لما في الاتحاد السوفياتي بجمهورياته المختلفة، لذلك أخذوا ينخرطون في الأحزاب الشيوعية المحلية، أو يتعاونون معها في سبيل تحقيق حلمهم، لا سيما في عهد خالد بكداش الكردي الشيوعي الذي استطاع استقطاب عدد كبير منهم.

ساحة إسلامية فقيرة

ولهذه الأسباب كلها يمكن القول إن الساحة الكردية السورية الآن هي ساحة فقيرة بالحركات والتكتلات الإسلامية قياسا بالأحزاب القومية والعلمانية والشيوعية وغيرها والتي يزيد عددها الآن عن 30 حزبا.

ومن بين هذه الأحزاب والتكتلات الإسلامية الكردية: “جبهة العمل الوطني لكرد سورية” و”جمعية علماء الكرد في سورية” و”الحزب الإسلامي الكردستاني” و”حركة الحق والعدالة الإسلامية الكردية في سورية”.

ويؤكد العضو الكردي المؤسس في الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) الشيخ عمر حمدو لـ”مسار برس” أن قلة الأحزاب الإسلامية الكردية تعود إلى مجموعة من الأسباب من أبرزها ما أسماه “النفخ الإعلامي المضلل والمشوّش طوال الفترة السابقة، والذي كان يبث بين الأكراد جملة من المفاهيم المغلوطة التي تستعدي العرب والمسلمين على أساس أن الأكراد قد استـُغلوا سابقا من قبل القوميات الأخرى باسم الدين؛ فرفع البعض بمن فيهم العلمانيين شعارات تنادي بالعودة إلى ديانة الأكراد القديمة قبل الفتح الإسلامي الديانة الآيزيدية أو الزردشتية باعتبار أن الإسلام دين للعرب”.

ويضيف الشيخ عمر أن من بين الأسباب كذلك كثرة أخطاء الإسلاميين الأكراد أنفسهم، حيث إنهم لم يستطيعوا التغلب على مشاكل التخلف الفقهي والتقليد الديني، فأصبح من السائد بين الناس أن أي شخص كردي عندما يلتزم دينيا ينسلخ من محيطه ويتخلى عن قومه، ويتكلم اللغة العربية وينسى اللغة الكردية، فاستغل القوميون هذا البعد من قبل الإسلاميين عن اللغة الكردية والمجتمع لإبعاد الناس وتنفيرهم عن الالتزام والتدين على حد وصف الشيخ حمدو.

وفي ذات السياق يقول مسؤول العلاقات العامة في جبهة العمل الوطني لكرد سورية محمد معتز حمي إن السبب في ذلك يعود إلى جملة من المشاكل في العمل الإسلامي عامة وفي العمل الإسلامي الكردي خاصة؛ ومن أهم هذه المشاكل برأيه “عدم القدرة على تحديد الأيديولوجية الفكرية أو تنظيم الخلاف مع الأطراف، فكل فرقة ومذهب وطريقة تفسر الإسلام تفسيرا مختلفا”.

ويرى العضو في الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) الشيخ عمر حمدو أن الانتماء إلى التيار الإسلامي لا يعني أبدا التنكر للأصل فالإسلام دين حنيف لا يلغي الشخص وأصله، ولكنه يهذب هذه النزعة في الشخص ويوجهها التوجيه الصحيح الذي يخدم المجتمع.

موقف القوميين من الأحزاب والجماعات الإسلامية

تختلف نظرة الأكراد غير الإسلاميين تجاه الحركات والتنظيمات الإسلامية الكردية وغير الكردية باختلاف أفكارهم وانتماءاتهم الحزبية.

عضو اللجنة السياسية لحزب “آزادي” الكردي في سورية علي مسلم يؤكد لـ”مسار برس” أن “الجميع أحزابا وأفرادا ينتمي إلى هذا المجتمع الذي هو بطبيعته خليط غير متجانس فكريا وأيديولوجيا، بالإضافة إلى عدم التجانس القومي الموجود، والجماعات الإسلامية جزء مهم من هذا الخليط المجتمعي وهي حالات وطنية في النهاية، فمن الطبيعي أن تكون هناك مشتركات فكرية بيننا وبينهم تخص الجانب الوطني كمسألة الدفاع عن الوطن وبناء الدولة”.

ويعتبر مسلم أن موقف حزبه تجاه الجماعات الإسلامية يختلف من جماعة إلى أخرى فهذه الجماعات لا تمتلك نفس الأيديولوجيا أو الأفكار، فـ”هناك الإسلام المعتدل وهناك الإسلام المتشدد فمن الطبيعي أن يختلف موقف الحزب من مستوى إلى آخر، كما أن هناك فرقا بين الاختلاف والمعاداة، فالأحزاب الكردية في غالبيتها علمانية وتؤمن بالديموقراطية والتقدم الاجتماعي وهذا في الواقع لا يتطابق تماما مع توجهات الإسلاميين لكن ذلك لا يضعنا في خانة المعاداة”.

من جانبه يرى الكاتب والسياسي الكردي المستقل طه الحامد أن أغلب الأحزاب الكردية الآن تتبنى منظومات فكرية ليست لها علاقة مع الجذور الإسلامية أو مع الإسلام السياسي، “وهذا لا يعني أنهم معادون للدين الاسلامي الحنيف فنحن الكرد أفضل الشعوب التي عرفت الإسلام كما أمر الله ورسوله”.

ويؤكد الحامد لـ”مسار برس” أن الحركة الكردية التحررية قديما قادها رجالات دين معروفون وعائلات دينية معروفة اتخذت من المساجد مكانا لتوعية الشعوب بـ”مصالحه القومية” ومقارعة الظلم، ولكنهم لم يعطوا أية صبغة دينية لتلك الحركات والثورات، بل كانت ذات “طابع قومي بحت” وإن كان من يقودها رجال دين.

ويُعبّر الحامد عن تأييده لقيام جمعيات ثقافية وخيرية إسلامية “تساهم في بناء مؤسسات المجتمع المدني ونشر الوعي الإسلامي الحقيقي المعتدل بين الشباب، وإغلاق الطرق أمام التنظيمات المتطرفة في استمالتهم”.

من جانبه يقول مسؤول الإعلام في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd) في أوروبا إبراهيم إبراهيم:

“إن كل ما يثار من أقوال حول معاداة الأحزاب الكردية للإسلام غير صحيح، فالطبيعة النفسية والفكرية والأخلاقية والدينية العامة لدى الأكراد تختلف عن التركيبة الدينية للإسلاميين العرب، وهذا ليس دليل معاداة، كما أن من يدعي ذلك من الإسلاميين، يفعل ذلك لتبرير فكرة إلغاء الآخر وقتله فحسب، وهذا ليس بالنسبة للكرد فقط بل بالنسبة للأرمن والمسيحيين والآشور، وكل من يختلف معهم والتجارب المعاصرة والتاريخية كثيرة في هذا الشأن”.

العلاقة العربية الكردية في ظل الخلاف السياسي

على الرغم من كل ممارسات حزب البعث في سورية ضد الأكراد باسم العروبة والقومية، إلا أن العلاقة العربية الكردية على الصعيد الاجتماعي بقيت متينة لم تتأثر بكل ذلك إلى حد كبير.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب الكردي المستقل طه الحامد: “إن العلاقة العربية الكردية قوية جدا على الصعيد الاجتماعي وبين الناس البسطاء بسبب التعايش التاريخي وترابط المصالح وصلات القربى، أما على الصعيد السياسي فقد شهدت العلاقة هزات قوية وبالذات بعد الهجمات الأخيرة للفصائل الإسلامية والجيش الحر على المناطق الكردية”.

كما يؤكد مسؤول العلاقات العامة لجبهة العمل الوطني لكرد سورية محمد معتز حمي لـ”مسار برس” أن “الظلم الذي تعرض له الشعب الكردي في سورية هو ظلم مشترك مارسه نظام الأسد بحق كل السوريين بمن فيهم أبناء طائفته؛ وإن كان الأكراد قد نالوا منه النصيب الأكبر”.

بدوره يرى عضو اللجنة السياسية لحزب “آزادي” الكردي في سورية على مسلم أنه وبعد استلام البعث لمقاليد السلطة عمل هذا الأخير منذ البداية على زرع التفرقة بين المكونين الرئيسيين في سورية الأكراد والعرب، وذلك عبر جملة من الممارسات التعسفية، إلا أن الحركة السياسية الكردية عملت وبقوة على بناء علاقات أخوية قائمة على التشارك في البناء والتآخي في العيش المشترك مع احتفاظ الكل بخصوصيته القومية، أما بعد الثورة وبالرغم من محاولة السلطة اللعب على هذه الورقة أيضا فقد فشلت نتيجة اصطدامها بالوعي الوطني المتكون لدى الجميع عربا وأكرادا، كون المظالم التي تعرض لها الشعب السوري كانت قد شملت الجميع دون استثناء.

أما الشيخ عمر حمدو العضو المؤسس في الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) فيعتبر أنه من غير الممكن تحميل العرب أوزار نظام الأسد الذي سعى قديما كما يسعى الآن إلى خلق الفتن بين أفراد القوميات حسب قوله.

مقاتلون أكراد في تنظيمات وكتائب إسلامية

شهدت الساحة الكردية في سورية بعد الثورة انخراط العديد من المقاتلين الأكراد في التنظيمات والحركات الإسلامية أو في الكتائب الإسلامية التابعة للجيش الحر.

وقد تحدثت “مسار برس” إلى عدد من هؤلاء المقاتلين الأكراد وتعرفت على الأسباب التي دفعتهم لمشاركة الفصائل الإسلامية في القتال.

أبو علي الكردي أحد المقاتلين في “حركة أحرار الشام الإسلامية” ذكر لـ”مسار برس” الأسباب التي دفعته إلى الالتحاق بالحركة قائلا: “إن المنهج الإسلامي المعتدل للحركة البعيد عن الغلو هو الذي دفعني للانتماء إليها والقتال معها”، مؤكدا في الوقت ذاته على تمسكه بقوميته الكردية.

أما أبو حزم الكردي وهو من المقاتلين في “كتيبة طليعة الحق” التابعة لـ”لواء أبو بكر الصديق” بريف حلب فيقول: إن من أهم الأسباب التي جعلتني أعمل مع الكتيبة هو كوني مسلما، وعليّ واجبات كثيرة يجب أن أؤديها تجاه ربي ومجتمعي وديني أولا ثم تجاه أهلي وقومي.

ويؤكد شيركو آغا من “لواء أمهات المؤمنين” في الغوطة الشرقية بريف دمشق أن “القوميات تسقط تحت الإسلام باعتباره وعاء يحوي ويقبل كافة القوميات والشعوب، ولذك تأتي مشاركتي مع هذا اللواء لإعلاء كلمة الإسلام في مواجهة الطغاة والثأر للدماء والأعراض”.

ويُجمع من التقينا معهم من هؤلاء المقاتلين أن دخولهم في العمل الإسلامي القتالي لا يتعارض أبدا مع انتمائهم القومي، فشيركو آغا يعتبر أنه من الخطأ أصلا اعتبار أن الأكراد في معظمهم مع التيار القومي أو العلماني.

بينما يؤكد أبو حزم الكردي لـ”مسار برس” على أن انتماءه الإسلامي لا يتعارض مع كونه كرديا لأن الدين “لا ينكرني ولا ينكر أهلي وقومي على العكس تماما فهو يعطيني حقي وحق جميع الناس من حولي سواء كانوا عربا أم غير ذلك وسواء كانوا مسلمين أم لا”.

كما يشير المقاتلون الأكراد إلى التوافق الكبير الذي يعيشونه مع المقاتلين العرب داخل هذه الفصائل، فهم محطّ احترام وتقدير من قبلهم كما يقول ولات سيدو أحد المقاتلين في “لواء سعد بن عبادة” أحد الفصائل الإسلامية التابعة لـ”قوات المغاوير” في الغوطة الشرقية.

إلا أن أبو حزم يميز بين نوعين من الإسلاميين العرب:

الأول: ليس صاحب قضية أو فكر ولكنه ركب الموجة ومشى في هذا الطريق دون وجود فهم واع لطبيعة العمل الإسلامي، وهؤلاء يعاملون الكردي الإسلامي معاملة سيئة ولا يميزون بينه وبين الجهات الكردية الأخرى “وهذا ما حصل ويحصل لي”.

الثاني: اتجاه لأصحاب العمل والعقل الواعي وهؤلاء وبكل حيادية يعاملون الكردي الإسلامي معاملة رائعة تصل إلى حدود “الدلال” والاهتمام والرعاية.

ويعتبر أبو حزم الكردي أن المشكلة الحقيقية ليس في نظرة العرب لهم بوصفهم مقاتلين إسلاميين، بل في نظرة أبناء مجتمعهم “الأكراد” إليهم؛ خاصة مع وجود قتال بين هذه الفصائل الإسلامية عامة وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بالإضافة إلى قلة الإسلاميين والحركات الإسلامية على الساحة.

ويشير أبو حزم إلى 3 مواقف من قبل الأكراد تجاههم بوصفهم إسلاميين أكراد:

“نظرة ترى أنك خائن للقضية الكردية وعميل للعرب، وأنك بعت نسبك وقومك وارتميت في أحضان العرب، وهذه نظرة تستطيع القول بكل أسى إنها كبيرة نسبيا. ونظرة ثانية تثير الكثير من الريبة والشكوك حولك وحول سلوكك واستقامتك، وهذه نظرة قليلة وغالبا ما تكون من مؤيدي نظام الأسد، أما النظرة الأخيرة فترى فيك البطل والأمل، وأنك الكردي السوي المستقيم الذي تذود عن شرفك وعن أرضك وعرضك وسمعة قومك وسمعة الأكراد عموما؛ وهذه النظرة ولله الحمد تزداد كلما ثبت استقامة الكردي المقاتل وسلوكه”.

أما أبو علي الكردي المقاتل في “حركة أحرار الشام الإسلامية” فيقول: “قليل من يعرفني من الأكراد أنني أقاتل مع الحركة، ومن عرف أنني أجاهد معها ضعفت علاقتي به واقتصرت على المجاملات، حتى إن بعضهم دعاني إلى القتال ضمن صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي الـ”pyd”.

المعركة مع حزب الاتحاد الديمقراطي

يُظهر المقاتلون الأكراد عدم الرضى عن موقف بعض الأحزاب الكردية تجاه الثورة السورية. فموقف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تجاه الثورة وبرأي أبو حزم الكردي قد “أثار شبهات وتساؤلات كثيرة”، واصفا موقف الحزب بـ”السلبي وأنه لا يتناسب مع الظلم الذي تعرض له الأكراد عامة، والحزب خاصة على يد حزب البعث”.

أما أبو علي الكردي من “حركة أحرار الشام الإسلامية” فيصف موقف الحزب بـ”غير اللائق” ويعتبره موقفا لا يمثل موقف الأكراد عامة وأن “نظام الأسد هو من يغرر بالحزب ويدفعه لقتال الفصائل الإسلامية”.

هذا ويؤكد شيركو آغا لـ”مسار برس” أن “الأكراد عامة مع الثورة إلا أن هناك بعض الأحزاب كحزب الاتحاد اتخذ موقفا يقوم على المصلحة الحزبية، كما هو حال الكثير من السوريين العرب الذين يقفون مع نظام الأسد”.

وقد شارك عدد من هؤلاء المقاتلين الإسلاميين في المعارك التي دارت ضد حزب الاتحاد الديمقراطي مثل أبو علي الكردي الذي أكد على أنه كان من المقاتلين الذين قاتلوا الحزب في منطقة دارة عزة بريف حلب؛ مضيفا وبحسب رأيه أن الحزب “سيتهاوى بمجرد سقوط الأسد”.

أما أبو حزم الكردي المقاتل في كتيبة “طليعة الحق” فيرى أن “ميثاق الشرف بين كل المجاهدين والمقاتلين يقوم على توجيه البندقية صوب قوات الأسد، لكن القتال الذي يدور الآن بين الجيش الحر وبعض الجماعات الإسلامية من جهة، وبين الجهات الكردية من جهة أخرى لا يتعدى أبدا كونه صراعا أساسيا بين نظام الأسد ومعارضيه، لأنني أعتقد أن هذه الجهات الكردية تعمل لصالح النظام وتنفذ أجنداته في الدولة السورية وخارجها، وهي التي تحمل مسؤولية هذا الصراع وهي التي ابتدعته وتؤججه”.

ويتساءل أبو حزم “كيف للحزب أن ينكر علاقته بنظام الأسد وهو يمده بالسلاح في كثير من المناطق، وإذا كان الحزب يعادي النظام؛ فماذا تفعل مؤسساته في القامشلي، وماذا الذي تفعله مقرات حزب البعث وتماثيل الأسد في المناطق التي تسيطر عليها قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد”.

ويضيف أبو حزم أن “الفصائل الإسلامية والجيش الحر كثيرا ما حاولت تجنب الصراع، ولكنه فرض عليهم وأرغموا على الدفاع عن أنفسهم، وأنا كنت شاهدا على كثير من المصالحات والتوترات التي جرت بين الطرفين في منطقتي”.

إلا أن هناك من له وجهة نظر مختلفة لا تتفق مع وجهتي النظر السابقتين، فشيركو آغا يعلن أنه في حال نشوب قتال بين فصيله والأكراد سيتجنب القتال باعتباره “حرب فتنة”، بينما يتمنى ولات سيدو أن يتوصل الطرفان إلى حل ينهي هذه المعركة، فالأسد برأيه هو العدو الأكبر، وهذه المعارك هي ثانوية لا ينبغي لها أن تلهي الثوار عن المعركة والهدف الأساسي وهو إسقاط نظام الأسد على حد تعبيره.

موقف الأحزاب السياسية الكردية من المقاتلين الأكراد الإسلاميين

يؤكد عضو اللجنة السياسية في حزب “آزادي” الكردي في سورية علي مسلم لـ”مسار برس” أن “حزب الاتحاد الديموقراطي وقع في مصيدة الاستمالة، ووقف إلى جانب نظام الأسد ضد إرادة الشعب السوري بمن فيهم أبناء الشعب الكردي، وذلك عبر رضوخه لبعض المكاسب الوقتية، وهذا الأمر بالنتيجة لا يعبر عن إرادتنا كأكراد”.

ومن جهته يؤكد مسؤول العلاقات العامة في جبهة العمل الوطني لكرد سورية محمد معتز حمي أن “الجهاد فرض في ديننا الحنيف، ونحن ننظر لهؤلاء الشباب الأكراد الذين قاموا بنصرة الدين والدفاع عن الوطن بأنهم رجال أبطال دفعهم التزامهم بدينهم وتمسكهم بوطنهم وإرادتهم لنصرة أهلهم والقيام بواجبهم؛ وهم ممن يصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، كما أن كل بندقية موجهة لنظام الأسد المجرم هي بندقية مرحب بها لدينا”.

أما في الجهة المقابلة فيعتبر مسؤول الإعلام في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd) في أوروبا إبراهيم إبراهيم أن “مصطلح الجماعة بحد ذاته هو مصطلح سلفي وإطار مغلق غير قادر على مواكبة عناصر اللحظة وخاصة الجماعات التي تتبع ظاهرة الترهيب الفكري”، واصفا الجماعات الإسلامية التي تقاتل الأكراد حاليا في عدد من المناطق بأنها “عصابات لا حدود لإجرامها وأنها دخيلة ليس فقط على الثورة السورية وقيمها بل على الإنسانية ككل، وأن سلوكها الإجرامي اليوم ليس فقط بحق الشعب الكردي فقط بل بحق كل مختلف معها”.

أما الكاتب والسياسي الكردي المستقل طه الحامد فيعتبر أن “التاريخ السياسي الكردي لم يعرف على مدى العهود السابقة أي تطرف ديني أو تسييس للدين، واتخاذه مرجعية مطلقة في النشاطات السياسية، وأن ما نشاهده الآن في عموم كردستان من دخول فكر تنظيم القاعدة، وتأسيس منظمات مسلحة عابرة للقومية وللمصالح الكردية، هو إضرار وعدوان على الشعب الكردي واعتداء على الدين الإسلامي الحنيف”.

ويضيف الحامد أن “المنطقة الكردية شهدت أعمالا همجية قامت بها بعض الفصائل في المناطق الكردية من نهب وسلب وإحراق لبيوت الأكراد، في وقت كانت فيه القوى الكردية تحمي بيوت المدنيين في مناطقها بمن فيهم العرب وتوزع المساعدات عليهم في تلك المناطق”.

ويعتبر الحامد كذلك أن “الجماعات الإسلامية المتطرفة المرتبطة مع تنظيم القاعدة والتي تقاتل الشعب الكردي أو قوات حماية الشعب (ypg) ليس لها قومية أو بلد أو مكان، وأنها تحارب تحت تأثير أفكار ومعتقدات مخترقة على مستوى القيادات من قبل أجهزة الاستخبارات الدولية التي توجهها حسب مصالح دولها والمخططات التي ترسم للشرق الأوسط عموما”.

وفيما يخص مشاركة المقاتلين الأكراد في الفصائل الإسلامية التي تقاتل حزب الاتحاد في الفترة الأخيرة يؤكد مسؤول الإعلام في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd) في أوروبا إبراهيم إبراهيم لـ”مسار برس” أن “هذا أمر طبيعي لأننا شعب لدينا السيء و العميل والخائن والجيد كما في كل الأمم، ولكن في الحالة الكردية السورية هناك من يؤسس لقانونية المعاداة لشعبه تحت مبررات ومصطلحات الوطنية والثورية والديمقراطية ومحاربة المختلف معك، وهي حالة خطيرة يجب على الحركة السياسية الكردية والمهتمين وأخصائيي علم الاجتماع والتربية الاهتمام بها أكثر، لأن قتال شعبك لأسباب غير مقنعة أو بالأصل غير موجودة حالة إجرامية بكل معنى الكلمة”.

كما أن إبراهيم يرجح وجود أسباب أخرى تدفع المقاتلين الأكراد الإسلاميين لمحاربة قومهم منها عدم قدرة استيعاب الحركة السياسية الكردية للبعض منهم، وأيضا قد يكون السبب اقتصاديا بالإضافة إلى بعض الأسباب التي تعود إلى تركيبة بعض هذه العناصر المريضة على حد وصفه.

لغط متعمد وممارسات غامضة

من جانبه يؤكد عضو اللجنة السياسية في حزب “آزادي” الكردي في سورية علي مسلم لـ”مسار برس” أن هناك لغطا متعمدا من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي حيال هذه الجماعات الإسلامية ومقاتلة الأكراد وذلك بالنظر إلى ما يجري على الأرض، “فنحن أيضا أكراد لكننا لم نرَ حتى الآن من يقاتلنا من الإسلاميين وغير الإسلاميين، ما يجري في الواقع هو اقتتال بين كل الفصائل المقاتلة بما فيهم الإسلاميين من جهة، وحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وجناحه المسلح (ypg) من جهة أخرى، بسبب الممارسات الغامضة لهذا الحزب، فهو يقف بالسر إلى جانب أجندة نظام الأسد، وهناك وثائق دامغة وقعت بيد الجيش الحر تثبت ذلك، فلا يوجد شيء اسمه مقاتلة الأكراد حتى الآن، وهذا ما يروج له الحزب المذكور عبث بغية جرّ الأكراد إلى هذا الصراع وخلق بلبلة بين المكونات السورية إرضاءً للنظام الاستبدادي حيث لا مصلحة للشعب الكردي في هذا الشكل من الصراع مطلقا”.

وفيما يخص مشاركة المقاتلين الأكراد في الفصائل الإسلامية ضد حزب الاتحاد يشير مسلم إلى أن “هناك كتائب كردية تقاتل النظام وليست مع حزب الاتحاد مثل “كتيبة آزادي” في بلدة تلعرن بريف حلب الشرقي، و”لواء صقور عفرين” و”لواء صلاح الدين” في مدينة حلب وبلدة كفر صغير بريفها الشمالي، و”تجمع كتائب ثوار الكرد” في حلب وريف حلب الشمالي، وكل هذه الكتائب لم تشترك في الحرب على قوات الـ (ypg). أما بالنسبة للمقاتلين المنتمين إلى الجيش الحر فهم لا يخضعون لتوجيهاتنا كأحزاب وبالتالي يجوز أن تكون مشاركتهم في القتال ضد حزب الاتحاد هي مشاركات فردية، تُصّنف على أنها استثنائية ولا يمكن تعميمها. فنحن في حزب “آزادي” منذ اليوم الأول للثورة وقفنا ضد الاقتتال الكردي – الكردي، بالرغم من حالات التعدي التي حصلت من قبل حزب الاتحاد على رفاق حزبنا في مواقع عدة”.

ويقول العضو المؤسس في الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) الشيخ عمر حمدو “إن الصورة التي يحاول حزب الاتحاد رسمها عن المعارك التي تدور مع الفصائل الإسلامية، هي صورة مغلوطة، تهدف لجر الأكراد جميعا إلى معركة خاسرة سببها الرئيسي هو حزب ارتضى الوقوف إلى جانب جلاد يذبح السوريين”.

ويؤكد الشيخ عمر أن الحزب بممارساته هذه “يهدف إلى تخفيف الضغط العسكري الذي يمارسه الثوار على نظام الأسد وخاصة في ريف حلب، وأنه يرد الجميل إليه بعد أن انسحب من المناطق الكردية وسلمها لحزب الاتحاد، كما أن انسحاب قوات الأسد من مطار منغ العسكري ولجوءها إلى حزب الاتحاد وتسليم دباباتها له، ثم تهريبها بمساعدة الحزب إلى “نبل والزهراء”، أكبر دليل على عمالته، فهل يمكن لعدو أن يحتمي بعدوه”، ويعتبر الشيخ أن “وجود الحزب على الساحة هو وجود مؤقت، ينتهي بانتهاء الأسد الداعم الرئيس له”

مستقبل الحركات الإسلامية الكردية في سورية

أمام هذه الصورة المعقدة للساحة الكردية التي تشهد صراعات واختلافات واضحة، يلف الغموض مستقبل القوى الإسلامية الكردية أو المقاتلين الأكراد في الفصائل الإسلامية وعلاقتها مع بقية الأحزاب الكردية.

ويؤكد عضو اللجنة السياسية في حزب “آزادي” الكردي في سورية علي مسلم أن الحزب لا مشكلة لديه في التعامل مع بقية الفصائل، فقد اشترك مع كتائب الجيش الحر في جبهات عدة، وحاليا يقوم الحزب بالتنسيق معهم في أغلب المواقع و”لا نرى ضيرا في ذلك كوننا نمتلك وإياهم تصورات مشتركة حيال الصراع الدائر في الجبهات والمناطق المحررة وساهمنا معاً في درء الصراعات الجانبية عن مناطقنا، ونمتلك تصورا متقاربا حول مستقبل سورية التعددي الديموقراطي”.

كما اعتبر مسلم أن الخلاف الفكري مع الجماعات الإسلامية هو “اختلاف في وجهات النظر بصدد المستقبل، لذلك يمكن تجاوزه في المستقبل بالحوار والنقاش والتمسك بالتقاطعات الوطنية، وترك الأمور الأخرى لصناديق الاقتراع مستقبلا”.

أما الكاتب والسياسي الكردي المستقل طه الحامد فيرى أن “هؤلاء المقاتلين الأكراد في الكتائب الإسلامية التي تقاتل حزب الاتحاد سيُرمى بهم خارج أي ترتيبات من قبل حلفائهم عندما يسقط النظام”، فلا يمكن برأيه لأي مخلوق “أن يحترم شخصا يقاتل مع الغريب ضد أهله تحت أي حجة أو ذريعة”، مشيرا إلى أن المنطقة الآن على بوابة مرحلة انتقالية، و”عندما تستقر الأوضاع سيكون من حق الجميع تأسيس أحزاب سياسية، ولكن سيبقى النقاش مفتوحاً حول أهمية أو عدم ضرورة تأسيس أحزاب على أسس دينية ومرجعيات إسلامية”.

من جانبه يرى العضو المؤسس في حزب “وعد” الشيخ عمر حمدو أن “القوى الإسلامية على الساحة الكردية تعيش في ربيع جيد وهي في ازدياد مستمر، لأن الأكراد بدؤوا يختلطون بالإسلاميين وأصحاب المشروع الإسلامي، وباتوا يرون الصدق والنزاهة في المقاتل الكردي، بعد أن أشاع حزب الاتحاد الديمقراطي الكثير عن الإسلاميين ووحشيتهم وأنهم غير قادرين على إدارة شؤون الناس، فعندما رأى الناس الحقيقة تركوا هذا الهراء وأصبحوا يلتفون حولهم”.

كما أكد منسق العلاقات العامة في جبهة العمل الوطني لكرد سورية محمد معتز حمي أن “الأكراد بنسبة كبيرة جدا هم مسلمون بل إسلاميون وليسوا بشيوعيين ولا علمانيين، وبالتالي فإن القوى الإسلامية نابعة من حاضنتها الشعبية الكردية الإسلامية، وستمضي في الدرب لتحقيق تطلعات الشعب الكردي في سورية من منطلق إسلامي ووطني، ونحن نعلم بأن المعوقات كثيرة وأن الدرب طويل وشائك، ولكننا بإيماننا بالله ثم ثقتنا بشعبنا الكردي العظيم سنتفوق على كل هذه الصعاب، لنحيي الأمة الكردية بنور الإسلام العظيم، وأنا متفائل على المستوى البعيد وإن كان الحاضر لا يبشر بوجود المخرج أو البديل القريب”.